هل يعيد فوز "سيريزا" حزب "العمال" إلى يساريته؟

31 يناير 2015
رد بارد ومتردد لميليباند على فوز "سيريزا" (نيجيل روديس/Getty)
+ الخط -

ما كاد زعيم حزب "سيريزا" اليساري ألكسيس تسيبراس، ينهي خطاب النصر في أثينا، حتى هرع اليساريون البريطانيون إلى مقر السفارة اليونانية في لندن تعبيراً عن فرحتهم بالفوز الساحق لرفاقهم اليونانيين، وتأييداً للنهج الرافض لسياسات الدول الكبرى في مجموعة الاتحاد الأوروبي، وتأكيداً على أن "الشعب اليوناني سجل تاريخاً جديداً في أوروبا التي تتغير" على حد تعبير تسيبراس. وأكثر من ذلك، لم يكتفِ عتاة اليسار البريطاني بمراقبة الحملات الانتخابية اليونانية من بعيد، بل حجوا إلى أثينا لتقديم دعمهم المعنوي لرفاقهم في حزب "سيريزا".

هذا الاندفاع من يساريي بريطانيا لم يُترجم في مواقف زعيم حزب العمال البريطاني أيد ميليباند، الذي جاء رد فعله على فوز "سيريزا" اليوناني متأخراً ومتردداً وبارداً، واكتفى ببيان صحفي مختصر اعتبر فيه ما جرى في اليونان يخص الشعب اليوناني الذي يحق له أن ينتخب من يراه مناسباً له. وقد فسّر المراقبون هذا الموقف "الحيادي" من زعيم حزب يُفترض أنه "يساري، بأسباب بنيوية ورثها ميليباند، وأسباب راهنة فرضت نفسها عليه".

فمن الجهة البنيوية، نجح زعيم الحزب الأسبق توني بلير بتوجيه الحزب منذ تسعينيات القرن الماضي في "طريق ثالث" يبتعد عن الأفكار اليسارية المتحجرة، وأكثر ليبرالية. وهذا ما يفسّر موقف ميليباند من المسألة اليونانية، إذ إن الترحيب بانتصار حزب "سيريزا" اليساري الرافض لسياسات التقشف الأوروبية، وغير المتمسك بعضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي، لا ينسجم ومواقف حزب "العمال" البريطاني الذي طالما أيّد هذه السياسات ودافع عن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

أما لجهة الراهن السياسي، فلا يمكن لميليباند مباركة نصر اليسار في اليونان حتى لا يبدو وكأنه في صف أحزاب منافسة له، كـ"حزب الخضر" و"الحزب القومي الاسكتلندي" و"حزب الاستقلال" اليميني، والتي تناهض سياسات التقشف الأوروبية، كما أن موقفاً مؤيداً لفوز "سيريزا" سيمنح حزب المحافظين ورقة يرهب بها الناخبين من حزب "العمال" الذي قد يقود البلاد إلى كوارث اقتصادية إذا فاز في الانتخابات العامة في مايو/أيار المقبل.

في المقابل، لم يكن باستطاعة ميليباند التنديد بفوز "سيريزا" اليساري لأن في ذلك تخلياً عما تبقى من "يسارية" حزب العمال وبالتالي خسارة المزيد من الأنصار والأتباع، بينما الحزب بأمسّ الحاجة لكل صوت في الانتخابات العامة المقبلة.

وبصرف النظر عن موقف ميليباند الفاتر من فوز "سيريزا" اليوناني، فالأكيد أن هذا الفوز بات يفرض تداعياته بقوة داخل "البيت العمالي". فمن جهة، أعطى فوز اليسار اليوناني جرعة دافعة لبقايا اليسار التقليدي الثائرة على تيار بلير و"طريقه الثالث"، وقد تُرجم هذا عملياً بإرسال 16 نائباً من نواب حزب "العمال" رسالة عاجلة إلى ميليباند في أعقاب الانتخابات اليونانية، دعوا فيها إلى ضرورة تبني الحزب حزمة من الإجراءات "اليسارية"، من قبيل وضع حد لـ"التقشف لفترات طويلة"، تأميم السكك الحديدية، وتعزيز دور النقابات المهنية.

ومن جهة ثانية، قرع فوز تسيبراس جرس الإنذار من خطر أن يواجه حزب "العمال" المصير نفسه الذي أصاب حزب "باسوك" اليساري الذي أسّسه الزعيم اليوناني أندرياس بابندريو في العام 1974، وحكم البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي، حتى سقط بعد أن انحرف نحو اليمين متخلياً عن جماهيره في الاتحادات والنقابات العمالية، وهو ما أدى إلى بزوغ نجم حزب "سيريزا" وزعيمه تسيبراس الذي خرج من معطف "باسوك"، وهو السيناريو الذي قد يتكرر مع حزب "العمال" الذي تخلّى عن "يساريته" مما سمح بصعود حزب "الخضر"، الذي خرج معظم أعضائه من معطف حزب "العمال"، متمسكين ببرنامج يساري يحاكي إلى حد كبير برنامج "سيريزا" اليوناني.

أما خارج "البيت العمالي"، فقد لفت فوز "سيريزا" انتباه قيادات حزب "العمال" إلى خطرين جادين قد يصيبان الحزب في مقتل خلال الانتخابات العامة المقبلة.

الخطر الأول يتمثل بصعود نجم "الخضر" المناهض لسياسات التقشف الأوروبية تماماً مثل حزب "سيريزا" اليوناني، وهو ما قد يتعزز بعد النتائج التي أفرزتها الانتخابات اليونانية.

أما الخطر الثاني فيتمثل بالتحالف بين النقابات العمالية وتحالف القوى الاشتراكية اليسارية بعيداً عن حزب "العمال"، وخصوصاً أن التحالف قرر المشاركة بالانتخابات المقبلة بألف مرشح للانتخابات المحلية ومئة مرشح للانتخابات البرلمانية، منهم أعضاء سابقون في حزب "العمال" تم فصلهم بسبب مواقفهم المناهضة لسياسات التقشف.

وبالنظر إلى تأثير نتائج الانتخابات اليونانية على باقي المكونات الحزبية في المشهد السياسي البريطاني، وبالتالي على ما قد تفرزه الانتخابات المحلية والبرلمانية المقررة بعد أقل من مئة يوم، فلا شك أن فوز حزب "سيريزا" وما يمثّله، قد أعطى دفعة للأحزاب البريطانية الصغيرة (الخضر والقومي الإسكتلندي والاستقلال) التي تلتقي مع "سيريزا" في رفضها لسياسات التقشّف الأوروبية، وبالمقابل أضعف موقف الأحزاب الرئيسية (المحافظون، العمال، والأحرار الديمقراطي) المدافعة عن سياسات التقشف الأوروبية.

المساهمون