هولاند يستعدي الجميع في كتاب جديد: قضاة وسياسيين ومسلمين

15 أكتوبر 2016
حرص هولاند على ظهور الكتاب الآن (الكسندرو سيكارا/ Getty)
+ الخط -

هل فرانسوا هولاند مرشح لولاية رئاسية ثانية، سنة 2017؟ لا أحد، في فرنسا يطرح هذا السؤال، إذ إن الدلائل التي تؤكد ترشحه كثيرة ولا تتوقف عن التدفق. ثلاثة كتب، في غضون ثلاثة أشهر، تتحدث عن ولايته وإنجازاته وما يريد أن يفعله. احتوى الكتاب الثالث، وهو بعنوان "من المفروض ألا يقول الرئيس هذا"، الذي ظهر في المكتبات يوم الخميس الماضي وحرص الرئيس الفرنسي أن يخرج إلى العلن في هذا الوقت، حصيلة أكثر من مائة ساعة من حوار "متدفق وصريح" مع الصحافيَيْن الفرنسيَين جيرارد دافي وفابريس لوم، إن في قصر الإليزيه أو في منزلي الصحافيين. 

أراد الرئيس الفرنسي من ظهور الكتاب أن يعبّر عن مواقف شخص آخر، لا تقيده الوظيفة الرئاسية، أو "التحفظ" الرئاسي. طاولت صراحته جميع الجهات، ولم يفلت أحد من "روحه المرحة"، وتعليقاته، وهو المعروف بروح الدعابة وقوة النكتة.
أما السلك القضائي، الذي يحرص الجميع في فرنسا على احترامه، مع بعض الاستثناءات، لا سيما من قبل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي حين اشتدت عليه المتابعات القضائية في غير قضية، ضحية فرانسوا هولاند. شنّ الأخير، الذي اعترف بكونه "شبح الإليزيه"، والذي يأَمل في أن يكتب على شاهد قبره "كنتُ شجاعاً"، هجوماً عنيفاً ونادراً على المؤسسة القضائية واتهمها بـ"الجبن". أثار الأمر على الفور زوبعة كبيرة لن تتوقف قريباً، بدأت يوم الخميس ليلاً، حين توجه مسؤولان ساميان في القضاء الفرنسي إلى الإليزيه، للقاء الرئيس والاستفسار عن الكلام غير المقبول، بل و"الإهانة" التي استهدفت مؤسسة العدالة.

من جهة ثانية تعرض خصوم هولاند لانتقادات شديدة، لا سيما نيكولا ساركوزي، "دوغول الصغير"، وعاب عليه "انتهازيته وابتذاله"، لكنه وعد بمنحه صوته إذا ما كان في مواجهة مارين لوبين. وفي ما بدا أن الرئيس الحالي يؤيد الاتهامات التي تطاول الرئيس السابق بتلقي أموال من الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، يقول هولاند "لم أتجسس أبداً على قاض، ولم أطلب خدمة من أي قاض، ولم أتلقَّ أبداً تمويلاً من ليبيا". 
بدورهم تعرّض رياضيو كرة القدم الفرنسية لهجوم الرئيس الذي عاب عليهم النزعة العرقية والإثنية، كما عاب على اللاعبين الشباب غياب أي تكوين ثقافي وفكري لديهم قائلاً إنهم في حاجة إلى "تقوية عضلاتهم الدماغية". 
ولأن الانتقادات شملت الجميع، فقد نال مسلمو فرنسا نصيبهم. أصرّ هولاند على تكرار ما يتداوله سياسيون فرنسيون كثر، من اليمين واليسار، قائلاً "فرنسا لديها مشكلةٌ مع مسلميها. هذا صحيح. ولا أحد يشك في الأمر".
أما موقفه من المهاجرين فقد اختلف عن مواقفه الدبلوماسية السابقة، إذ سمح لنفسه بالقول إنه يعتقد "أن فرنسا تستقبل كثيراً من الوافدين، ومن المهاجرين الذين يجب ألّا يكونوا هنا". 
كما لم تَسلم المرأة الفرنسية المسلمة، خصوصاً "المحجبة"، من وصم هولاند وانتقاده، إذ قال معيداً أطروحات مستشاريه الكثر من جمعية "إس أو إس، العنصرية"، "حين يتحررن من الحجاب، سيَكُنّ فرنسيات" وهو ما يعني أن "الحجاب أصبح من الآن فصاعداً بمثابة بطاقة الهوية للمرأة"، في نظر الرئيس. وقد أشعلت هذه الجملة شبكات التواصل الاجتماعي واستتبعت ردود فعل غاضبة من مواقف الرئيس اليساري والاشتراكي.


ولأن فرانسوا هولاند يريد أن يصل إلى قطاعات أخرى من الجمهور الفرنسي، لا تصلها الكتب التي تتناوله، سمح لمجلة "نوفيل أوبسرفاتور"، يوم الخميس الماضي، بإجراء حوار طويل معه، عنونته المجلة اليسارية بالجملة التي ينتظرها الكثيرون، وهي: "أنا جاهز" (لرئاسيات 2017).
كان من الضروري أن يكرر هولاند، مرة أخرى، لمن لا يعرف، بأنه "لم يُغيّر أفكاره، وأنه يساري، وقاد سياسة يسارية"، ولمن لا يعرف ما الذي تعنيه "سياسة يسارية" يجيب قائلاً إن "سياسة يسارية تعني خلق 60 ألف وظيفة في وزارة التربية الوطنية، والحد من التفاوت الضريبي، ثم النجاح في الوصول إلى اتفاق عالمي حول المناخ". 
ويصرّ هولاند على أنه المعني الأول بالإجابة على تساؤلات الفرنسيين، مع الاقتراب من رئاسيات 2017، في ما يخص نتائج ولايته وعن مدى انسجام النتائج مع الوعود الانتخابية، خصوصاً مع الالتزامات الستّين التي أخذ على عاتقه تنفيذها، لكن في "ظل السياق الذي يعرفه الجميع ومقارنته مع مقترحات الذين يودون الحلول محلنا".

وفي ما يتعلق بالإجراء الذي صدم كثرا من الفرنسيين، والمتمثل في "سحب الجنسية"، يعترف هولاند بـ"الإرباك" الذي تسبب فيه، لكنه يكشف أنه عارضه سنة 2010، حين اقترحه نيكولا ساركوزي. ثم يعود ليبرره، على الرغم من قوله إنه لا يستسيغه، بظروف فرنسا التي كانت تحت وقع الصدمة. ويقول هولاند: "كنت أشعر بالغضب يتصاعد، وكان البلد مهدداً بالانشطار. ولا أزال أتذكر النظرات والأسئلة في محيط مسرح باتكلان: ما الذي فعلتموه من شهر يناير/كانون الثاني؟"، على الرغم من "تصويت البرلمان على قانون لمكافحة الإرهاب وعلى قانون يخص العمل الاستخباراتي، وعلى الرغم من تعزيز وسائل قوات الأمن"، كما يقول الرئيس. 
يقرّ هولاند بأن "مشروع قانون سحب الجنسية" لم يكن إجراءً جيداً لمكافحة الإرهاب، وبالتالي يعبر عن بعض الأسف، ويعترف بـ"أن الإرهابيين يريدون أن يموتوا، وبالتالي فهذا الإجراء ليست له أية قيمة ردعية".
من جهة ثانية، يسخر هولاند من "الهوية السعيدة"، وهي شعار ألان جوبيه، المرشح اليميني القوي التي تمنحه كل استطلاعات الرأي حتى الآن الحظ الأوفر للفوز في رئاسيات 2017، معتبراً أنه لا يقترح سوى "التضامن الشقي".
كما يرى هولاند أن اليمين الفرنسي لا يزال يعيش في نوع من الحنين إلى الماضي، لكنه لا يعفي اليسار من نوع من "السوداوية". ويعترف "كان الوضع أفضل حين شرّعَت الجبهة الشعبية العُطل المدفوعة الثمن، وحين ألغى الرئيس فرانسوا ميتران عقوبة الإعدام، وحين أرسى ليونيل جوسبان قانون 35 ساعة". وكمن يرى حزبه واليسار خارج اللعبة في انتخابات 2017، يضيف هولاند "وكأن الوضع أفضل، بشكل خاص، حين كان اليسار في المعارضة".

سورية وحلب

أما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، خصوصاً في سورية، فيقول هولاند إن "فرنسا تفعل كل ما تستطيع من أجل إنقاذ حلب. قدّمنا مشروع قانون أمام مجلس الأمن لوقف إطلاق النار. ولكن روسيا استخدمت، وحيدة، حق النقض (الفيتو)"، مضيفاً "لن نتخلى عن حلب، وسنواصل ضغوطنا الشديدة حتى تتحقق الهدنة في الأيام القريبة المقبلة، وحتى تصل المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين، ثم انخراط كل الأطراف المعنية في مفاوضات. ولكن يبقى الشرط الأول هو وقف الغارات". ويلفت إلى أن "فرنسا لم تقبل، أبداً، أن يقوم دكتاتور بضرب شعبه بالأسلحة الكيماوية. ويظل شهر أغسطس/آب 2013 لحظة أساسية من تاريخ هذا الصراع. فرنسا كانت، حينها، جاهزة، لضرب النظام السوري، الذي كان قد اجتاز الخط الأحمر بسبب لجوئه لاستخدام أسلحة حرمتها جميع المعاهدات الدولية، بينما تخلى شركاؤنا عن هذه الضربة. فارتسمت، حينها، طريق جديدة استخدمها النظام السوري للبحث عن دعم لدى حليفه الروسي، كما استخدمها تنظيم داعش لضرب المعارضة المعتدلة".

ووفقاً لهولاند، فإن "هذه الاشارة نُظرَ إليها باعتبارها ضعفاً لدى المجتمع الدولي. وهي التي سبّبت أزمة أوكرانيا، والضمّ غير القانوني لجزيرة القرم، وهي أيضاً وراء ما يحدث في سورية في هذه الأثناء". وبالنسبة إليه فإن "ولاية (الرئيس الأميركي) باراك أوباما تقترب من نهايتها، ومن غير الراجح أن تتغير الأمور من الآن إلى نهاية السنة. ولهذا السبب قررت فرنسا اتخاذ جميع المبادرات الضرورية لتحمل مسؤولياتها باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن"، على حد قوله.
في المقابل، لا يتحدث الرئيس الفرنسي عن "خذلان" الرئيس الأميركي، باراك أوباما لفرنسا، بل إن الرئيس الأميركي، من وجهة نظر هولاند، "أراد أن يكون وفيّاً لوعوده الانتخابية بعدم توريط الولايات المتحدة في مسرح عمليات خارجية. ولكن طائرات بشار الأسد، اليوم، وبدعم من الروس، هي التي تدمر حلب. وتحت القنابل، يتواجد، بالتأكيد، أصوليون، ولكن يتواجد، أيضاً، نساء وأطفال وشيوخ، لا يستطيعون النجاة". ويخلص إلى القول "إن حلب، اليوم، تحدٍّ للمجتمع الدولي. فإما أن تكون شرفه أو فضيحته".