لم تفلح محاولات رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في إيقاف الاعتداءات التي استهدفت المدنيين ودور عبادة مختلفة في محافظة ديالى، إذ دخلت أسبوعها الثاني على التوالي مخلفة نحو 200 قتيل وجريح ومفقود، فضلاً عن تدمير عدد من المساجد والمنازل. وهو ما دفع بقيادات اتحاد القوى الوطنية وممثلي ديالى في البرلمان إلى تعليق مشاركتهم بشكل مؤقت في البرلمان والحكومة، ملوحين بأن الخيارات مفتوحة لمقاطعة نهائية في حال لم تنفذ مطالبهم، وفي مقدمتها دخول قوات دولية لحماية سكان ديالى من الهجمات ذات الطابع الطائفي، فيما دخلت الولايات المتحدة والأمم المتحدة على خط الأزمة لمنع انهيار العملية السياسية.
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء قلل من تصعيد اتحاد القوى، عبر بيان مقتضب صدر عن مكتبه وصف فيه تسجيلات الفيديو والصور التي سربت للاعتداءات بأنها "مفبركة من قبل داعش"، إلا أنه زار أمس ديالى برفقة وزيري الدفاع خالد العبيدي، والداخلية محمد الغبان تحت حراسة مئات من الجنود الذين رافقوا الموكب للدخول إلى بلدة المقدادية بعد تعذر دخوله الأسبوع الماضي مع رئيس البرلمان بسبب رفض المليشيات المسلحة ذلك.
اقرأ أيضاً تقرير أممي: ألف مدني يقتل في العراق شهرياً
ويوضح رئيس كتلة اتحاد القوى العراقية، أحمد المساري، في تصريح خاص بـ"العربي الجديد" أن "اتحاد القوى، بكل مكوناته وكتله السياسية الممثلة بالبرلمان والحكومة، قرر مقاطعة جلسات البرلمان والحكومة بشكل مؤقت استنكاراً لما يجري في محافظة ديالى".
ويلفت المساري إلى أنّ "التعليق سيكون لجلستين في مجلس الوزراء ومثلها في البرلمان إلى جانب المطالبة بحل المليشيات ونزع سلاحها في ديالى، فضلاً عن اعتبار المحافظة منزوعة السلاح وحصر الموضوع بيد الأجهزة الأمنية فقط. كما تتضمن مطالب اتحاد القوى إلقاء القبض على المتورطين بجرائم القتل والتهجير والخطف والسطو المسلح وإحالتهم إلى القضاء وبسط سلطة القانون".
ووفقاً للمساري فإنه "في حال لم تستجب الحكومة للمطالب فإن خياراتنا ستكون مفتوحة منها مقاطعة نهائية للحكومة والبرلمان". ويؤكد المساري أنه "تمت مفاتحة الأمم المتحدة في طلب حماية دولية للسكان بمحافظة ديالى من الهجمات التي يتعرضون لها على يد المليشيات".
في غضون ذلك، يؤكد مسؤول في الحكومة العراقية دخول كل من السفير الأميركي في بغداد، ستيورات جونز، ورئيس بعثة الأمم المتحدة في بغداد، يان كوبيش، على خط الأزمة، بعدما عقدا اجتماعات متكررة مع أعضاء "اتحاد القوى" ومع رئيس الحكومة وقيادات سياسية في التحالف الوطني كلٍ على حدة. ويوضح المسؤول العراقي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنّ "السفير الأميركي ومبعوث الأمم المتحدة يسعيان لعدم تأزم الموقف سياسياً خشية انهيار العملية السياسية كما حدث في حكومة نوري المالكي في العام 2011 عندما انسحب النواب الذين يمثلون القوى السنية والكردية من الحكومة احتجاجاً على سياساته الطائفية". ويحذر المسؤول نفسه من أن تنظيم "داعش" المستفيد الوحيد من الأزمة الحالية السياسية واعتداءات المليشيات.
ولا تقتصر الأزمة السياسية على موقف اتحاد القوى العراقية، إذ إن رئيس الوزراء العراقي الأسبق، رئيس ائتلاف الوطنية، إياد علاوي، قد لوّح في مؤتمر صحافي بالانسحاب من العملية السياسية في البلاد، واصفاً إياها بأنها "تسير بشكل خاطئ. ففي الجانب السياسي هناك فشل كبير إضافة الى تدهور الوضعين الأمني والاقتصادي". ووفقاً لعلاوي فإنّ "المشروع الإسلامي السياسي فشل في البلاد"، لافتاً إلى أنّ "العملية السياسية وصلت الى طريق مسدود، وأنا غير مستعد لأكون شاهد زور". كما حذر من "تفاقم الأوضاع في العراق إذا لم تكن هناك مصالحة وإصلاح حقيقي"، معتبراً أن "الوضع في البلاد أصبح كارثياً وخصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية".
في هذه الأثناء، تتباين مواقف القوى السياسية حول جدوى اللجوء إلى خيار الانسحاب من الحكومة. وفي السياق، تقلل عضو اتحاد القوى، وصال سليم، من أهمية الانسحاب من الحكومة، وتأثير ذلك على الأخيرة وعلى الحلول السياسيّة. وتعتبر سليم، خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ "الانسحابات تكرّرت مرات عدّة من قبل الكتل التي تواجه بانتهاكات، في حكومتي المالكي والعبادي"، مشيرة إلى أنّ "الانسحاب ليس حلّا للأزمة، وأنّ سياسة الحكومة ثابتة تجاه المكون السني ولا تتغيّر حتى إذا انسحب ممثلوه". وتلفت إلى أنّ سياسة الحكومة بدت واضحة للجميع بأنّها سياسة ممنهجة لإقصاء مكون معيّن وتدمير مدنه، ودخلت أجندات إقليمية ودولية لتفكيك البلاد"، مؤكّدة أنّنا "بحاجة الى حلول جذرية وليست حلولا وقتيّة، من خلال منح صلاحيات الى واسعة الى الحكومات المحليّة من خلال مجالس المحافظات وعدم الاعتماد على الحكومة المركزيّة".
في المقابل، تؤكد النائبة عن اتحاد القوى، ناهدة الدايني، أنّ "كل الخيارات مفتوحة أمام التكتل، ما دامت الأزمات الأمنيّة وتجاهل معاناة بعض المكونات مستمرة من قبل الحكومة".
وتلفت الدايني، خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الأمم المتحدة تحاول أداء دور الوسيط لحل الأزمة مع الحكومة، وأنّ ممثلها في العراق يان كوبيش يعقد اجتماعات مع الجانب الحكومي وتحالف القوى العراقيّة ساعيا لتقريب وجهات النظر". كما تشير إلى أنّ "اتحاد القوى لا مشكلة لديه في الحل السياسي لكن ليس على حسابنا، ومطالبنا معروفة هي محاسبة المليشيات وتقديمهم للقضاء، وتوفير الحماية لمناطق ديالى وصلاح الدين وجرف الصخر وغيرها من المناطق التي تشهد نشاطا للمليشيات"، لافتة إلى أنه "هناك اجتماعات أخرى سيعقدها اتحاد القوى لمتابعة ما قد تحققه الحكومة بهذا الاتجاه، وبخلافه فأمامنا خيارات كثيرة، ولكل حادث حديث"، على حد قولها.
من جهته، يعتبر القيادي عن الكتل الكردستانيّة، محمود عثمان، أنّ "هذه الأزمات هي تجسيد للمشاكل المتجذّرة في العراق والصراع الطائفي في البلاد الممزوج بالصراع السياسي". ويوضح عثمان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "خطوات اتحاد القوى بالانسحاب من الحكومة هي محاولة للضغط على الجانب الآخر المتمثّل بالحكومة والمكوّن الشيعي لإيجاد حل لأزمة ديالى". ويشير عثمان إلى أنه "من المفترض أن تستجيب الحكومة إلى هذه الضغوط وتفتح باب الحوار الجدّي مع التحالف للوصول الى حلٍّ سياسيٍّ للأزمة".
ويلفت إلى أنّ "الحكومة تواجه أيضاً ضغوطا من الجانب الآخر المتمثل بالمليشيات والجهات الخارجيّة، الأمر الذي يعقّد الأزمة ويصعّب من الوصول إلى حلول، وخصوصاً أنّ الحكومة ضعيفة جداً".
ويقلّل عثمان من "أهميّة التدخّل الدولي بإيجاد حل للأزمة"، مستدركاً بالقول إن "التدخلات الخارجيّة هي أساس هذه الأزمة والأزمات الأخرى في البلاد". ويشير إلى أن المكون الكردي "لا يستطيع أن يتدخّل لحل هذه الأزمة لأنّ القضيّة أكبر من الوساطة الكرديّة والقضية شائكة جدّاً"، محذراً من "أن يتجه الوضع في ديالى وفي العراق إلى وضع أسوأ ممّا هو عليه".