هواجس اتفاق إدلب تكبر

08 مارس 2020
لم يعالج الاتفاق مسألة النزوح (محمد حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -
تتسع الشكوك حول إمكانية صمود اتفاق إدلب بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من الهدوء الحذر على بعض الجبهات، على اعتبار أن الاتفاق لم يحدّد خريطة طريق مستقبلية، بل اكتفى بفك اشتباك مرحلي في سياق التحوّلات الميدانية، الذي تجلّى بتقدّم قوات النظام من جهة، وعدم حسم قضية النازحين من جهة أخرى. في السياق، أفادت مصادر تركية مطلعة، أمس السبت، لـ"العربي الجديد"، أن الاتفاق غير قابل للاستمرار وسينهار بأي لحظة، ولن يستمر فترة طويلة، بدليل بقاء نقاط المراقبة التركية على حالها. وأوضحت المصادر أن الاتفاق شكلي فقط، وهو إعلامي بالدرجة الأولى وفيه نقاط تترك المجال لحصول انتهاكات فيه، ما يرشح بعودة الاشتباكات مجدداً، وكل طرف ينتظر انتهاك الطرف الآخر للعودة إلى المواجهات العسكرية. ولفتت إلى أن هناك قناعة تركية بأن وقف إطلاق النار لن يصمد طويلاً، وهو ما دفع أنقرة للإبقاء على نقاط المراقبة وإرسال مزيد من التعزيزات والدعم لقواتها الموجودة في إدلب.

ورأت المصادر أن لدى تركيا قناعة بأن عملية "درع الربيع" ستتواصل، ولكن في اتجاه آخر ميداني وسياسي، وسيتم التركيز أكثر على حل القضية السورية سياسياً، بعد أن أدركت روسيا عدم إمكانية بدء إعادة الإعمار في البلاد بوجود بشار الأسد. وأضافت أن أكثر ما يهمّ روسيا حالياً من الغرب هو ملف إعادة الإعمار، وحصلت على رسائل قوية من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، بأن الحل وإعادة الإعمار ليسا متاحين في ظل بقاء الوضع الراهن، وبقاء الأسد، ولهذا كانت الخطوة الروسية بمحاولة السيطرة على الطرق الدولية وفرض النظام كرابح في سورية. وأشارت المصادر إلى أن تركيا فهمت الخطوات الروسية وكان لها هذا الموقف في إدلب، ما دفع بموسكو إلى التراجع، لذلك قد تشهد المرحلة المقبلة محاولات لتحريك الملف السياسي، خصوصاً مع تطبيق قانون "قيصر" الأميركي الذي يفرض عقوبات على النظام وكل من يدعمه مالياً أو عينياً أو تكنولوجياً لتورّطه في مقتل 11 ألف سجين، ما يفرض مزيداً من الضغوط على النظام وروسيا. وختمت المصادر بالقول إن الجميع يلتقط الأنفاس من أجل مزيد من ترتيبات ملف إعادة الإعمار، في ظلّ الدور الكبير المرتقب لفرنسا وألمانيا في هذا الملف.

وما عزّز احتمال عدم صمود اتفاق إدلب، هو كلام المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، مساء الجمعة، بقوله: "لا أعتقد أن النصر سيكون حليفاً للروس، ونظام بشار الأسد في إدلب". وأضاف في مقابلة مع شبكة "سي بي إس نيوز" الأميركية، أن "القضية التي يتبناها الأتراك ونؤيدها، هي أن وقف إطلاق النار بإدلب يجب أن يكون دائماً وحقيقياً". ولفت إلى أن النظام السوري سبق أن سيطر على أماكن للمعارضة بدعم روسي، مشيراً إلى أن "الوضع بالنسبة لإدلب مختلف، ولا أعتقد أنهم سينتصرون هناك، وسبب هذا هو عدم انسحاب الأتراك". ورأى أن عكس ذلك يعني "أن هناك 4 ملايين لاجئ سينضمون إلى الملايين الثلاثة الموجودين في تركيا لتصبح الأخير غير قادرة على تحمّل كل هذه الأعباء". وحول الهجوم الأخير الذي استهدف القوات التركية بإدلب في 24 فبراير/شباط الماضي، وأسفر عن مقتل العشرات منهم، قال جيفري "نحن متأكدون بشكل كبير أن قصفهم تم بطائرة روسية". وشدّد على أن وقوع مواجهة بين تركيا وروسيا سيؤدي إلى تصعيد التوتر في المنطقة.

في المقابل، فإن تطبيق الاتفاق على مساحة 880 كيلومترا مربّعا، بطول حوالي 70 كيلومتراً، على الطريق الدولي حلب ـ اللاذقية "أم 4"، يقسم الممر الآمن المتفق عليه خلال قمة موسكو بين بوتين وأردوغان، "منطقة خفض التصعيد" (إدلب وما حولها) أو ما تبقى منها تحت سيطرة المعارضة والنفوذ التركي، إلى نصفين شمالي وجنوبي، بيد أن القسم الجنوبي من تلك المنطقة سيكون مهدداً بالقضم من قبل النظام في حال لم توضع تفسيرات منطقية للاتفاق، قد تبرز باجتماع وفدي روسيا وتركيا من التقنيين (عسكريين ودبلوماسيين) الأسبوع المقبل في العاصمة التركية أنقرة.

ويقضي الاتفاق الملحق باتفاقية سوتشي، في بنده الثاني، بإنشاء ممر أمني بعمق 6 كيلومترات من الشمال و6 كيلومترات من الجنوب على طريق "أم 4"، على أن يتم الاتفاق على معايير محددة لعمل الممر الأمني بين وزارتي الدفاع لكل من تركيا وروسيا خلال أسبوع.

ويضم القسم الجنوبي، أو المساحة المتبقية منه تحت سيطرة المعارضة، كامل جبل الزاوية مع أجزاء من سهل الغاب التابع لريف حماة الغربي من "منطقة خفض التصعيد"، بالإضافة إلى هامش 6 كيلومترات، الواقعة ضمن الممر الآمن، وسيبقى جنوب الهامش منطقة سهلة المنال على قوات النظام كونها محاطة بقواته والمليشيات التي تساندها، التي تقدمت خلال المعارك الأخيرة وسيطرت على مساحات واسعاً جنوب وشرق إدلب، ولا سيما مدينتي معرة النعمان وكفرنبل ومحيطهما. في حين سيكون شمال ذلك الممر آمناً نسبياً، كونه مرتبطاً بحدود طويلة وواسعة من الغرب والشمال مع تركيا، بالإضافة لوجود نقاط تركية مجهزة بترسانة عسكرية كبيرة، ولا سيما في مطار تفتناز العسكري الذي أصبح قاعدة ضخمة وغرفة عمليات للجيش التركي في إدلب، بالإضافة لمعسكر المسطومة الذي يضم مئات الآليات والعتاد الهجومي للجيش التركي، ومئات العناصر.

وساد الهدوء على خطوط التماس أمس السبت وهو اليوم الثاني لسريان الهدنة، بين قوات المعارضة وقوات النظام، بعد أن شهد اليوم الأول خروقاً متقطعة من قبل قوات النظام، في حين أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن وقف إطلاق النار لم يشهد أي انتهاكات، حسب ما ذكرت وكالة "رويترز". ونقلت وكالة "الأناضول" الرسمية التركية عنه قوله عقب اجتماع مطول مع كبارة القادة العسكريين الأتراك بمقر قيادة عمليات إدلب، في ولاية هاتاي جنوبي تركيا: "سنبدأ دوريات مشتركة مع الروس في طريق أم 4 اعتباراً من 15 مارس/ آذار الحالي، وبدأنا العمل بخصوص تفاصيل الممر الآمن على امتداد الطريق البري"، مشيراً إلى أن "وفداً عسكرياً روسياً سيصل إلى أنقرة مطلع الأسبوع المقبل".



وقال أكار أيضاً "إن الجيش التركي يؤدي مهامه في إدلب بهدف ضمان وقف إطلاق النار، ومنع الهجرة، وإنهاء المأساة الإنسانية، لتحقيق أمن الحدود التركية، في إطار حق الدفاع المشروع عن النفس الوارد في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقات أضنة وأستانة وسوتشي"، مؤكداً استمرار التعاون "البناء" بين تركيا وروسيا في ما يتعلق بالملف السوري. ولفت إلى أن "اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في موسكو، ساهم في وقف هجمات نظام الأسد التي عرضت أمن تركيا والمنطقة للخطر، وتسببت بمأساة إنسانية"، مشيراً إلى أن "ما تتطلع إليه تركيا هو أن يكون وقف إطلاق النار دائماً، وضمان تأسيس المناخ المناسب لعودة أكثر من مليون إنسان بريء، يشكل الأطفال والنساء 81 في المائة منهم، إلى ديارهم التي هجّروا منها".

وتبقى تفاصيل عودة المدنيين إلى منازلهم وقراهم، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى تتعلق بانسحاب قوات النظام من عدمه، وفك الحصار عن النقاط التركية وعدد من النقاط المبهمة التي لم يشر إليها الاتفاق، رهن ما سيخرج عن اجتماع الوفدين الأسبوع المقبل في أنقرة الذي أشار إليه الوزير، والمحدد أساساً ضمن البند الثاني من الاتفاق.

من جهته، رأى الباحث التركي جاهد توز في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "إغفال العديد من النقاط الرئيسية خلال الاتفاق الأخير أو الملحق باتفاق سوتشي، تُقرأ من خلال تفسيرين: الأول هو بقاء الوضع السابق ما قبل الاتفاق الأخير، أي انسحاب قوات النظام السوري إلى ما وراء النقاط التركية تطبيقاً لاتفاق سوتشي وحدوده الجغرافية، لذلك لم يتم التطرق خلال الاتفاق سوى لمسألة طريق أم 4، الذي كان النظام يحاول التقدم باتجاهه خلال الأيام الأخيرة من المعارك. أما التفسير الثاني، فيُبقي مسألة شرح بقية التفاصيل وتحديدها للتقنيين والخبراء من الروس والأتراك الذين سيجتمعون في أنقرة الأسبوع المقبل".

وأكد أن "تركيا حققت من خلال الاتفاق الأخير، حماية للمدنيين أمام مزيد من الهجمات، بالإضافة لحماية نقاطها العسكرية في إدلب، ولن تتراجع عن مطلبها بانسحاب النظام من المناطق التي تقدم إليها أخيراً، تمهيداً لعودة النازحين، حسب ما أشار إليه الملحق المتفق عليه والذي يعد جزءاً أو ملحقاً باتفاق سوتشي".

من جهته اعتبر الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "من الواضح أن التفاصيل معقدة جداً بين الروس والأتراك، لذلك فإن اجتماعاتهم خلال جولات عديدة على مستوى الوفود عملت على التفاوض وفشلت في الكثير منها، حتى أن الاجتماع الأخير الذي استمر لساعات خرج بجزئية واحدة وأغفل باقي التفاصيل الأكثر أهمية". ورأى أنه "من الواضح أنه تم ترحيل الكثير من الخلافات إلى اللجان للتفاوض عليها، وما خرج به الاجتماع الأخير هو أربعة أمور، أهمها يتعلق بوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإنشاء ممر أمني على طريق أم 4، وتسيير دوريات مشتركة على الطريق، إضافة للمقدمات التي تم التأكيد عليها من قبيل وحدة وسلامة وسيادة الجمهورية العربية السورية. وهذا النص الموجود في كل التفاهمات والمذكرات الروسية – التركية بما يخص ملفات عدة في سورية، وهو متفق عليه من ناحية الصياغة، ومختلف عليه من حيث التفاصيل، فروسيا تترجم هذا الأمر بأحقية نظام الأسد فرض سيطرته على كامل الجغرافية السورية، بينما تفسره تركيا على أنه ضمان روسي للوقوف في وجه جميع المشاريع الانفصالية".

وشدّد علوان على أنه "من ضمن المقدمات، تأكيد روسيا على أحقيتها في محاربة الإرهاب والمجموعات الإرهابية، وهنا يأتي دور تركيا في تحديد الوسم بالإرهاب على أن مرجعيته مجلس الأمن، لذلك ذكر هذا الأمر نصاً في الاتفاق الأخير على أن المجموعات التي يجب الاستمرار في محاربتها هي المصنفة إرهابية بحسب الأمم المتحدة ومجلس الأمن". ونوّه إلى أنه "هناك أسئلة كثيرة جداً لم يتم التطرق في الإجابة عليها لا في البنود ولا في البيان الختامي أو المؤتمر الصحافي، على سبيل المثال مصير مدينة سراقب وجنوب طريق أم 4، والجزء التابع لمنطقة خفض التصعيد من ريف اللاذقية في جبلَي التركمان والأكراد، بالإضافة لمصير الطريق الدولي حلب – دمشق (أم 5) وهو الجزء الأهم". وتطرّق علوان إلى مصير نقاط المراقبة والمناطق التي تقدم إليها النظام مؤخراً كمدينة معرة النعمان ومحيطها وجبل الزاوية، مبدياً اعتقاده بأن هذه النقاط لم يكن هناك مجال لذكرها، كون لا اتفاق حقيقياً حولها في موسكو، وتم ترحيل أمرها إلى اللجان، "ولا أظن أنه من السهل الوصول إلى تفاهمات بين اللجان حول هذه المسائل غير الواضحة".

أما ما يتعلق بجنوب "منطقة خفض التصعيد" التي ستكون بمثابة منطقة محاصرة، فيما لو رسم الممر الأمني من دون إبقاء منافذ بين الشمال والجنوب، فاعتبر علوان أن "الجزء الجنوبي لن يبقى محاصراً بمعنى الحصار، لأن حرم الممر على حواف طريق الـ أم 4" شمالاً وجنوباً، هي ليست منطقة نفوذ روسية، بل منطقة مرور دوريات مشتركة، وبالأصل هي محاطة بنقاط مراقبة تركية، ولكن من غير المعلوم إلى الآن، ماهية الآلية التي ستتخذها تركيا لوصل شمال الطريق بجنوبه".


المساهمون