هيمنة اللغة الفرنسيّة في بلجيكا

14 مايو 2018
تعتبر الفرنسية في بلجيكا لغة العمل والمعاملات الرسمية (Getty)
+ الخط -
بسبب تحوّل اللغة الفرنسيّة في بلجيكا إلى لغة الدولة والمعاملات الرسميّة والوظائف والعمل، ساهم هذا الأمر في إضعاف اللهجات المحليّة البلجيكيّة، وهيمنة اللغة الفرنسيّة على الصعيد الرسمي.

لهجة بروكسل
إذا كنت تبحث عن آخر من تبقى ممّن يتحدَّثون لهجة بروكسل، فإنهم رواد مقهى "ويلي". يردد هذا الكلام كل من التقتهم "العربي الجديد" في هذا المقهى، وسط العاصمة البلجيكية في ساحة "جو دو بال" في الحي التاريخي المعروف باسم "لي ماغول". لقد كانت ملاحظتهم، بخصوص آخر الناس الذين يتكلمون لهجة بروكسل، صحيحة. فهذه اللهجة المحلية قد فقدت إلى حدّ كبير مستخدميها، كما يلاحظ اللغويون. يقول الخبير في اللسانيات، مايكل فرانكلد، لـ"العربي الجديد": "عندما بُدئ بتطبيق السياسة الجديدة بتفريق المواطنين على مختلف الأحياء، بدأ اختفاء هذه اللهجة. فلهجة بروكسل لها أصول شعبية جداً. ونُقِل الناس من الأحياء المتواضعة، وتمّت بعثرتهم في أحياء المدينة الأخرى، الأمر الذي دفع هؤلاء إلى الاندماج في الاستخدامات اللغويّة الأكثر انتشارًا. وهو ما يعني هيمنة اللغة الفرنسية التي يفهمها الجميع والتي تعد عامل وحدة". وأكّد الباحثان، جان ميشيل جيا وميديريك جاسكيه سايروس، في دراسة فرنسيّة أثارت الكثير من الجدل: "اللغة تساهم في تعزيز البيئة الحضرية للمواطنين، كما يمكنها أيضاً تفكيكها أو تعديلها. وهناك تأثير للتحسُّن الاجتماعي على اعتماد لغة فرنسيّة أكثر حيادية".

ما هي اللهجة
يقول الأستاذ جامعي المتخصص في اللسانيات، ميخائيل كيسين: "هناك سمة برزت في بروكسل في السنوات الأخيرة تتعلق بنطق الفرنسية بشكل شبيه بلهجة العاصمة الفرنسية باريس. وهو ما يعني محاولة من جزء من البلجيكيين، على الأقل، العمل على التقرب من مجموعة كلامية يعتبرونها مرموقة"، مسترسلاُ "من قبل، كان الكل يتحدث بنفس طريقة الوالدين وخباز الحي والجيران. وهذا ما يساهم في بروز اللهجات الإقليمية. لكن عندما يتنقل الناس ويدرسون ويعملون في مكان آخر، فإنهم يكتشفون ويعتمدون طرقاً أخرى في التحدث. كما أن الكثيرين يعتقدون أنه يجب علينا أن نتبنى لغة محايدة يفهمها الجميع". ورغم ذلك فإن الباحث يظل متفائلاً "إذا كانت اللهجات المحلية تتلاشى، بفعل سطوة اللغة الفرنسية، فهذا لا يعني بتاتاً زوال جميع اللهجات. فهناك حدود لغوية وأخرى اجتماعيّة. إذ توجد لهجة الضواحي واللهجة البرجوازية".



صعوبات العمل
وكانت إحدى المجلات البلجيكية قد نشرت في نهاية فبراير/ شباط الماضي، محتوى دراسة أعدها، فيليب هامبي، المختص في سوسيولوجيا اللغات، حول تأثير اللهجات في مسلسل البحث عن وظيفة. وخلاصتها أنه في حالة وجود مرشحين يمتلكان مؤهلات مماثلة، مع فرق وحيد بينهما، يتعلق بنطق الأول بلهجة إحدى مدن جنوب بلجيكا، بينما لغة الثاني أقرب من الفرنسية الرسمية، فسيتم اختيار المرشح الثاني للوظيفة. "كان الأمر في صالح المرشح الذي كانت لغته أقرب من الفرنسية حتى عندما حاولنا جعل سيرته الذاتية أسوأ"، كما صرح الباحث. مضيفاً: "لقد تبين أن الناس يستطيعون الحكم على قيمتك وقدرتك على أساس اللهجة الخاصة بك". ومن الصعب الحديث في هذه الحالة عن التمييز، إذ كما يفسر الباحث "يمكن تشبيه اللهجات بمهارات اللغة. لذا ففي رأيي، من الصعب الحديث عن التمييز بالمعنى القوي. طرق الحديث ليست كالعادات بل هي مسألة كفاءة، ويمكن تقييمها".
دلالات
المساهمون