والمعروف أن الرئيس مطلوب منه، بموجب قانون أقره الكونغرس، إبلاغ هذا الأخير، كل 90 يوماً، لوضعه في صورة التزام طهران بشروط تطبيق الاتفاق النووي، على ضوء خلاصة التقرير الذي تضعه وكالة الطاقة الدولية التي تقوم بمهمة التفتيش والتحقق من وفاء إيران بالتزاماتها.
كذلك من المعروف أن الرئيس ترامب أعطى موافقته، مرتين حتى الآن، وعلى مضض، بل تحت الضغوط التي شارك فيها وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، مع تلميحه شبه الصريح بأنه يعتزم رفض الموافقة على تقييم الوكالة في المرة المقبلة. وكانت السفيرة هيلي قد قامت بزيارة لمقر وكالة الطاقة في فيينا، خلال أغسطس/ آب الماضي، كجزء من التحرك الرامي، على ما يبدو، إلى تنصّل الإدارة من الاتفاق.
وفي مطالعتها الطويلة، الشبيهة بمرافعة محامي الادعاء الذي يعتمد على وقائع تتصل بالظروف وليس بالموضوع، استحضرت هيلي السوابق والأحداث التي حصلت منذ الثمانينيات، والمتهمة إيران بها مع قوى محسوبة عليها؛ لتؤسس لحيثية تقديرية تقول بأن النظام الإيراني "كانت ولادته مخالفة للقانون الدولي ولا يوثق به".
وفق هذا المقياس، ترى هيلي، ومعها البيت الأبيض ضمناً، أن الحكم على الاتفاق لا يستقيم من خلال النظر إلى جانبه النووي فقط، بل لا بدّ أن يشمل سلوك طهران ومدى انصياعها لأحكام "قرار مجلس الأمن 2231 الذي يضع قيوداً على تطوير التكنولوجيا الصاروخية القادرة على حمل رؤوس نووية".
ومن ثغرات الاتفاق، حسب هيلي، أنه "فصل بخط اصطناعي بين المشروع النووي وبين ممارسات إيران اللاقانونية". وهي ترى في تهديد طهران بشطب الاتفاق دليلًا آخر "على خطورة الحكم على الاتفاق من زاويته الإجرائية البحتة المتعلقة بالتصنيع النووي"، إذ إن أي مخالفة ترتكبها لن تكلفها "سوى استئناف العقوبات ضدها فقط، وبالتالي تركها طليقة لاستئناف المشروع".
بعد هذا التمهيد، تتوقع السفيرة هيلي أنه لو امتنع الرئيس عن قبول شهادة المرجع المختص حول امتثال إيران لشروط الاتفاق؛ "فعندئذ يتم وضع هذا الملف في عهدة الكونغرس"، والذي عليه قراءة رفض الرئيس "كرسالة تفيد بأن إيران تخالف الاتفاق، أو بأن رفع العقوبات عنها غير ملائم، وربما معاكس لمصلحة أميركا الأمنية". وفي هذه الحالة يكون أمام الكونغرس "فترة شهرين لفرض عقوبات جديدة على إيران".
ويتضح من كلام السفيرة الأميركية، على الأغلب، أن البيت الأبيض يتجه إلى إلحاق الاتفاق مع إيران باتفاقية باريس والاتفاقيات التجارية التي انسحب منها، مثل الشراكة الآسيوية؛ أو التي يعتزم إعادة صياغتها، وربما تركها، مثل اتفاقية "نافتا" مع كندا والمكسيك. وفي ذلك إرضاء للكونغرس غير المتحمس للاتفاق، بتأثير اللوبي الإسرائيلي على أجوائه، فضلاً عن أنه يرضي قاعدة الرئيس في صفوف المحافظين المتشددين.
في المرتين السابقتين، تمكّن عدد من أركان الإدارة، وبالذات وزير الدفاع، جيمس ماتيس، من حمل الرئيس على الموافقة. رافقت ذلك تحذيرات صدرت عن جهات مختلفة، من عواقب مغادرة الاتفاق النووي، وخلق أزمة كورية شمالية أخرى في الشرق الأوسط. خطاب هيلي الذي لا بدّ أن يكون قد نال مسبقاً موافقة البيت الأبيض، ينطق برفض مثل هذه التحذيرات، إلا إذا كان المقصود إرباك إيران وتركها معلقة بين الشك واليقين.