تشتري عائلات جزائرية هواتف لأطفالها رغبة في الاطمئنان عليهم، ناسية أو متناسية خطورتها عليهم، هم الذين ينتقلون إلى عالم مواز.
في ظل تزايد جرائم خطف الأطفال في الجزائر، تبدو العائلات أحوج ما تكون إلى الاطمئنان بشكل مستمر على أطفالها. وكان ذلك أحد أسباب إدمان الأطفال على الهواتف الذكية. فحين يكون الأهل في البيت أو العمل، والأطفال في المدرسة، يبدو الهاتف الوسيلة الوحيدة للتواصل وبالتالي الاطمئنان. تتحدث سكينة (52 عاماً)، وهي أم لأربعة أبناء، عن معاناة مستمرة مع أولادها الذين يطالبونها بتعبئة أرصدة هواتفهم، علماً أنها هي التي بادرت إلى شراء هواتف لهم. وتقول لـ"العربي الجديد": "لم أجد حلاً. جميعهم في المدارس، وأحتاج إلى الاطمئنان عليهم من حين إلى آخر، خصوصاً بعد دخولهم إلى حرم المدرسة وخروجهم منها". وتسأل بحسرة وخوف: "ماذا نفعل نحن الآباء إذ نخشى خطفهم أو الاعتداء عليهم؟ الهاتف الجوال وسيلة للاطمئنان عليهم في كل ساعة، بل وفي كل لحظة". تدرك أن للهاتف آثاراً سلبية وربما خطيرة على الأطفال، إلا أن خوفها الشديد دفعها إلى جلب هاتف لابنتها الصغرى أيضاً التي تبلغ من العمر 9 سنوات فقط، لافتة إلى أن الهاتف حل ومشكلة في آن.
"أيقظت لعبة الحوت الأزرق، التي تسببت في مقتل عدد من الأطفال الجزائريين، الأهل من سبات عميق". هذا ما يقوله الأستاذ في مادة الرياضيات في إحدى الثانويات في وسط العاصمة الجزائرية، محمد عزري، موضحاً أن نسبة الأطفال الذين يقتنون الهواتف تدل على "ثقافة استهلاكية من دون رقيب". يضيف: "يعد الآباء أطفالهم بهاتف في حال حصلوا على علامات جيدة في الفصل الدراسي، ولا يعلمون أنهم يشترون لهم قنبلة موقوتة". ويتحدّث عن بعض المشاكل التي يواجهها التلاميذ خلال الدراسة، منها "تهديدات من أصدقاء بنشر فيديوهات أو صور، أو استفزازهم بوسائل أخرى".
بدورها، تقول حليمة هاجري لـ"العربي الجديد"، إن هذا الجهاز الصغير يؤدي إلى "خراب البيوت". وتتحدث عن قصة إحدى بنات جيرانها التي تعرضت للتهديد والخطف من قبل شاب. تضيف أنه تلاعب بمشاعرها، هي التي لم تكن تتجاوز الـ15 عاماً من عمرها، وأوهمها بأنه يقطن في فرنسا. في إحدى المرّات، نشرت على حسابها على "فيسبوك" أن "عائلتها توجهت إلى شاطئ سيدي فرج، غرب العاصمة الجزائرية، وأنها في المنزل لوحدها. فما كان من الشاب إلا أن خطفها، ولم تظهر إلا بعد أسبوعين، وقد أرعبت الحادثة سكان الحي".
أذن له والده باستخدامه (أحمد كمال) |
ويرى بعض الأهل أنّ الرقابة ليست كافية. ويقول كثيرون إن الهاتف الجوال تحول إلى مشكلة كبيرة، خصوصاً أن الأطفال لا يقبلون بهاتف "حطبة"، كما يرددون في لغتهم المحكية، أي أنهم يشترطون هاتفاً ذكياً، ما يساعدهم على تأسيس "عالمهم الخاص"، أي مجتمع موازٍ بعيداً عن أنظار الأهل. وكثيراً ما يستجيب الأهل لمطالب أبنائهم في محاولة لإرضائهم، هم الذين يعجزون عن تحمّل غضبهم. ويوضح بعض الأهل لـ"العربي الجديد"، أنهم يخشون أن يكون أبناؤهم "محط سخرية من قبل زملائهم في المدرسة أو أصدقائهم الذين يملكون هواتف نقالة".
من جهة أخرى، يتنافس الأطفال القصّر من خلال الهواتف التي يحملونها، ويُفاخر كثيرون بامتلاكهم هواتف متطورة. في المقابل، يبدو بعض الأهل أكثر إصراراً على عدم السماح لأطفالهم بامتلاك هواتف، خوفاً عليهم من الإنترنت. جبريل (11 عاماً)، في المرحلة المتوسطة، ولا يملك هاتفاً. وإن كان يستغرب رفض والديه شراء أي جهاز إلكتروني له رغم أن لا علاقة لهذا القرار بالوضع المادي، إلّا أنّه يتفهم خوفهما عليه في الوقت نفسه. ويوضح أنّه يسمح له باستخدام الإنترنت في أوقات معينة في البيت. وزاد قلق الأهالي على أطفالهم بسبب لعبة الحوت الأزرق التي دفعت أطفالاً إلى الانتحار.
وتطالب المتخصّصة في علوم التربية والاستشارية في قضايا الأسرة رشيدة قادري، بضرورة إنقاذ أبناء الجزائر من هذا السجن الكبير، أي العالم الافتراضي. وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "أبناءنا فقدوا الرغبة في اللعب خارج سجنهم الصغير جداً، لأنهم محاصرون داخل هاتف نقال يقال عنه ذكي، إلا أنه سلبهم ذكاءهم وأصبحوا منقادين له، يوجههم حيث يشاء بلا رقيب أو حسيب". وترى أن "لعبة الحوت الأزرق ما هي إلّا سلاح لالتهامهم، وقد حولهم الفضاء الافتراضي إلى موتى". كذلك، تشير إلى ضرورة الحد من استخدام فيسبوك للأطفال دون الـ15عاماً، وإلا "سيوقعون شهادة وفاتهم بسبب هاتف جوال ونوافذ مخدرة للعقل ومعيقة للجسد".