لوحظ خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية، أن النبرة الأميركية تغيرت بخصوص العملية العسكرية في إدلب، إذ انتقلت واشنطن من التحذير إلى ما يشبه الإنذار، ليس فقط ضد استخدام السلاح الكيميائي؛ بل أيضاً بالتلميح ضد "وقوع مجزرة" في المحافظة.
وما زال من غير الواضح ما الذي حمل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تبديل لهجتها، في التفسير أكثر من سيناريو. أحد الاحتمالات يفيد بأن التصعيد قد لا يكون أكثر من تهويل لفظي للإرباك أو ربما رفعاً للعتب. آخر، يقول إن هز العصا يأتي كتمهيد للرد على "هجوم كيميائي محتمل" في إدلب.
وبحسب سيناريو ثالث، فإنّ التلويح بالقوة يأتي كامتداد للتوجه الجديد الذي عبّر عنه المبعوث الخاص السفير جيمس جيفري بقوله "إننا غير مستعجلين" على مغادرة سورية.
ومن التفسيرات المحتملة أيضاً أن الإدارة شدّدت خطابها بخصوص هذه المعركة لملاقاة ما بدا أنه بداية تحول تركي باتجاه إعادة النظر في التقارب مع الكرملين، خصوصاً أن هذا التحول قد تبدّى بتزايد التصلب ليس فقط في خطاب أنقرة بل أيضاً في التدابير الميدانية التي اتخذتها.
وفي الفترة الأخيرة، نشرت تركيا أرتالاً من المدرعات وسلاح المدفعية والأنظمة الصاروخية في المنطقة، كما أرسلت 500 من قوات الكوماندوس الخاصة إلى الشريط الفاصل بين محافظتي إدلب واللاذقية، بحسب الباحث المتخصص في الشأن التركي شارلز ليستر من "ميدل ايست انستيتيوت" للدراسات بواشنطن.
وأكثر ما استوقف في التحرك التركي، أن الرئيس رجب طيب أردوغان دعا الغرب من جديد إلى المساعدة لتفادي الكارثة المتوقعة، مع تحميل أوروبا والولايات المتحدة قسطهما من المسؤولية لو تخلفتا عن القيام بمثل هذا الدور.
وطالب أردوغان، في مقال نشرته، أمس الثلاثاء، جريدة "وول ستريت جورنال"، إدارة ترامب بأن "تتجاوز تركيزها على الكيميائي ونظرتها التراتبية إلى الموت" في مواجهة "الكارثة الإنسانية التي تتحمل أيضاً شريكتانا في أستانة (روسيا وإيران)، مسؤولية منع وقوعها، لأن الأمور وصلت إلى وضعها الحالي بسبب مساعدتهما النظام السوري". نقلة واضحة في موقعه التحالفي.
بدورها، ردت واشنطن بنغمة ملائمة، إذ تحدث وزير الدفاع جيمس ماتيس، أمس، عن إدلب بلغة التهديد المبطن، قائلاً: "لن أفصح مسبقاً عمّا ننوي عمله". وأضاف: "في المرة الأولى قمنا بتدمير 17 بالمائة من طائرات بشار الأسد. وكان ذلك بمثابة إنذار. وسوف نرى ما إذا أصبح أكثر حكمة" من ذي قبل.
ويذكر أن ماتيس لم يتحدث بهذه اللغة حتى في عزّ الأزمة مع كوريا الشمالية.
كذلك حذّر مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، هو الآخر وباللهجة ذاتها متوعداً "بردّ أقوى وبمشاركة فرنسا وبريطانيا" لو استخدم الكيميائي في إدلب، حتى وزارة الخارجية كانت لهجتها متشددة أيضاً تجاه سورية، إذ أكدت الناطقة الرسمية هاذر ناورت، عزم الإدارة على "دعم شركائنا قوات سورية الديمقراطية"، التي بدأت مع القوات آخر معركة لتصفية وجود "داعش" في شرق سورية.
وبالعودة إلى هذا الدعم بالترافق مع قرار البقاء في سورية وإلى حين، حمل البعض على الاعتقاد بأن إدارة ترامب ربما تكون قد استدارت "نحو الحرب بتأثير من المحافظين الجدد فيها(يعني جون بولتون)، كما يرى باتريك بيوكانن أحد أبرز مؤيدي الرئيس ترامب وأشد دعاة الانكفاء إلى الداخل والتخلي عن الدور العسكري في العالم، كما إلى التقارب مع روسيا.
وثمة من يرى أن حذر بيوكانن ليس بعيداً عن الواقع. يدعم قراءته أن الإيرانيين أعطوا إشارة تعزز هذا الاعتقاد. فليس من غير مدلول أن ينقلب الموقف الإيراني المعروف والمستعجل على حسم الوضع في إدلب، إلى عكسه من خلال الإعراب عن التخوف من احتمالات وقوع كارثة إنسانية "تعتزم طهران العمل عل تحاشيها"، بحسب ما قال أمس نائب وزير الخارجية الإيراني، حسين أنصاري في جنيف.
أمام هذه المعطيات والتصريحات، يبرز تساؤل: هل هذا يعني أن في الجو رائحة صدام مفتوح قد يفرض تجميد الهجوم بحثاً عن مخرج آخر؟ المؤشرات تتوالى في هذا الاتجاه، لكن القرار في موسكو.