هوامش على نتائج المؤشر العربي
تعبر مؤشرات قياس استطلاعات الرأي العام عن مدى احترام قيمة الشعوب، وحقها في أن يتم التعرف على قيمها واهتماماتها وآرائها وأولوياتها وتوجهاتها المختلفة وتطلعاتها المستقبلية. ومع الحراك السياسي المتسارع في المنطقة العربية، وفاعلية الشعوب ويقظتها، ودخولها رقماً صعباً في المعادلة السياسية لدول المنطقة، جاء المؤشر العربي، والذي أنجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بنسخته الثالثة، ليكشف عن توجهات الرأي العام، ويوفر بيانات ومؤشرات دقيقة، قدر الإمكان، تدعم تحليلات المتخصصين، ويحقق ثلاثة أهداف أساسية: التعرف على احتياجات المواطنين العرب واهتماماتهم وميولهم، لرسم التوجهات والخطط والسياسات المستقبلية. دعم صناعة القرار. تعزيز وتعميق قيم الديمقراطية ومبادئها، بمعنى أنه همزة وصل معلوماتية بين المجتمع وصناع القرار. وتتعدد الجهات المستفيدة من المؤشر، ويتقدمهم صناع القرار السياسي في الحكومات والوزارات والهيئات والمؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني، ومنها الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام المختلفة. ولذلك، يصير مهما استثمار نتائج المؤشر لخدمة مصالح الشعوب العربية الساعية إلى التحرر، وفي تعزيز التحول الديمقراطي لشعوب المنطقة ودولها، وتوفير مناخ سياسي ملائم، لبدء عمليات تنمية ونهضة حقيقة في المنطقة العربية.
وقد كشف المؤشر العربي عن تدنى مستوى الدخل ومستوى المعيشة والأوضاع الاقتصادية بشكل عام، وتجذر المشكلة الاقتصادية، ما يشير إلى تسخير الأجهزة الأمنية لخدمة النظم، على حساب توفير الأمن المجتمعي، ما تسبب بتوسيع الفجوة بين النظام والشعب، وتوحش الأجهزة الأمنية للنظم في قمع الجماهير مع التدني المتزايد في منسوب الأمن المجتمعي، واستمرار الغضب والغليان الشعبي، المتجه إلى المجهول، وربما الانفجار. ما سيؤدي إلى ضعف الانتماء الوطني والمزيد من التفكك وفرص الاستقطاب الخارجي وزيادة أعداد المهاجرين من المنطقة، ما سيسمح باستثمار الغضب الشعبي في كسب شرائح جديدة للحراك الثوري. وبمرور الوقت، يتطور هذا الغضب ونضوجه وترجمته إلى كيانات مدنية، معلنة وغير معلنة، توظف لتوعية الجماهير وحشدها وتنظيمها.
وكشف المؤشر عن تدني مستوى العدالة، واتساع مستوى القناعة بفساد الدولة العربية، مالياً وإدارياً، واستعصائها على التقويم، مع ضعف الثقة بمؤسسات الدولة والمجالس النيابية، وبشكل عام، ضعف الأنظمة الحاكمة واهترائها، ما سيؤدي، حتماً، إلى تردي الصورة الذهنية السلبية لأنظمة الحكم وأجهزة الدولة، لحساب سوء العلاقة بين المواطنين والدولة. وأظهر المؤشر، في الوقت نفسه، التطلع الكبير نحو الحكم الديموقراطي، مع النمو المتزايد فى فهم الديمقراطية، مع قلة الخبرة المجتمعية بمفاهيم الديمقراطية وممارساتها. وتأكيد ميل مزاج الشعوب العربية نحو الديمقراطية، واستعدادها لقبول نتائج الممارسة الديمقراطية. ويشير المؤشر إلى استمرار المزاج الديني المتجذر لدي لشعوب المنطقة، ما يشير إلى مزيد من الإصرار الشعبي على انتزاع الحكم، والاتجاه نحو التجربة الديمقراطية، ونمو الوعى والممارسة الديمقراطية في الفترة المقبلة، مع توسع في تبني التيارات الدينية الخطاب الديمقراطي، والتوسع في أساليب مواجهة النظم الشعوب وقمعها، وخصوصاً الكتل الحرجة فيها، مع المزيد من إنشاء كيانات مدنية متخصصة، لتوعية الجماهير وتدريبها على الممارسة الديمقراطية، بالإضافة إلى التوسع في ممارسة النموذج الديموقراطي داخل المؤسسات الحزبية، وخاصة الدينية، ما سيوفر فرصاً كبيرة لفضح فجوة النظم المستبدة، وفق معايير الديمقراطيات العالمية التي يزداد الوعي الجماهيري بها يوماً بعد يوم.
وعن مستوي المشاركة السياسية والمدنية، أكد المؤشر العربي تدنى مستوى المشاركة السياسية، مع ارتفاع متابعة الإعلام المرئي والإنترنت، وأفاد بأن الأكثر متابعة هي القنوات التلفزيونية الوطنية، ثم قناتي الجزيرة والعربية، مع ضعف نسبة المشاركين فى مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب، وتوقف زيادة مشاركة الجماهير لشريحة ما فوق الأربعين عاماً، بفعل نجاح الثورات المضادة، وعودة غياب الثقة بين الشعوب والنظم. ويمكن أن يقف من يطالع البيانات على أن إعلام الثورة المضادة، المدعوم إقليمياً، ومن رجال المال والسلطة، نجح في خداع قطاع كبير من الجماهير، مع استمرار ضعف أداء المجتمع المدني العربي وإنجازه.
والملحوظ أن التنافس محموم بين الإعلام الداعم للربيع العربي والإعلام الداعم للثورة المضادة، مع وتوحش إعلام المال والسلطة، واستمرار النظم في حصار المجتمع المدني. وذلك فيما تتنامى وتيرة نمو الوعي الثوري لدى قطاع الشباب وانضمامها للحراك الثوري، وإمكانية التوسع في استيعاب أفواج الشباب الثوري في كيانات وطنية جديدة، وأكد المؤشر العربي أن شعوب المنطقة تشعر بأنها أمة واحدة، وكشف عن سلبية سياسات الغرب وإيران وروسيا تجاه المنطقة، وأن قضية فلسطين ما زالت الأولى عربياً، وأن أعداء المنطقة العربية ثلاث، أميركا وإسرائيل وإيران، وأن الوطن العربي فكرة وحلم ومشروع متجذر، كجغرافيا وتاريخ وثقافة ومصير، مع ميل المزاج العربي إلى الصين وأوروبا، مع استمرار محورية قضية فلسطين على قاعدة مشروع المقاومة، ما يبشر بتأكيد فشل سياسات التطبيع والتطويع. وإن مع الممارسات الإسرائيلية بالغة العداء، وتعثر حركة حماس بفعل الضغط المحلي والإقليمي والدولي مع صعود السلطة الفلسطينية بدعم إقليمي ودولي، وخفوت القضية الفلسطينية، وإعادة ترتيب المنطقة مع مزيد من التدخل الإيراني في شؤون دول المنطقة، وزيادة التعاون الرسمي مع إيران، في سياق عام، هو نمو العداء الشعبي تجاه إيران.
وإذ كشف المؤشر العربي بعض الانقسام بشأن نتائج الربيع العربي، إلا أنه دل على تفاؤل نسبى باستمراره ونجاحه، مع مخاوف شعبية مزدوجة من الحركات الإسلامية والعلمانية على السواء، وانقسام في الرأي حول تجربة الإخوان المسلمين في مصر. ولكن، مع ضرورة رحيل بشار الأسد المسؤول عن الأزمة السورية، ما قد يؤشر إلى عدم نجاح "الإخوان" في تحمل المسؤولية، وضرورة استكمال مسيرة الثورة المصرية، لما للثورة المضادة المدعومة إقليمياً وعربياً من قوة، أمام التجاوز الظاهر للحقوق والحريات العامة والقمع والتنكيل، ما سيؤدى إلى نمو الغضب الثوري، وتزايد نمو الحراك الثوري الوطني، مع تراجع دور التيارات الدينية.