واشنطن تضع حفتر على الرفّ: ابحث عن الخلاف السعودي الإماراتي

08 يونيو 2019
لم يقتنع حفتر بجدوى العملية الدبلوماسية لدعم مشروعه(Getty)
+ الخط -
يبدو أنّ حراك أبوظبي داخل مراكز النفوذ في الولايات المتحدة، وملايين الدولارات التي أنفقت على شركات الدعاية، لم تفلح بدفع واشنطن دونالد ترامب، إلى إلقاء دعمها وراء الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، الذي يقود حملة عسكرية على العاصمة الليبية طرابلس؛ وفيما كشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، تفاصيل جهود إماراتية لترتيب لقاءات رفيعة لحفتر خلال زيارته المرتقبة لواشنطن، في مقدّمتها لقاء مع ترامب، بيّنت أنّ هذه الجهود كلّلت بالفشل نتيجة تصدّع الحلف العربي الداعم لحفتر، وفي مقدّمته الخلاف بين الرياض وأبوظبي. يأتي ذلك في وقت كشفت فيه مصادر أخرى لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية، أنّ واشنطن تهمّش حفتر وتدرس عدّة سيناريوهات بخصوص ليبيا ضمنها التدخل العسكري.

ونفى مسؤولٌ رفيع في البيت الأبيض صحة التقارير الإعلامية، التي تحدثت عن أن الرئيس دونالد ترامب سيستقبل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، خلال زيارته المتوقعة في 18 الجاري، مؤكداً في تصريح لقناة "الحرّة" الأميركية أن هذه الأنباء هي "مجرد شائعات"، وأن الأخبار التي يتم تداولها عن تلقي حفتر دعوة من الرئيس الأميركي "غير صحيحة".

غير أنّ مصدراً دبلوماسياً مقرباً من وزارة خارجية حكومة "الوفاق"، أكد وجود مستشاري حفتر في العاصمة الأميركية واشنطن منذ فترة طويلة، وهم يسعون لتنسيق زيارةٍ له ولقاء مسؤولين في البيت الأبيض، في محاولة لحشد الدعم لحربه المتواصلة في ليبيا.

وأكد المصدر، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أن حلفاء حفتر وخصوصاً في أبوظبي، يسعون إلى تأمين لقاء بين مسؤولين في البنتاغون وحفتر، لكن واشنطن لا تزال لا تعطي أولوية للملف الليبي، وهي منشغلة بقضايا أخرى في الشرق الأوسط، مشيراً الى أن البيت الأبيض ترك الملف الليبي للأوروبيين الذين لا يحظى حفتر بقبول واسع لديهم، ولم تستطع فرنسا حليفة حفتر الأوروبية الأولى، خلق توافق أوروبي حول مشروعه العسكري في ليبيا. 

ولفت المصدر إلى أن حفتر لا يسعى للحصول على دعمٍ لشرعية عمليته العسكرية فقط، بل إلى مناقشة ملفات كبيرة يرى حلفاؤه أنها مهمة لواشنطن، كملفي النفط والإرهاب، لكن المعطيات على الأرض في ليبيا لا تظهر الكثير من الأهمية لدور حفتر في هذين الملفين.

واستطرد المصدر بالقول إن "الحلف العربي والإقليمي الذي يدعم حفتر، يبدو أنه غير قادر في الاستمرار بالتوافق، فمصالح هؤلاء الداعمين متضاربة، ولا سيما الرياض وأبوظبي"، مشيراً إلى أن قبول واشنطن بلقاء حفتر مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى يحتاج إلى موقف موحد من قبل داعميه، وهو ما لم يتوفر حتى الآن، باستثناء رغبة إماراتية.

ولفت المصدر إلى أن جملة من المخاوف تحيط بزيارة حفتر لواشنطن، يبدو أن خصومه في طرابلس نجحوا في وضعها أمام طريقه، منها جنسيته الأميركية، ومطالب أعضاء في الكونغرس مؤخراً بضرورة التحقيق معه لكونه مواطناً أميركياً، حول تحركاته وأفعاله في طرابلس وليبيا.



الملف بيد بومبيو

في هذه الأثناء، ذكرت صحيفة "ذا غارديان" اليوم، أن واشنطن تعمل حالياً على إعادة تقييم سياستها بما خص ليبيا، وأن هذا الملف أصبح في عهدة وزارة الخارجية، التي تعمل على دراسة سيناريوهات عديدة، من بينها التدخل العسكري لوقف إطلاق النار في طرابلس، ما يشكل تهميشاً قوياً لحفتر.

ونقلت الصحيفة عن مصادر عديدة في الولايات المتحدة والمنطقة، قولها إن إدارة ترامب قد عمدت مؤخراً إلى تهميش حفتر، بعد أقل من شهرين على الاتصال الذي أجراه معه ترامب، وهي اليوم تعمل على إعادة تقييم سياستها تجاه الحرب الدائرة في ليبيا.

وبحسب الصحيفة، فإن شركة "ليندن ستراتيجيز" للعلاقات العامة، التي وقع معها حفتر عقداً لمدة عام بمبلغ مليوني دولار، لم تحرز تقدماً في ما يتعلق بتطوير العلاقات بينه وبين الإدارة الأميركية، في وقت تتبدل فيه السياسات داخل هذه الإدارة، في ظل وجود رئيس متقلب، أظهر أنه عرضة للضغط من أنظمة الخليج ومصر.

ويصرّ المسؤولون الأميركيون حتى الآن، على أن الاتصال الذي أجراه ترامب بحفتر، جاء كخدمة شخصية قدمها الرئيس الأميركي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي كان قد أجرى زيارة لواشنطن حينها، وهو لا يمثل تغييراً في السياسة الأميركية حيال الملف الليبي.

وقال جوناثان وينر، وهو مبعوث أميركي سابق لليبيا، إن وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين لم تأخذا علماً بالاتصال قبل حصوله، ولم تدعماه".

رغم ذلك، وبحسب "ذا غارديان"، فإن التوجه داخل إدارة ترامب لتهميش حفتر، تخطى مسألة الاتصال، إذ عمدت البعثة الأميركية داخل الأمم المتحدة مع روسيا، لعرقلة مشروع بريطاني دعا لإنهاء حملة اللواء المتقاعد على العاصمة الليبية. وذكر موقع "بلومبيرغ" أن ترامب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون كانا يدعمان الحملة، وأن حفتر قال لمسؤولين أميركيين كبار إن بولتون أعطاه الضوء الأخضر لشنّها، على أن ينجز المهمة سريعاً. لكنّ مسؤولاً أميركياً سابقاً عمل في إدارة باراك أوباما، أكد أن حفتر أصدر ادعاءات مشابهة في فترات سابقة، ثبت لاحقاً أنها غير صحيحة.

وقالت الصحيفة البريطانية إنه مع فشل تقدم حفتر العسكري، فإن حماسة ترامب للّواء المتقاعد قد تراجعت، لتعود قيادة الملف الليبي في واشنطن إلى وزارة الخارجية. ويقوم وزير الخارجية الأميركية منذ أسبوعين باستشارة خبراء بالشأن الليبي، وهو يدرس خيارات عدة، بما فيها احتمال فرض أميركي لوقف لإطلاق النار بالقوة.

وقال مصدر مطلع على مباحثات بومبيو، إن الأخير "بدأ يعير اهتماماً للملف الليبي، وهو متحمس لعودة صناعة القرار إلى مساره السليم". لكن أي تدخل عسكري أميركي، سيلقى اعتراضاً من ترامب، على الأرجح، بحسب "ذا غارديان"، بسبب رغبة الأخير الدائمة بسحب بلاده من التدخلات العسكرية الخارجية.

زيارة امعيتيق

في الأثناء، أنهى نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أحمد امعيتيق، أمس الجمعة، زيارة رسمية قام بها لواشنطن، والتقى خلالها مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية وعدداً من أعضاء الكونغرس، مؤكداً دور الولايات المتحدة في استمرار دعمها لحكومة "الوفاق".

وقال امعيتيق في حديث للصحافيين، إنه "قبل مجيئي إلى واشنطن، كانت هناك شائعات كثيرة مفادها أنّ الولايات المتحدة لا تدعم حكومتنا.. أعود إلى دياري ومعي رسالة مختلفة: الولايات المتحدة تدعمنا بصفتنا الحكومة الليبية الشرعية"، وذلك وفق ما نقلت عنه وكالة فرانس برس.

ودعا امعيتيق واشنطن إلى "استخدام نفوذها لعزل حفتر، الذي تدعمه دول عربية حليفة للولايات المتحدة"، مضيفاً أن حكومته "لا تطلب من الولايات المتحدة دعماً مالياً أو عسكرياً.. ما نحن بحاجة إليه هو مساعدة دبلوماسية محددة".

وتابع نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أن "الولايات المتحدة لديها الكثير من الحلفاء والأصدقاء في المنطقة، وهؤلاء يتدخلون بقوّة وبشدّة في الشؤون الليبية.. نريد من الولايات المتحدة أن ترسل رسالة واضحة لهذه الدول، لكي تنأى بنفسها عن ليبيا".

وأخيراً، يبدو أن حفتر غير مقتنع تماماً بضرورة وجود عملية دبلوماسية لدعم مشروعه العسكري، وهو لا يزال يفكر بطريقة تقديم الإغراءات لجلب الحلفاء. ويبدو كذلك أن تعاقده مع شركة "ليندن" لم يسر في اتجاه نجاح استثمار الملف النفطي في البلاد، والاستفادة من ثناء ترامب على دوره في "حماية المنشآت النفطية". والمعروف أن المديرين التنفيذيين للشركة، وهما ستيفن باين وبريان ايتنغر، هما من أهم اللاعبين في أسواق النفط والغاز الطبيعي الدولية.

​