هيئة تخريب المسرح العربي: ليس مهرجاناً لفلسطين

25 أكتوبر 2019
(إسماعيل الدباغ في "الأحداث الأليمة في حياة أبو حليمة")
+ الخط -

ليس ما يُسمّى "مهرجان فلسطين الوطني للمسرح"، الذي يُفتتح اليوم في رام الله، مهرجاناً ولا فلسطينياً ولا وطنياً، وبالتأكيد هو أبعد ما يكون عن المسرح. ليس مهرجاناً بمعنى أنه لا يشكّل فاعلية ثقافية كالتي يُفترَض بمهرجان ثقافي أن يشكّلها، وليس فلسطينياً لأن موظّفين إماراتيّين هم أصحاب الأمر والنهي والاستبداد فيه، وليس وطنياً لأنه بعيد عن أسئلة الثقافة الوطنية الفلسطينية والتحرُّر الوطني لشعب يرزح تحت الاحتلال (دعك من الديكورات والشعارات التي تصدّر لدفع الحرج)، وليس مسرحياً لأن المسرح براء من كل ما سبق.

قال من يسميه مشغّلوه "الأمين العام للهيئة العربية للمسرح" إنّ "المؤسسة" التي انطلقت من الشارقة قبل 12 عاماً تأخذ على عاتقها مهمّة إقامة "مهرجان وطني للمسرح" في كل دولة عربية، هذا هو تصريح "الأمين العام" (لاحظوا حجم الادعاء في الاسم)، فالمال يشتري كل شيء حتى وإن كان مهرجانات مسرحية وطنية، فما هو الثمن الذي يجب أن تدفعه هذه الدول كي تكون المهرجانات المسرحية الوطنية تحت إمرة "الهيئة العربية للمسرح"؟ إنه ببساطة تدجين المسرح كفعل نقدي طليعي وتهميش المسرحيّين الحقيقيّين والمثقّف الحقيقي والناقد الحر.

تقوم "الهيئة" بعمل اللازم من تشكيل اللجان المختلفة وعلى رأسها اللجنة الإعلامية التي تطبّل وتزمر لمانح العطايا المالية السخية وتمجّد دوره ودور "الهيئة" في "رعاية" الحركة المسرحية في العالم العربي، في حين أن لأصحاب الضمير من المسرحيّين العرب رأياً مخالفاً تماماً؛ كاعتراضات المسرحيّين المغاربة أخيراً على بيع "مهرجان مسرح الهواة" في آسفي المغربية لـ"الهيئة" المذكورة.

لا شك أن المشهد المسرحي العربي مصاب بأعطاب كثيرة - وخاصة بعد موجة الربيع العربي - من بينها ضعف الميزانيات المخصّصة للثقافة بشكل عام وتشرذم المسرحيين العرب؛ وهنا يأتي هذا الدعم المالي من "الهيئة العربية للمسرح" للاستيلاء على ما تبقّى من حلم بمسرح عربي وعلى ما تبقى من إبداعات فردية وإقصاء للمبدعين الحقيقيّين عن المشهد المسرحي في عالمنا العربي، لا سيما وأن هؤلاء المبدعين لا يمتلكون سوى إبداعاتهم ولن يسمحوا بأن يجرفهم تيار المنح والعطايا المشبوهة، والتي لا تختلف عن "المنح" التي تقدّمها الدول الغربية لشرائح من "مثقّفي" العالم العربي.

فهذه المنح تكون مشروطة ضمناً، ولا تقوم بالنهوض أو تطوير الحركة المسرحية في العالم العربي، فالثقافة في دول العالم، في الغرب مثلاً، لها استقلاليتها في الدعم والإنجاز، وإلا فسوف نشاهد أن دولة بحجم ألمانيا الاقتصادي تقوم بتأسيس "الهيئة الأوروبية للمسرح" وتسيطر على "مهرجان ليل" للمسرح في فرنسا مثلاً، وهذا لن يحصل أبداً، فهناك ضوابط ثقافية تحدّد العلاقة بين الدول الحرّة.

نحن اليوم في أشد الحاجة إلى المصارحة والمراجعة، فهناك العديد من الدول العربية ليست فيها قاعات ملائمة لعرض مسرحي متكامل، فتقوم "الهيئة العربية للمسرح" بتشكيل "لجنة عليا" لمهرجانها الوطني للمسرح وتصرف لهم بعض الميزانيات وتشكّل لجان المهرجان المختلفة على مقاساتها وتبدأ الماكينة الإعلامية الخاصة بـ"الهيئة العربية للمسرح" بتصدير الأخبار عن الإنجاز العظيم وتعد الجمهور بإنجازات أعظم في السنوات القادمة. وهي بطبيعة الحال مهرجانات كسيحة ومجرّد شعارات تعد بمستقبل باهر للحركة المسرحية العربية، فجمهور هذه المهرجانات (إن جازت تسميته بجمهور) هو نفسه في كل عام، أمّا العروض فتموت بعد عرضها مباشرة، وتُعاد لها الحياة في "مهرجان" آخر وأمام نفس اللجان مع تغيير في ضيوفهم الرسميين أو بعض أصحابهم.

نفس المهرجان يجري استنساخه في كل عام، وهذا الحاصل في فلسطين الآن، إذ تُعاد نسخة ما يُسمّى "مهرجان فلسطين الوطني للمسرح" في رام الله للسنة الثانية على التوالي، رام الله التي تكرّس فعلياً على أنها عاصمة ثقافية لفلسطين وبل تكاد رام الله تصبح فلسطين نفسها! في حين تُترَك القدس للشعارات، والتهميش والتخلّي الفعليين. لنذكّر هؤلاء بأن الحركة الثقافية المقاومة للاحتلال انطلقت من القدس وفيها نمت ونضجت الحركة المسرحية وجالت العالم وقطفت ثمار الإبداع والإعجاب.

بالتأكيد، فإن الظروف في بعض بلدان الخليج العربي أفضل من ظروف غيرها مثل اليمن أو مصر أو المغرب وفلسطين وباقي الدول العربية، وتوجد في الخليج جهات رسمية وخاصة أيضاً تدعم أعمالهم، كما أن الفنانين في الخليج أغلبهم يتبعون جهات حكومية أو خاصة ولهم رواتبهم الجيدة كأعضاء "الهيئة العربية للمسرح" الذين آثروا لعب دور تخريبي (أين منه دور مؤسسة فورد والتمويل الأجنبي والتطبيعي)؛ بينما تجد فناناً مسرحياً في فلسطين أو مصر أو السودان ليس له مصدر رزق أو يصارع أسداً ليفتح فمه ويستل قوته، ولديه من الإبداع ما لا يعرفه موظّفو الهيئة العربية لتخريب المسرح.


* مخرج وممثل مسرحي فلسطيني من القدس، مؤسس "فرقة مسرح الرواة" المقدسية

المساهمون