نيمار ومبابي وكافاني.. هل هذا الثلاثي كافياً لبث الرعب في أوروبا؟

09 سبتمبر 2017
ثلاثي هجوم سان جيرمان بدأ الموسم بشكل رائع (Getty)
+ الخط -


خطف باريس سان جيرمان الأضواء من الجميع هذا الصيف، بعد قيامه بعقد أهم صفقتين على الإطلاق من بين جميع الخيارات المتاحة بالميركاتو، عند انتقال نيمار من برشلونة ومبابي قادما من موناكو. ودفع النادي الفرنسي ملايين طائلة من أجل لم شمل هذه الكوكبة من اللاعبين في فريق واحد، وأكد المديرون القائمون على إدارة النادي قوة موقفهم المالي وعدم انتهاجهم سياسات اللعب النظيف، بعد نية الاتحاد الأوروبي لكرة القدم فتح تحقيق رسمي مع الفريق، خصوصاً بعد الأرقام الخيالية المدفوعة في سوق الانتقالات بالآونة الأخيرة.

وبعيداً عن النقاشات المالية بين يويفا وباريس، فإن كل الأعين تتجه إلى فريق سان جيرمان داخل الملعب، لمشاهدة نيمار ومبابي معاً في فريق واحد، وأمامهما المهاجم اللاتيني إدينسون كافاني، لتصفهم كثير من الصحف بأن هذا الثلاثي بمثابة الرعب الكبير لأي منافس، وأن كتيبة إيمري أصبحت قادرة أخيراً على الوصول إلى مناطق بعيدة بعصبة الأبطال، نظراً إلى جلب أسماء أخرى مميزة كالبرازيلي الخبير داني ألفيش والمدافع يوري من سوسيداد.

فريق مرعب؟
مجرد تخيّل وجود كل من مبابي وكافاني ونيمار في تشكيلة واحدة أمر مرعب بالتأكيد، لكن الصورة لن تكون أبداً بهذه البساطة، ولنا مثال ببرشلونة تحت قيادة لويس إنريكي في آخر عام، فميسي وسواريز ونيمار أقوى فنياً من ثلاثي باريس وأكثر خبرة، لكن في النهاية حقق الفريق بطولة كأس يتيم بالموسم الماضي، وقدم أداء سيئاً لم يرتق أبداً لمستوى تطلعات جمهوره، وبالتالي يحتاج الفريق الكبير إلى ما هو أشمل من نجوم الهجوم، بالتركيز على قوة خط الوسط وحسن تمركزه، مع صلابة دفاعه في مواجهة المرتدات والتحولات السريعة، من دون نسيان عنصر آخر مهم وهو المدير الفني، القادر على وضع المهارات الفردية الرائعة داخل إطار اللعب الجماعي للفريق ككل.

يضم باريس سان جيرمان لاعب ارتكاز من بين الأفضل في أوروبا، الإيطالي فيراتي مكسب لأي تكتيك، مع إجادته التامة لأداء دور لاعب الوسط المدافع والمساند في آن واحد، بمركزي 4 و 6 داخل المستطيل الأخضر، أمام خط الدفاع مباشرة وحول الدائرة خلف لاعب الوسط المهاجم، بالإضافة إلى وجود الإيطالي تياغو موتا والفرنسي أندريا رابيو، في دلالة واضحة لقدرة هؤلاء على ضبط إيقاع المنتصف أثناء الاستحواذ، وإمكانية البناء المنظم من الخلف من دون الحاجة إلى عودة نيمار ومبابي كثيراً، للمساعدة أثناء ضغط الفرق المنافسة.

بالدفاع أيضاً هناك كورزاوا، سيلفا، ماركينهوس، وداني ألفيش، رباعي خلفي يملك خبرات كبيرة، لكنه يعاني بعض الشيء من البطء في العمق، وصعوبة حفاظ ألفيش على إيقاعه طوال المباراة بنفس النسق، لذلك وضعه يوفنتوس سابقاً في الهجوم خلال المباريات الكبيرة، مع حمايته بلاعب إضافي في الخلف، وهي الفكرة التي قد يكررها أوناي إيمري، مع صعوبة وضع البرازيلي كجناح صريح مرة أخرى، بعد أن فعلها سابقاً في السوبر أمام موناكو، وذلك بعد قدوم مبابي ووفرة البدلاء في هذا المركز بداية بدراكسلر ونهاية بالأرجنتيني دي ماريا، وبالتالي تقودنا هذه المعطيات إلى السؤال الأهم، كيف ستكون خطط الفريق في الفترة المقبلة؟

الجانب الآخر
لم ينتقل نيمار من برشلونة إلى باريس سان جيرمان لكي يدافع، هذا الأمر غير قابل للحدوث مهما كانت الأمنيات. وخلال أول ثلاث مباريات للبرازيلي في العاصمة الفرنسية، لعب "السوبر ستار" في نصف ملعب الخصوم فقط طوال الوقت، يراوغ ويصنع ويسدد ويسجل، ويوزع الهدايا إلى زملائه وأقرانه، لكنه لا يعود إلى نصف ملعبه عند فقدان الكرة، ويقف في انتظار قطعها من المدافعين، حتى يبدأ الهجمة من جديد في ظروف أفضل، كما يفعل ميسي في برشلونة ورونالدو مع ريال مدريد.

رقمياً، قام نيمار بعمل 2 عرقلة مشروعة في 3 مباريات، مع مشاركة هوائية يتيمة وافتكاك دفاعي واحد. ولا يختلف الحال بالنسبة لكيليان مبابي، فاللاعب رغم صغر سنه إلا أنه يتعامل كأنه مهاجم صريح وليس جناحاً، يركز أكثر على خلق الفراغ لنفسه بتحركه، مع إيجاد المكان المناسب للتحرك سعياً للتسجيل من أنصاف الفرص. طوال الموسم الماضي مع أرقامه المرعبة تهديفياً، نجح فقط في استخلاص 6 كرات من العرقلة، مع 6 افتكاكات دفاعية خلال 29 مباراة شارك فيها بالدوري. كل هذه الأرقام تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ثلاثي هجوم باريس لن يشارك في الجانب الآخر من الملعب، عند فقدان الكرة واللجوء إلى الدفاع من دونها.

من الصعب جداً على لاعبي الوسط التغطية بطول وعرض هذه المساحات الشاسعة، سواء عند صعود الظهيرين للهجوم، أو في حالة عدم ارتداد ثلاثي المقدمة أثناء التحولات. ومع كامل التقدير لقدرات فيراتي وسطوته، إلا أنه لن يكون بمقدوره التعامل مع كل هذا الضغط خلال المباريات الكبيرة بالشامبيونزليغ، حتى في حالة لعب رابيو بجواره، أو إضافة لاعب وسط ثالث إلى الارتكاز، والتضحية بمدافع إضافي أمام حارس المرمى، لأن الفرق الأوروبية الكبيرة تعرف متى تضغط وأين تتمركز وكيف تبدأ هجومها، لذلك لن تكون الأمور وردية مثل الدوري الفرنسي، البطولة المحلية التي يستطيع باريس الفوز بها بسهولة، بعد بيع موناكو لأبرز نجومه، وعدم وجود أي خصم قوي قادر على إحراج الكبار.

نقاط ضعف
في حالة حفاظ باريس على نسقه الحالي، بالاستمرار على خطة 4-3-3 في المباريات الكبيرة، فإن مبابي سيكون في مأزق، لأنه سيفقد ميزة الحسم التي يمتلكها بالقرب من الصندوق. وبالعودة إلى أهم فترات تألق كيليان مع موناكو، لعب الفرنسي الصغير على مقربة من فالكاو، كمهاجم متأخر وصريح في آن واحد. وحتى على مستوى صناعة الفرص، صنع مبابي 84 % من الفرص لزملائه من مناطق العمق فقط، وفق إحصاءات موقع "سكواكا"، بالإضافة لتسجيله 15 هدفاً بالدوري كلها بلا استثناء من داخل صندوق العمليات، لذلك كلما ابتعد عن هذا المكان قلت خطورته بعض الشيء.

نيمار نفسه لاعب متحرك غير ثابت، جناح صريح على الخط بالورق فقط، لكنه يتحرك كثيراً في العمق ويقترب أكثر من منطقة الجزاء، وتطور هذا الأمر بوضوح مع باريس سان جيرمان، ليتمركز أمام الوسط وخلف مبابي في مشاركاته بالليغ 1، عكس ما كان يفعل في برشلونة بلعبه كجناح مائل للطرف. ولا يختلف كافاني عن زميليه، فنجم أوروغواي شارك كجناح عند لعب زلاتان كرأس حربة، ولم يرتح أبداً في هذا المركز، لذلك لن يتنازل عن لعبه كرأس حربة صريح رقم 9 في التشكيلة الجديدة، لذلك هناك بعض الصعوبة عند اللعب برسم 4-3-3، خصوصاً بعد رحيل ماتويدي، لاعب الوسط الوحيد القادر على التحول من العمق إلى الجناح أثناء التحولات.

تبقى 4-4-2 على طريقة موناكو حل منطقي للجمع بين مبابي وكافاني، مع وضع ألفيش على اليمين كنصف لاعب وسط ونصف جناح، ونيمار يساراً بنفس المقومات مع إمكانية الصعود إلى مركز صناعة اللعب، أما تغطية المحور فستكون من نصيب ثنائية رابيو وفيراتي. كذلك هناك فرصة حقيقية للتحول إلى خطة 3-4-2-1، بوضع مبابي ونيمار معاً في العمق خلف كافاني، وفتح الأطراف بثنائية ألفيش ودي ماريا، مع اللعب بثنائي محوري في الارتكاز، وحماية كل هذا الكم من النجوم بثلاثي دفاعي صريح، ماركينهوس وسيلفا ولاعب آخر، وفي كل الأحوال ربما يضحي إيمري بلاعب من الوسط لإراحة نجوم الثلث الأخير.

التوازن مطلوب
يمكن للمدرب الفرنسي التحوّل قليلاً إلى 4-2-3-1، كما فعل أمام ميتز هذا الأسبوع وفاز بالخمسة، بتمركز نيمار وجناح آخر على الخط، واللعب بمبابي في المركز 10 خلف المهاجم الصريح كافاني. ويعطي هذا الرسم إمكانية اللعب بكل نجوم الهجوم في المراكز المفضلة لهم، لكن تبقى المشاكل قائمة لا محالة من دون الكرة، سواء في عمق الارتكاز أو بمناطق أسفل الأطراف بين قلب الدفاع والطرفين، لوجود مسافات شاسعة بين الأظهرة والأجنحة، وصعوبة تغطيتها بالشكل المثالي عن طريق ثنائي المحور بالمواجهات القوية.

يقول أريغو ساكي عراب التكتيك في حوار سابق، "كرة القدم هي لعبة خاصة بالفرق التي تصل إلى أعظم درجة ممكنة من التناغم. الفرق في الأصل مجموعات، كل مجموعة تجاهد وتصارع حتى تحقق الانسجام الكافي لكي تتحول إلى ما يُسمّى بفريق كروي". ويعتبر هذا التصريح أقرب إلى الامتحان بالنسبة لأوناي إيمري، فالمدرب الإسباني يحتاج إلى تحقيق صيغة التوازن أولاً، حتى يستفيد من هذا الكم من المهارات بالهجوم، من دون الإخلال بتمركز الفريق في الدفاع وخط المنتصف.

الجماعية جزء لا يتجزأ من اللعبة، الفريق الناجح يضغط بشكل مميز، وحينما يهاجم يجد بدائل عديدة. لكن هناك فرقاً بين الفريق الذكي الذي يضم مجموعة رائعة من اللاعبين والفريق الجماعي الذي يلعب بنظام الوحدة، ولا تمثل هذه القواعد عائقاً دائماً أمام نجاحات سان جيرمان، فبطل أوروبا خلال آخر عامين ريال مدريد يضم أيضاً كوكبة من النجوم الكبار، لكنه وصل إلى مرحلة الإقناع بعدم المساس بخط الوسط أولاً، وهو ما يحتاجه باريس بالتأكيد في المستقبل القريب، لكن هل سيفعلها إيمري؟ وهل سيكون ظهيرا الفريق بقوة وسرعة وثبات كارفخال ومارسيلو على سبيل المثال؟ ولا إجابة إلا في آخر الموسم.

المساهمون