24 أكتوبر 2024
هل يقطع ترشّح بوتفليقة الطريق على التغيير في الجزائر؟
أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (82 عامًا)، في رسالةٍ وجهها إلى الشعب، قرار ترشّحه لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات المقرر إجراؤها في 18 نيسان/ أبريل 2019. وبهذا، يكون قد حسم مسألة بقائه في السلطة بعد فترةٍ من الضبابية والتكهنات المتصلة بإمكانية اعتذاره عن الترشّح نظرًا إلى ظروفه الصحية التي قد تعوق ممارسته مهماته الرئاسية. وربما يدفع هذا القرار عددًا من أبرز مرشحي المعارضة إلى إعادة النظر في قرارات ترشّحهم، لاعتقادهم عدم وجود فرصة حقيقية للنجاح في ضوء هذا الترشّح المجمع عليه من الحزبين الكبيرين والجيش، وشكوك في عدم حياد الإدارة التي تشرف على العملية الانتخابية.
رسالة ترشّح أم برنامج انتخابي؟
حرص الرئيس بوتفليقة، في رسالة الترشّح التي وجهها إلى الشعب، على تقديم ما يشبه جرد حساب للإنجازات التي حققتها إدارته على امتداد العقدين الماضيين، فذكّر الجزائريين بجهوده في إنهاء الصراع الدموي الذي عاشته البلاد في تسعينيات القرن الماضي بعد إلغاء نتائج الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في كانون الأول/ ديسمبر 1991، وتسمّى في الجزائر "العشرية السوداء". وعدّد إنجازاته الاقتصادية المتمثلة في "التخلص من المديونية وجمع احتياطات الصرف وتكوين ادخار عمومي معتبر"، على نحوٍ مكّن "الجزائر من الصمود أمام انهيار أسعار البترول في السنوات الأخيرة، وسمح لها بالاستمرار في مسار التنمية". وتناول إنجازات إدارته في المجال الاجتماعي؛ فتحدّث عن توفير السكن والمياه والطاقة والتعليم والصحة وفرص العمل ومكافحة البطالة والرفع من شأن المرأة ودورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وعبّر عن إصراره على الاستمرار في مهماته الرئاسية، على الرغم من إقراره بوضعه الصحي، مذكّرًا بدوره في حرب التحرير الوطني التي قادت إلى استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي عام 1962.
واعترف الرئيس بوجود تحدياتٍ وصعابٍ ينبغي مواجهتها، أبرزها ضرورة بناء "اقتصاد منتج وتنافسي" يتحرّر من التبعية المفرطة للنفط، كما أقر بتأكّل موارد البلاد، وانتشار الفساد
وضعف الإنتاجية، ودعا إلى توافقٍ وطنيٍ وسياسيٍّ لمواجهة هذه التحديات. ووعد، في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية 2019، بدعوةٍ "في غضون هذه السنة كل قوى الشعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى عقد ندوة وطنية ستكرّس تحقيق التوافق حول الإصلاحات والتحولات التي ينبغي أن تباشرها بلادنا بغرض المضي أبعد من ذي قبل في بناء مصيرها".
وحذّر الرئيس من انتشار حالة الإحباط والعزوف عن المشاركة السياسية في أوساط الشباب، داعيًا إلى استقطابهم عبر تعزيز دورهم وحضورهم في الهيئات التنفيذية والمجالس المنتخبة، كما دعا إلى مشاركةٍ أكبر للمجتمع المدني في مكافحة الفساد، وتعزيز مساهمة المواطن في تسيير شؤونه المحلية، ودورٍ أكبر للقطاع الخاص في إيجاد فرص العمل وزيادة مداخيل البلاد.
يدلّ إصرار المؤسسة الحاكمة في الجزائر على ترشيح بوتفليقة، على الرغم من النقد الشعبي الواسع الذي لامس السخرية في حالاتٍ كثيرة، على عدم وجود بديل "طبيعي" متفقٍ عليه من داخل النخبة الحاكمة، ورغبة في تأجيل الصراع حول هذا الموضوع. والحقيقة أن المسألة التي تهم الجزائريين (على الرغم من التذمر والسخط من حصر الترشيح في شخص واحد، وكأنه لا وجود لغيره في الجزائر) ليست استبدال شخص بآخر من داخل النخبة الحاكمة، بل الإصلاحات وطبيعة النظام القادم. وإن أهم إرثٍ يمكن أن يخلفه بوتفليقة عدا تقليصه دور الجيش السياسي، الذي أنجزه إلى حد بعيد، هو الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يمكن أن تجري في فترة رئاسته.
آلية الانتخاب
تعدّ هذه الانتخابات الرئاسية الأولى عقب التعديل الدستوري الذي عرفته الجزائر في آذار/ مارس 2016، والذي تم بموجبه إعادة تحديد الولايات الرئاسية، لتصبح قابلة للتجديد مرّة واحدة فقط (مدتها خمس سنوات). وتنظّم انتخابات نيسان/ أبريل 2019 بموجب القانون العضوي رقم 16-10 الصادر في آب/ أغسطس 2016، والقاضي بإجراء الانتخابات الرئاسية بالاقتراع على الاسم الواحد بالأغلبية المطلقة، مع إمكانية الانتقال إلى دورة ثانية، يشارك فيها المرشحون الفائزون بأكبر قدر من الأصوات في الدورة الأولى، في حالة عدم تحقق الأغلبية المطلقة. وتمر الانتخابات الرئاسية، بحسب نص القانون العضوي بأربع مراحل رئيسة:
• الأولى، استدعاء الهيئة الناخبة بموجب مرسوم رئاسي (المادة 136) ويتمّ ذلك في غضون 90 يومًا من إجراء الاقتراع.
• الثانية، تقديم ملف الترشّح إلى المجلس الدستوري. ويجب أن يحتوي الملف على مجموعة
من المستندات والوثائق الشخصية، وقائمة تتضمن على الأقل 600 توقيع فردي لأعضاء منتخَبِين في مجالس بلدية أو ولائية أو برلمانية موزعة عبر 25 ولاية (من أصل 48) كحد أدنى، أو 60 ألف توقيع فردي على الأقل لأفراد مسجلين في القوائم الانتخابية موزّعة بالشروط السابقة نفسها، على ألّا يقلّ عدد التوقيعات في كل ولاية عن 1500 توقيع، وأن يتم تقديم هذا بعد انقضاء 45 يومًا على نشر المرسوم الرئاسي القاضي باستدعاء الهيئة الناخبة (المادة 142).
• الثالثة، تتضمن النظر في صحّة الترشيحات وصدور قرار من المجلس الدستوري بشأنها، ويتم ذلك في غضون 10 أيام عقب تقديم الملفات. وينشر القرار في الجريدة الرسمية.
• الرابعة: رحلة التصويت وفقًا للنظام المحدد بالقانون المذكور أعلاه.
أبرز المتنافسين
تقدّم نحو 172 شخصًا بترشيحاتهم بحلول آخر كانون الثاني/ يناير 2019، منهم رؤساء أحزاب ومستقلون (ما زال يتعين على المجلس الدستوري النظر في صحة ترشيحاتهم)، لكن المنافسة ستنحصر على الأرجح بين ثلاثة مرشحين، هم:
1. عبد العزيز بوتفليقة
يعدّ عبد العزيز بوتفليقة المرشّح الأقوى في الانتخابات الرئاسية القادمة، كونه مرشّحَ ما يعرف في الجزائر بالتحالف الرئاسي الذي يضم حزب جبهة التحرير الوطني الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتولى أمانته العامّة الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى، وتجمع أمل الجزائر، والحركة الشعبية الجزائرية. ويمكن القول إنّ بوتفليقة يحظى بدعم الجيش أيضًا. وتتمثل نقطة قوته الرئيسة في سيطرته على الإدارة، وذلك بسبب تغلغل التحالف الرئاسي في الحكومة، والمجالس المنتخبة محليًا، وعلى مستوى الولايات (المحافظات). يضاف إلى ذلك نفوذه داخل المجلس الدستوري الذي يتكوّن من 14 عضوًا يعيّن بوتفليقة ثلثهم بما في ذلك الرئيس ونائبه. وسيتم تعيين رئيس جديد لهذا المجلس خلال الأيام المقبلة، عقب وفاة رئيسه مراد مدلسي.
وبوتفليقة مرشّح طبقة رجال الأعمال التي تدعم النظام أيضًا. وقد عبّر رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، علي حداد، بوضوح عن دعمه بوتفليقة حال ترشحه لولاية خامسة. وتكمن أهمية سيطرة التحالف الرئاسي المؤيد لبوتفليقة على الإدارة في النقطتين التاليتين:
• انتزاع قرار إيجابي من المجلس الدستوري: تبدو مهمّة تمرير ملف ترشّح الرئيس الحالي للعهدة الخامسة إجراءً روتينيًا، على الرغم من وضعه الصحّي؛ فالقانون ينص على تقديم شهادة طبية توضح الوضع الصحي للراغبين في الترشّح. ونجح بوتفليقة، على الرغم من ذلك، في الحصول على موافقة المجلس لدى ترشحه في انتخابات 2014.
• تسخير بيروقراطية الدولة ومواردها في دعم حملة بوتفليقة: يستفيد جميع المرشحين من بيروقراطية الدولة ومواردها في أثناء حملاتهم الانتخابية، لكن الرئيس بوتفليقة سيكون أكبر المستفيدين بحكم تغلغل أحزاب التحالف الرئاسي في المجالس المنتخبة والإدارات ووسائل الإعلام الرسمية التي تتحوّل إلى أجهزة دعاية في خدمة حملة الرئيس.
2. عبد الرزاق مقري
قرّرت حركة مجتمع السلم (حمس) المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وترشيح رئيسها عبد الرزاق مقري. ويعبّر ذلك عن عودة للحركة بعد غياب عن الانتخابات الرئاسية منذ عام
1995 التي ترشّح فيها مؤسس الحركة، محفوظ نحناح، وحلّ حينها في المرتبة الثانية بعد اليمين زروال بحصوله على 26% من الأصوات. بينما دعمت الحركة في انتخابات 1999 و2004 و2009 الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وقاطعتها عام 2014 احتجاجًا على ترشّحه.
تعدّ حركة مجتمع السلم (المحسوبة على خط الإخوان المسلمين) من أقوى التشكيلات السياسية الإسلامية في الجزائر، لكن ذلك لا يجعل مقري مرشحًا توافقيًا بين الإسلاميين بمختلف أطيافهم. بل على العكس، فترشيحه يأتي وسط انقساماتٍ شديدةٍ داخل الأحزاب السياسية الإسلامية بين وجهات نظر متعدّدة تخصّ العلاقة بالنظام والمعارضة. ووصل التباين وسط التيار الإسلامي إلى تقديم مرشحين ينافسون مقري، مثل حزب حركة البناء الوطني الذي رشح رئيسه عبد القادر بن قرينة، وحركة الإصلاح الوطني الجزائري التي تدعم ترشّح الرئيس بوتفليقة، ولم يعلن رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبدالله جاب الله، حتى الآن دعمه أي مرشح.
ويعبّر ترشّح مقري عن تغيّر مفاجئ في قراءة "حمس" للساحة السياسية، وجدوى المشاركة في الانتخابات؛ حيث أنّ مقري، قبل شهورٍ فقط من استدعاء الهيئة الناخبة، اعتبر مشاركة الحركة أمرًا صعبًا في حالة وجود مشروعٍ لولاية خامسة للرئيس. من هنا، يُفتح الباب واسعًا لتساؤلاتٍ حول الضمانات التي تلقتها الحركة خاصة فيما يتعلق بموقعها بعد الانتخابات.
3. علي بن فليس
بدأ علي بن فليس عملية جمع التوقيعات التي ينص عليها قانون الانتخابات، لكن الفصل النهائي في صحة ملفات الترشّح لم يتم حتى الآن، خصوصا مع إعلان الرئيس بوتفليقة. وقد انقسم حزب طلائع الحريات الذي يرأسه بن فليس بين وجهتي نظر فيما يتعلّق بالانتخابات؛ تتمثل الأولى في توافقٍ على فكرة المشاركة، وتراها وسيلة للتسويق للحزب وأهدافه وبرنامجه. أما الثانية فترفض تكرار سيناريو انتخابات 2014 التي فاز بها عبد العزيز بوتفليقة، وتفضّل مقاطعتها، باعتبار أن حصول منافسة حقيقية غير ممكن عمليًا في ضوء ترشح بوتفليقة، وعدم حياد الإدارة المسؤولة عن تنظيم الانتخابات.
حظي بن فليس بشعبيةٍ عند إعلان ترشّحه ضدّ بوتفليقة عام 2014، على الرغم من أنه كان جزءًا من النظام الحاكم، وكان في ذلك الحين يبدو الأقدر على مواجهة الرئيس، لأنه كان جزءًا من النظام، ويدرك طبيعته وخفاياه. لكنه لم يتمكّن مع ذلك من الفوز، لأن حزبه طلائع الحريات كان جديدًا على الساحة وقتها، ولم يكن يحظى بنفوذ مهم أو دعم بيروقراطية الدولة أو الجيش، ولم يدخل في تحالفاتٍ مع أحزاب أخرى، وما زال لا يملك وسائل إعلام قويّة تتحدث باسمه.
خاتمة
يعدّ ترشّح بوتفليقة للانتخابات الرئاسية بمنزلة غلق للعملية السياسية، وحسم نتائج الانتخابات مسبقًا باعتباره مرشّح الحزب الحاكم، والتحالف الرئاسي الذي يسيطر على الجهاز البيروقراطي للدولة الجزائرية، إضافة إلى تمتّع الرئيس بدعم قيادة الجيش وطبقة رجال الأعمال، ورهانه على توق الناس إلى الاستقرار. في ضوء ذلك، ليس مستبعدًا انسحاب بعض أبرز المرشحين أمام بوتفليقة (بن فليس، أو مقري) في الأيام المقبلة، كونهم غير قادرين على المنافسة في ضوء موارد التحالف الذي يقف وراء الرئيس؛ مالية كانت أم إعلامية، فضلًا عن نفوذه في أجهزة الحكم والإدارة.
رسالة ترشّح أم برنامج انتخابي؟
حرص الرئيس بوتفليقة، في رسالة الترشّح التي وجهها إلى الشعب، على تقديم ما يشبه جرد حساب للإنجازات التي حققتها إدارته على امتداد العقدين الماضيين، فذكّر الجزائريين بجهوده في إنهاء الصراع الدموي الذي عاشته البلاد في تسعينيات القرن الماضي بعد إلغاء نتائج الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في كانون الأول/ ديسمبر 1991، وتسمّى في الجزائر "العشرية السوداء". وعدّد إنجازاته الاقتصادية المتمثلة في "التخلص من المديونية وجمع احتياطات الصرف وتكوين ادخار عمومي معتبر"، على نحوٍ مكّن "الجزائر من الصمود أمام انهيار أسعار البترول في السنوات الأخيرة، وسمح لها بالاستمرار في مسار التنمية". وتناول إنجازات إدارته في المجال الاجتماعي؛ فتحدّث عن توفير السكن والمياه والطاقة والتعليم والصحة وفرص العمل ومكافحة البطالة والرفع من شأن المرأة ودورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وعبّر عن إصراره على الاستمرار في مهماته الرئاسية، على الرغم من إقراره بوضعه الصحي، مذكّرًا بدوره في حرب التحرير الوطني التي قادت إلى استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي عام 1962.
واعترف الرئيس بوجود تحدياتٍ وصعابٍ ينبغي مواجهتها، أبرزها ضرورة بناء "اقتصاد منتج وتنافسي" يتحرّر من التبعية المفرطة للنفط، كما أقر بتأكّل موارد البلاد، وانتشار الفساد
وحذّر الرئيس من انتشار حالة الإحباط والعزوف عن المشاركة السياسية في أوساط الشباب، داعيًا إلى استقطابهم عبر تعزيز دورهم وحضورهم في الهيئات التنفيذية والمجالس المنتخبة، كما دعا إلى مشاركةٍ أكبر للمجتمع المدني في مكافحة الفساد، وتعزيز مساهمة المواطن في تسيير شؤونه المحلية، ودورٍ أكبر للقطاع الخاص في إيجاد فرص العمل وزيادة مداخيل البلاد.
يدلّ إصرار المؤسسة الحاكمة في الجزائر على ترشيح بوتفليقة، على الرغم من النقد الشعبي الواسع الذي لامس السخرية في حالاتٍ كثيرة، على عدم وجود بديل "طبيعي" متفقٍ عليه من داخل النخبة الحاكمة، ورغبة في تأجيل الصراع حول هذا الموضوع. والحقيقة أن المسألة التي تهم الجزائريين (على الرغم من التذمر والسخط من حصر الترشيح في شخص واحد، وكأنه لا وجود لغيره في الجزائر) ليست استبدال شخص بآخر من داخل النخبة الحاكمة، بل الإصلاحات وطبيعة النظام القادم. وإن أهم إرثٍ يمكن أن يخلفه بوتفليقة عدا تقليصه دور الجيش السياسي، الذي أنجزه إلى حد بعيد، هو الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يمكن أن تجري في فترة رئاسته.
آلية الانتخاب
تعدّ هذه الانتخابات الرئاسية الأولى عقب التعديل الدستوري الذي عرفته الجزائر في آذار/ مارس 2016، والذي تم بموجبه إعادة تحديد الولايات الرئاسية، لتصبح قابلة للتجديد مرّة واحدة فقط (مدتها خمس سنوات). وتنظّم انتخابات نيسان/ أبريل 2019 بموجب القانون العضوي رقم 16-10 الصادر في آب/ أغسطس 2016، والقاضي بإجراء الانتخابات الرئاسية بالاقتراع على الاسم الواحد بالأغلبية المطلقة، مع إمكانية الانتقال إلى دورة ثانية، يشارك فيها المرشحون الفائزون بأكبر قدر من الأصوات في الدورة الأولى، في حالة عدم تحقق الأغلبية المطلقة. وتمر الانتخابات الرئاسية، بحسب نص القانون العضوي بأربع مراحل رئيسة:
• الأولى، استدعاء الهيئة الناخبة بموجب مرسوم رئاسي (المادة 136) ويتمّ ذلك في غضون 90 يومًا من إجراء الاقتراع.
• الثانية، تقديم ملف الترشّح إلى المجلس الدستوري. ويجب أن يحتوي الملف على مجموعة
• الثالثة، تتضمن النظر في صحّة الترشيحات وصدور قرار من المجلس الدستوري بشأنها، ويتم ذلك في غضون 10 أيام عقب تقديم الملفات. وينشر القرار في الجريدة الرسمية.
• الرابعة: رحلة التصويت وفقًا للنظام المحدد بالقانون المذكور أعلاه.
أبرز المتنافسين
تقدّم نحو 172 شخصًا بترشيحاتهم بحلول آخر كانون الثاني/ يناير 2019، منهم رؤساء أحزاب ومستقلون (ما زال يتعين على المجلس الدستوري النظر في صحة ترشيحاتهم)، لكن المنافسة ستنحصر على الأرجح بين ثلاثة مرشحين، هم:
1. عبد العزيز بوتفليقة
يعدّ عبد العزيز بوتفليقة المرشّح الأقوى في الانتخابات الرئاسية القادمة، كونه مرشّحَ ما يعرف في الجزائر بالتحالف الرئاسي الذي يضم حزب جبهة التحرير الوطني الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتولى أمانته العامّة الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى، وتجمع أمل الجزائر، والحركة الشعبية الجزائرية. ويمكن القول إنّ بوتفليقة يحظى بدعم الجيش أيضًا. وتتمثل نقطة قوته الرئيسة في سيطرته على الإدارة، وذلك بسبب تغلغل التحالف الرئاسي في الحكومة، والمجالس المنتخبة محليًا، وعلى مستوى الولايات (المحافظات). يضاف إلى ذلك نفوذه داخل المجلس الدستوري الذي يتكوّن من 14 عضوًا يعيّن بوتفليقة ثلثهم بما في ذلك الرئيس ونائبه. وسيتم تعيين رئيس جديد لهذا المجلس خلال الأيام المقبلة، عقب وفاة رئيسه مراد مدلسي.
وبوتفليقة مرشّح طبقة رجال الأعمال التي تدعم النظام أيضًا. وقد عبّر رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، علي حداد، بوضوح عن دعمه بوتفليقة حال ترشحه لولاية خامسة. وتكمن أهمية سيطرة التحالف الرئاسي المؤيد لبوتفليقة على الإدارة في النقطتين التاليتين:
• انتزاع قرار إيجابي من المجلس الدستوري: تبدو مهمّة تمرير ملف ترشّح الرئيس الحالي للعهدة الخامسة إجراءً روتينيًا، على الرغم من وضعه الصحّي؛ فالقانون ينص على تقديم شهادة طبية توضح الوضع الصحي للراغبين في الترشّح. ونجح بوتفليقة، على الرغم من ذلك، في الحصول على موافقة المجلس لدى ترشحه في انتخابات 2014.
• تسخير بيروقراطية الدولة ومواردها في دعم حملة بوتفليقة: يستفيد جميع المرشحين من بيروقراطية الدولة ومواردها في أثناء حملاتهم الانتخابية، لكن الرئيس بوتفليقة سيكون أكبر المستفيدين بحكم تغلغل أحزاب التحالف الرئاسي في المجالس المنتخبة والإدارات ووسائل الإعلام الرسمية التي تتحوّل إلى أجهزة دعاية في خدمة حملة الرئيس.
2. عبد الرزاق مقري
قرّرت حركة مجتمع السلم (حمس) المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وترشيح رئيسها عبد الرزاق مقري. ويعبّر ذلك عن عودة للحركة بعد غياب عن الانتخابات الرئاسية منذ عام
تعدّ حركة مجتمع السلم (المحسوبة على خط الإخوان المسلمين) من أقوى التشكيلات السياسية الإسلامية في الجزائر، لكن ذلك لا يجعل مقري مرشحًا توافقيًا بين الإسلاميين بمختلف أطيافهم. بل على العكس، فترشيحه يأتي وسط انقساماتٍ شديدةٍ داخل الأحزاب السياسية الإسلامية بين وجهات نظر متعدّدة تخصّ العلاقة بالنظام والمعارضة. ووصل التباين وسط التيار الإسلامي إلى تقديم مرشحين ينافسون مقري، مثل حزب حركة البناء الوطني الذي رشح رئيسه عبد القادر بن قرينة، وحركة الإصلاح الوطني الجزائري التي تدعم ترشّح الرئيس بوتفليقة، ولم يعلن رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبدالله جاب الله، حتى الآن دعمه أي مرشح.
ويعبّر ترشّح مقري عن تغيّر مفاجئ في قراءة "حمس" للساحة السياسية، وجدوى المشاركة في الانتخابات؛ حيث أنّ مقري، قبل شهورٍ فقط من استدعاء الهيئة الناخبة، اعتبر مشاركة الحركة أمرًا صعبًا في حالة وجود مشروعٍ لولاية خامسة للرئيس. من هنا، يُفتح الباب واسعًا لتساؤلاتٍ حول الضمانات التي تلقتها الحركة خاصة فيما يتعلق بموقعها بعد الانتخابات.
3. علي بن فليس
بدأ علي بن فليس عملية جمع التوقيعات التي ينص عليها قانون الانتخابات، لكن الفصل النهائي في صحة ملفات الترشّح لم يتم حتى الآن، خصوصا مع إعلان الرئيس بوتفليقة. وقد انقسم حزب طلائع الحريات الذي يرأسه بن فليس بين وجهتي نظر فيما يتعلّق بالانتخابات؛ تتمثل الأولى في توافقٍ على فكرة المشاركة، وتراها وسيلة للتسويق للحزب وأهدافه وبرنامجه. أما الثانية فترفض تكرار سيناريو انتخابات 2014 التي فاز بها عبد العزيز بوتفليقة، وتفضّل مقاطعتها، باعتبار أن حصول منافسة حقيقية غير ممكن عمليًا في ضوء ترشح بوتفليقة، وعدم حياد الإدارة المسؤولة عن تنظيم الانتخابات.
حظي بن فليس بشعبيةٍ عند إعلان ترشّحه ضدّ بوتفليقة عام 2014، على الرغم من أنه كان جزءًا من النظام الحاكم، وكان في ذلك الحين يبدو الأقدر على مواجهة الرئيس، لأنه كان جزءًا من النظام، ويدرك طبيعته وخفاياه. لكنه لم يتمكّن مع ذلك من الفوز، لأن حزبه طلائع الحريات كان جديدًا على الساحة وقتها، ولم يكن يحظى بنفوذ مهم أو دعم بيروقراطية الدولة أو الجيش، ولم يدخل في تحالفاتٍ مع أحزاب أخرى، وما زال لا يملك وسائل إعلام قويّة تتحدث باسمه.
خاتمة
يعدّ ترشّح بوتفليقة للانتخابات الرئاسية بمنزلة غلق للعملية السياسية، وحسم نتائج الانتخابات مسبقًا باعتباره مرشّح الحزب الحاكم، والتحالف الرئاسي الذي يسيطر على الجهاز البيروقراطي للدولة الجزائرية، إضافة إلى تمتّع الرئيس بدعم قيادة الجيش وطبقة رجال الأعمال، ورهانه على توق الناس إلى الاستقرار. في ضوء ذلك، ليس مستبعدًا انسحاب بعض أبرز المرشحين أمام بوتفليقة (بن فليس، أو مقري) في الأيام المقبلة، كونهم غير قادرين على المنافسة في ضوء موارد التحالف الذي يقف وراء الرئيس؛ مالية كانت أم إعلامية، فضلًا عن نفوذه في أجهزة الحكم والإدارة.