01 أكتوبر 2022
هوامش على قصة "الناقم السوهاجي"
لماذا حقق فيديو "طفل بورسعيد" كل هذه الشعبية؟ الفيديو الذي يُظهر أفراداً تم القبض عليهم في أثناء تهريبهم ملابس من المنطقة الحرة في بورسعيد تجاوز المليون مشاهدة، ومعها تعاطف واسع مع ذلك الطفل المُقيد "بالكلابشات"، وهو يردّ بحدّةٍ على مذيعة توجه له اللوم على جريمته الخطيرة!
ليست هذه هي المرة الأولى، فقد اندلعت شعبية هائلة لفيديو سابق باسم "سائق التوك توك"، وفيديو آخر لشخصٍ غاضب داخل محطة وقود يوم رفع الأسعار، بينما يرفع ابنه منادياً الرئيس للإنفاق عليه، وغيرها من مشاهد تمثل استفتاءً شعبياً نزيهاً على أصوات مكبوتة لا نراها في الإعلام الذي يتبنى خطاب السيدة المذيعة في فيديو بورسعيد، والتي تلوم الطفل أنه لا يعمل في مهنةٍ شريفة، وأنه ناقم، وأنه "مش عايز يتعب"، كأنه هكذا اختار الطريق السهل إلى الثراء السريع، وليس مجرد عمل يوميته 150 جنيهاً كما أخبرها، كي يهرب من أعمال أخرى يوميتها 50 جنيهاً فقط، وكلا الرقمين يتنافسان في إثارة الشفقة.
تمثل المذيعة الواعظة قطاعاً كبيراً من الطبقتين، العليا والوسطى المصريتين، ممن لا يرون حولهم سوى أنفسهم فقط، ولذلك بدت فعلياً عاجزةً تماماً عن استيعاب ما يقوله الطفل، فهي فعلاً لا تفهم معنى الأرقام التي يقولها. يحدث هذا على الرغم من أن الواقع في مصر أن المذيعة تنتمي إلى أقلية بالمفهوم العددي البحت، محاصرة بمحيط هائل من الفقراء، ومن هم على حواف الفقر، تشهد على ذلك كل الأرقام الحكومية التقديرية والعددية، فأغنى شريحة من المصريين تُنفق فيها الأسرة سنويا أكثر من 50 ألف جنيه، أو شهرياً 4160 جنيها، لا تزيد عن 15.7% من السكان!
وحين سألته بحدّةٍ: لماذا لا تعمل في محافظتك؟ أخبرها أن سوهاج لا يوجد فيها عمل، ولم تفهم مطلقاً، بينما تخبرنا الأرقام الحكومية أن نسبة السكان تحت خط الفقر المصري في سوهاج تصل إلى 66%، أي أكثر من ضعف المعدل القومي المرتفع أصلاً عند 27.8% من عامة المصريين.
على جانب آخر، تمثل المذيعة الواعظة نموذجاً عملياً لتناقضات خطاب السلطة، فهي تؤكد عليه أن ما فعله (تهريب الملابس) غير قانوني، بل وحرام أيضاً! لكنها هي، وكل المسؤولين الحكوميين الذين نشروا الفيديو على صفحة محافظة بورسعيد الرسمية، تجاهلوا كسر قوانين كثيرة، أولها أن تصوير المتهمين، أي متهمين، يخالف قانون الإجراءات الجنائية الذي ينص أيضاً على أن كل إجراءات التحقيق سرّية، فلا يحقّ لأعضاء النيابة أنفسهم تصوير المتهمين وإذاعة حديثهم، فضلاً عن أن يتم ذلك على أيدي غيرهم. أيضاً ما حدث يخالف قانون الطفل الذي يعاقب بالغرامة "كل من نشر أو أذاع بأحد أجهزة الإعلام أي معلومات أو بيانات، أو أي رسوم أو صور تتعلق بهوية الطفل"، هذا كله ولم نتحدّث بعد عن المعاملة المعهودة التي تلقاها هذا الطفل، فقد أشار إلى المذيعة إلى جروح في ذراعه، ثم قال متردّداً إنه أصيب بها حين سقط في أثناء عمله، وهو ما نعرفه جيداً أنه من الوارد ألا يكون السبب!
الحقيقة أن مشكلة الفقراء والشباب العاطلين، وكل الفئات المهمشة في مصر، بالنسبة للفئات الحاكمة هي في محض وجودهم، والحل يصبح حصارهم في مساحات شاسعة بعيدة عن الأعين، حتى لا يسببوا ولو الأذى النفسي لهم، يبنون أسواراً حول مناطقهم، يهدمون المناطق المتداخلة كما حدث مع مثلث ماسبيرو، ويرسلون السكان إلى أماكن أبعد، مثل الأسمرات. ولكن عاجلاً أم آجلاً، لا بديل عن مواجهة الواقع: لن يرحل ملايين المهمشين إلى الفضاء أو يعملوا في "الاستثمار"، وعلى من يدّعي أنه يمثّل السلطة أن يتحمل استحقاقاتها من أكبر مسؤول إلى أصغر ملتحق بالركب، مثل السيدة المذيعة الواعظة.
ليست هذه هي المرة الأولى، فقد اندلعت شعبية هائلة لفيديو سابق باسم "سائق التوك توك"، وفيديو آخر لشخصٍ غاضب داخل محطة وقود يوم رفع الأسعار، بينما يرفع ابنه منادياً الرئيس للإنفاق عليه، وغيرها من مشاهد تمثل استفتاءً شعبياً نزيهاً على أصوات مكبوتة لا نراها في الإعلام الذي يتبنى خطاب السيدة المذيعة في فيديو بورسعيد، والتي تلوم الطفل أنه لا يعمل في مهنةٍ شريفة، وأنه ناقم، وأنه "مش عايز يتعب"، كأنه هكذا اختار الطريق السهل إلى الثراء السريع، وليس مجرد عمل يوميته 150 جنيهاً كما أخبرها، كي يهرب من أعمال أخرى يوميتها 50 جنيهاً فقط، وكلا الرقمين يتنافسان في إثارة الشفقة.
تمثل المذيعة الواعظة قطاعاً كبيراً من الطبقتين، العليا والوسطى المصريتين، ممن لا يرون حولهم سوى أنفسهم فقط، ولذلك بدت فعلياً عاجزةً تماماً عن استيعاب ما يقوله الطفل، فهي فعلاً لا تفهم معنى الأرقام التي يقولها. يحدث هذا على الرغم من أن الواقع في مصر أن المذيعة تنتمي إلى أقلية بالمفهوم العددي البحت، محاصرة بمحيط هائل من الفقراء، ومن هم على حواف الفقر، تشهد على ذلك كل الأرقام الحكومية التقديرية والعددية، فأغنى شريحة من المصريين تُنفق فيها الأسرة سنويا أكثر من 50 ألف جنيه، أو شهرياً 4160 جنيها، لا تزيد عن 15.7% من السكان!
وحين سألته بحدّةٍ: لماذا لا تعمل في محافظتك؟ أخبرها أن سوهاج لا يوجد فيها عمل، ولم تفهم مطلقاً، بينما تخبرنا الأرقام الحكومية أن نسبة السكان تحت خط الفقر المصري في سوهاج تصل إلى 66%، أي أكثر من ضعف المعدل القومي المرتفع أصلاً عند 27.8% من عامة المصريين.
على جانب آخر، تمثل المذيعة الواعظة نموذجاً عملياً لتناقضات خطاب السلطة، فهي تؤكد عليه أن ما فعله (تهريب الملابس) غير قانوني، بل وحرام أيضاً! لكنها هي، وكل المسؤولين الحكوميين الذين نشروا الفيديو على صفحة محافظة بورسعيد الرسمية، تجاهلوا كسر قوانين كثيرة، أولها أن تصوير المتهمين، أي متهمين، يخالف قانون الإجراءات الجنائية الذي ينص أيضاً على أن كل إجراءات التحقيق سرّية، فلا يحقّ لأعضاء النيابة أنفسهم تصوير المتهمين وإذاعة حديثهم، فضلاً عن أن يتم ذلك على أيدي غيرهم. أيضاً ما حدث يخالف قانون الطفل الذي يعاقب بالغرامة "كل من نشر أو أذاع بأحد أجهزة الإعلام أي معلومات أو بيانات، أو أي رسوم أو صور تتعلق بهوية الطفل"، هذا كله ولم نتحدّث بعد عن المعاملة المعهودة التي تلقاها هذا الطفل، فقد أشار إلى المذيعة إلى جروح في ذراعه، ثم قال متردّداً إنه أصيب بها حين سقط في أثناء عمله، وهو ما نعرفه جيداً أنه من الوارد ألا يكون السبب!
الحقيقة أن مشكلة الفقراء والشباب العاطلين، وكل الفئات المهمشة في مصر، بالنسبة للفئات الحاكمة هي في محض وجودهم، والحل يصبح حصارهم في مساحات شاسعة بعيدة عن الأعين، حتى لا يسببوا ولو الأذى النفسي لهم، يبنون أسواراً حول مناطقهم، يهدمون المناطق المتداخلة كما حدث مع مثلث ماسبيرو، ويرسلون السكان إلى أماكن أبعد، مثل الأسمرات. ولكن عاجلاً أم آجلاً، لا بديل عن مواجهة الواقع: لن يرحل ملايين المهمشين إلى الفضاء أو يعملوا في "الاستثمار"، وعلى من يدّعي أنه يمثّل السلطة أن يتحمل استحقاقاتها من أكبر مسؤول إلى أصغر ملتحق بالركب، مثل السيدة المذيعة الواعظة.