هموم شعرية: مع أنطوان أبوزيد

12 اغسطس 2019
(أنطوان أبوزيد)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر.


■ من هو قارئك؟
إنه كلّ من يودّ أن يرى في الشعر ذاتاً أخرى أو مشاعر تفيض عنه. لا أحصر القارئ بنسبة معيّنة، إنما أعتبره كائناً صديقاً وضيفاً لعالم الكلمات الذي أكون قد رصفته له. وقد يكون القارئ شريكاً في صوغ هذا العالم، لذلك أترك له بعض الفراغات، في نصّي الشعري، لكي يستكملها بشراكته الفعّالة. أما مسألة كوني مقروءاَ فهذا يعود للنقّاد الجادّين أن يحددوه، ولستُ مخوّلاً للبتّ فيه، ولو أني أجد نفسي حاضراً في العديد من الأنطولوجيات الشعرية وآخرها ما أنجزه الشاعر والكاتب العراقي أسعد الجبوري.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر؟ وهل لديك ناشر؟ وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟
إنها علاقة ملتبسة ومتغيّرة بتغيّر الأحوال الاقتصادية وتردّيها؛ في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وفي التسعينيات منه كانت العلاقة بدور النشر ممتازة، إذ كان القائمون على دور النشر مطّلعين على النتاج الأدبي، شعراً ونثراً، ويرغبون في أن يمدّوا دورهم بنتاج يحمل جديداً، ومن الأسماء التي يزكّيها النقّاد الثقافيون الذين كانوا يتولّون منابر الصفحات الثقافية من على جرائد ذاك الزمان. أما النشر في أيامنا، أوائل القرن الحادي والعشرين والعقد الثاني منه فقد انطوى عهده وبات رهن أمرين: الانتقائية المفرطة وحيازة المال، فأنت تنشر إن دفعت مالاً. وبالمناسبة لا يسعني سوى توجيه الشكر لكل الدور التي نشرَت لي شعراً ونثراً بالمجان، مثل "دار النهار" و"مختارات" و"المسار" و"الجديد".


■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
لا بأس. يعني أنني كنت ألبّي، في ما مضى طلبات الأصدقاء ممن تولوا الصفحات الثقافية لأمدّهم بالجديد من كتاباتي الشعرية. إلاّ أنّ النشر في الجرائد، أو ما تبقى منها، لم يعد قائماً بالنسبة لي، أولاً بسبب فقدان أو ندرة مساحات النشر الثقافي عبر هذه الجرائد، وانحياز أصحاب المجلات الثقافية والفنية إلى بعض الأسماء من دون أخرى، عملاً بالنزعة الشللية السائدة. أما المواقع الإلكترونية التي أنشر فيها بعضاً من قصائدي فتبدو لي أنها تتيح بعضاً من حرّية التعبير المنشودة.


■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممّن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟
نعم، إني أنشر بعضاً من القصائد على جداري الخاص، وليس على مواقع التواصل الاجتماعي عامة. إلا أني لا أمانع من تداول ما أنشره على موقعي من قِبل آخرين. وهنا لا بدّ من الإقرار بأنّ لنشر القصائد التي أكتبها سواء على جداري الخاص أو على مواقع أخرى هدفاً أسعى إليه وهو سبر مقدار التجاوب الذي أثارته هذه القصيدة او تلك في من قرأها. وهذا الأمر لم يكن متاحاً من قبل حيث تتبدى القصيدة للقارئ منجزة، في كتاب ورقي هو المجموعة الشعرية. في حين أن جانباً مهمّاً في الكتابة الشعرية يتيحه النشر الإلكتروني، عنيت الجانب التجريبي الذي يمكّنني كشاعر من" تجاوز الذات" على حدّ تعبير جوليا كريستيفا. وربما ينطبق الأمر نفسه على بعض الشعراء من جيل أكثر شباباً مني.


■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم، في رأيك؟
تلزمنا دراسة شاملة وموضوعية للتعرّف إلى القارئ العربي بعامة وإدراك سماته ومأثورات قراءته. ولكن، بالنظر إلى الوقائع يتبيّن للشخص المراقب أنّ الإنسان العربي بات ممتنعاً عن المطالعة وشراء الكتب أيا تكن. فكيف بقراءته الشعر وقصائد النثر التي تراجع عدد قرائها لدى الجمهور الغربي أيضاً؟ إذا، لا يخفى أنّ ثمة انحساراً مطّردًا لقراء قصيدة النثر العربية. ومع ذلك أعتبر أنّ كتابة الشعر عندي مسألة تتجاوز عقدة النشر، إنما هي نظير شاغل وجوديّ. أما القارئ العربي فقد يكون ناقد الشعر وحده، أو أناساً معدودين يرغبون في معرفة شيء عن شعري وعالمه.


■ هل توافق على أنّ الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي؟
لا أدّعي معرفة ذلك، بل إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي البحث الميداني، وهذا غير متوفّر لدي.


■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟
منْ أنا لأستخلص مزايا للشعر العربي الأساسية؟ هذا مما لا تستطيعه مؤسسات كبرى تسعى إلى استنطاق التراث الشعري العربي، من لحظة ظهور أثره، قبيل الإسلام، وحتى الآن، أواخر العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين! حين نتحدّث عن الشعر، أي شعر، لا بدّ من رفده بتراث اللغة التي يُكتب بها هذا الشعر. ذلك أنّ الكتابة الشعرية إن هي إلاّ إضافة ذاتية (وجدانية -غنائية -فكرية) فريدة إلى التراث الأدبي العربي والإنساني. وهذا ما نفتقده في الشعر العربي المعاصر، حيث يعتبر الشاعر نفسه وكيل الإبداع من دون أن يتّكئ على تراث قبله أو بعده، أي من دون خلفيات ثقافية أو فكرية. حتى تبدو القصيدة لديه ألعاباً لفظية ليس إلا.


■ ما تتمناه للشعر العربي؟
أما أمنياتي للشعر العربي وللشعراء العرب فهي المزيد من الاطلاع وتكوين الثقافة الشمولية، والمزيد من التجريب وعدم الخوف من التجديد وملاقاة الفنون الشقيقة في نصف الطريق. والمزيد من الإمكانيات المادية لئلا ينوء الشعراء تحت أثقال الحياة في بلادنا العظيمة.


بطاقة
شاعر وكاتب ومترجم لبناني من مواليد عام 1955. من أعماله الشعرية: "نبات آخر للضوء" (1986)، و"الأرض خفيفة، ولا خشية" (1990)، و"أعمق من الوردة" (1993)، و"فضاء حُرّ" (2009)، و"كوريغرافيا العابر" (2016)، وتصدر له قريباً مجموعة "أوركيديا آخر الغناء" (2018). ولديه مؤلفات أخرى في الدراسات الأدبية والرواية والقصة، كما ترجم عن الفرنسية أعمالاً لرولان بارت وحنّه أرندت وأومبرتو إيكو وغيرهم.

دلالات
المساهمون