هل يُفشل "العمال الكردستاني" اتفاق الأكراد السوريين؟

13 سبتمبر 2020
يتمّ الحوار الكردي برعاية أميركية (فرانس برس)
+ الخط -

لم يستطع الأكراد السوريون تخطي عقبات تحول حتى اللحظة دون تشكيل مرجعية سياسية واحدة، تمثلهم في استحقاقات الحل السياسي للقضية السورية، إذ لا يزال "المجلس الوطني الكردي" وأحزاب "الإدارة الذاتية"، وهما أكبر كيانين سياسيين في المشهد السوري الكردي، منخرطين في مفاوضات منذ إبريل/نيسان الماضي لتوحيد الرؤى. وسط كل ذلك برزت تأكيدات بأن حزب "العمال الكردستاني"، الذي يملك حضوراً قوياً في شمال شرقي سورية، يقف حجر عثرة أمام أي اتفاق يمكن أن يتوصل إليه الأكراد السوريون.

وأفاد المنسق العام لـ"حركة الإصلاح الكردي"، عضو الهيئة الرئاسية لـ"المجلس الوطني الكردي"، فيصل يوسف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" بأن المفاوضات بين أحزاب "الإدارة الذاتية" وفي مقدمتها حزب "الاتحاد الديمقراطي"، وأحزاب المجلس الوطني "مستمرة حتى اليوم". وأشار إلى أنها "تسير حسب برنامجها المعتاد برعاية أميركية"، مضيفاً: "لا شك في أن صعوبات تعتري هذه المفاوضات أحياناً لكنها تحل من قبل الطرفين بعد عودة كل طرف لمرجعيته". وكشف يوسف "أن البحث الآن يجري في البند الثاني من اتفاقية دهوك وهو التشاركية في الإدارة الذاتية وخدمة الناس".


تمسك المتحاورون باتفاق دهوك الموقع عام 2014

وكانت الجولة الأولى من هذا الحوار الذي دعا إليه قائد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، مظلوم عبدي، قد بدأت في إبريل/نيسان الماضي وانتهت في 17 يونيو/حزيران الماضي، ووُصفت بـ"الناجحة"، على الرغم من أن المتحاورين لم ينخرطوا خلالها في مناقشة الملفات الخلافية والأكثر أهمية. واعتمد الطرفان المتحاوران في ختام الجولة الأولى "اتفاق دهوك" أساساً للمفاوضات، وهو الذي تمّ برعاية من قيادة إقليم كردستان العراق وأبرم في أكتوبر/تشرين الأول 2014. وكان هذا الاتفاق قد نصّ على تشكيل مرجعية سياسية كردية، مهمتها "رسم الاستراتيجيات العامة وتجسيد الموقف الموحد، وتشكيل شراكة فعلية في هيئات الإدارة الذاتية، والتوجّه نحو الوحدة السياسية والإدارية، ومشاركة كل المكونات الأخرى".

ومن الواضح أن هناك الكثير من العقبات تعترض طريق المفاوضات بين "المجلس الوطني الكردي"، الذي يعد جزءاً من المعارضة السورية، وبين حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذي يُنظر إليه كونه النسخة السورية من حزب "العمال الكردستاني" والذي ينشط في جنوب شرقي تركيا، وتعتبره أنقرة حزباً إرهابياً يهدد أمنها القومي. وتدل معطيات على أن هذا الحزب الذي نقل جزءاً من نشاطه إلى سورية منذ عام 2012، بترتيب مع النظام السوري يقف حجر عثرة أمام المفاوضات. وهو ما أكده عضو "المجلس الوطني الكردي" عماد برهو في حديث مع موقع "باسنيوز" الكردي يوم الخميس الماضي. وأشار برهو إلى أن "هناك أطرافاً مرتبطة بحزب العمال تضع العراقيل أمام سير المفاوضات، ولولا هذه التدخلات لكان الطرفان قد توصلا إلى اتفاق نهائي منذ أمد بعيد". غير أن برهو استدرك بالقول: "وعلى الرغم من ذلك، تم إحراز تقدم جيد، والطرفان جادان في التوصل إلى اتفاق حول النقاط الخلافية"، مشيراً إلى أن الاتفاق النهائي المحتمل بين الجانبين سوف يشمل الجوانب السياسية والعسكرية والإدارية.

في السياق، جزمت مصادر مطلعة في محافظة الحسكة السورية حيث تعقد المفاوضات لـ"العربي الجديد" أن "العمال الكردستاني" يُفشل من خلال أذرعه أي اتفاق بين الأحزاب الكردية السورية. ولفتت هذه المصادر التي فضّلت عدم ذكر اسمها لأسباب تتعلق بسلامتها إلى أن قيادة "العمال" في جبال قنديل (على الحدود بين تركيا والعراق وإيران) زرعت مبكراً كوادر في "الوحدات الكردية" و"الإدارة الذاتية". وأضافت أن هذه الكوادر إما من المتطرفين العنصريين الأكراد، أو ينتمون إلى الأقلية العلوية الكردية مرتبطين مباشرة بالنظام السوري وإيران. وأوضحت أن لهؤلاء وجوداً قوياً في الشمال الشرقي من سورية "ومن ثم هم يملكون القدرة على إفشال المفاوضات"، مشيرة إلى أنهم "يتبعون أسلوب النظام وإيران في خلق الأزمات الهامشية لكسب الوقت". ولم تستبعد المصادر أن يكون لهؤلاء يد في العصيان الذي ينفذه سجناء "داعش" في سجن الصناعة في محافظة الحسكة، إضافة إلى إبقاء الأجواء متوترة مع الجانب التركي في شمال غربي سورية لتعطيل المفاوضات بحجة وجود تهديد للأكراد في سورية.

وكشفت المصادر ان أبرز قيادات حزب "العمال الكردستاني" في جبال قنديل هم من الأقلية العلوية الكردية ولديهم حلف قديم مع النظام السوري منذ تسعينيات القرن الماضي، إذ كان زعيم الحزب عبد الله أوجلان يقيم في العاصمة دمشق إبان حكم حافظ الأسد الذي اضطر إلى تسليمه إلى الجانب التركي بعد تهديد الأخير باجتياح سورية كلها في عام 1998. وأضافت: "حزب العمال يعمل على بقاء النظام السوري في السلطة، لذا ليس من مصلحة الأخير نجاح الحوار الكردي ـ الكردي، وتشكيل مرجعية واحدة للأكراد السوريين تمثلهم في المحافل والاستحقاقات المتعلقة بالحل السياسي للقضية السورية".

ولفتت المصادر إلى أن قائد "قسد" مظلوم عبدي "يحاول الحد من تأثير قادة حزب العمال في سورية بغطاء أميركي، على الرغم من كون عبدي أحد أهم الكوادر في هذا الحزب"، مشيرة إلى أن عبدي "يحاول الخروج من تحت عباءة هذا الحزب كي يلعب دوراً في القضية السورية باعتباره شخصية سورية وليس مجرد قيادي في حزب العمال الكردستاني". وبيّنت المصادر أن "حزب العمال يدفع باتجاه التفاهم مع النظام السوري والجانب الروسي"، معتبرة مذكرة التفاهم التي وقعتها إلهام أحمد الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لـ"مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، الجناح السياسي لقوات "قسد"، أخيراً في موسكو مع قدري جميل تصب في هذا الاتجاه.


"العمال الكردستاني" يُفشل من خلال أذرعه أي اتفاق بين الأحزاب الكردية السورية

وكانت قد جرت بدفع ودعم روسي، عدة جولات حوار بين حزب "الاتحاد الديمقراطي" والنظام السوري في دمشق، وفي قاعدة حميميم الروسية خلال السنوات الماضية، ولكنها فشلت بسبب رفض النظام منح الأكراد في سورية أي امتيازات عسكرية أو سياسية، ما خلا بعض "الحقوق الثقافية". ويصر النظام على تسلّم منطقة شرقي نهر الفرات من دون شروط، وعلى حل "قسد" التي تطالب بأن تكون جزءا من جيش النظام الذي يعتبرها "قوات عميلة" للجانب الأميركي في الشمال الشرقي من سورية.

من جهتها، تعتبر المعارضة السورية حزب "الاتحاد الديمقراطي" انفصالياً يسعى إلى تجزئة سورية من خلال فرض إقليم ذي صبغة كردية في الشمال الشرقي من سورية، لذا لا تزال هذه المعارضة ترفض ان يكون أي تمثيل لكوادر هذا الحزب في هيئة التفاوض التابعة لها، معتبرة "المجلس الوطني الكردي"، ممثلاً للأكراد في سورية.

ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد الأكراد في سورية، ولكن الأمم المتحدة وعلى لسان مبعوثها السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا أكدت في عام 2016، أن نسبة الأكراد في سورية نحو 5 في المائة من عدد السكان، في حين يؤكد "المجلس الوطني الكردي" أن نسبتهم أعلى بكثير. وعلى الرغم من سيطرتهم الفعلية على مجمل منطقة شرقي الفرات من خلال قوات "قسد"، إلا أن الأكراد يعتبرون أقلية مقارنة بالعرب الذي يشكلون غالبية سكان هذه المنطقة التي تضم محافظة الحسكة مركز الأكراد في سورية، بيد أنهم أقلية أيضاً في هذه المحافظة التي تقع في أقصى الشمال الشرقي من سورية.