ويحذر اقتصاديون من دخول الاقتصاد التركي بدائرة الركود، بعد تراجع نسبة النمو خلال العام الماضي، رغم أن المؤشرات تدل حتى الآن، على تطور الصادرات وزيادة الاحتياطيات والذهب بالمصرف المركزي التركي.
ويرى اقتصاديون أن تراجع سعر صرف العملة التركية، سيعطي، مؤشراً سلبياً على تأثر الاقتصاد التركي وانكشافه خارجياً، بعد فرض عقوبات اقتصادية.
وفيما يتوقع مراقبون، أن ترضخ تركيا للمطالب الأميركية وتتراجع عن دخولها مدينة عين العرب السورية "كوباني" نظراً للآثار الاقتصادية التي ستترتب على تركيا، إن وسعت واشنطن دائرة العقوبات، حيث تأثرت الليرة التركية صباح الثلاثاء على وقع العقوبات، لتتراجع عن إقفال أمس الإثنين، بنحو 1% مسجلة 5.88 ليرات للدولار.
ويرى المراقبون أن دائرة استهداف تركيا، قد تتسع للاتحاد الأوروبي، بعد معارضة ألمانيا وفرنسا خاصة، للعملية العسكرية التركية في سورية ودعوتهما لوقفها فورا، وهو ما لمّح إليه وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، ليل أمس الإثنين، من أن اجتماعا سيعقد مع أعضاء حلف الأطلسي الأسبوع المقبل للضغط عليهم لاتخاذ إجراءات جماعية وفردية دبلوماسيا واقتصاديا ضد تركيا.
في المقابل، يؤكد المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو أن من حق تركيا ضمان أمنها وحدودها ممن وصفهم بالإرهابيين الذين يهددون الاستقرار وسعي تركيا لأهدافها خلال مئوية تأسيس الجمهورية عام 2023، بعد أن أعطت الصادرات زيادة الشهر الماضي بنسبة 11.2% وتراجع معدل التضخم إلى ما دون 10% وانخفاض معدل البطالة بنسبة بسيطة وزيادة عائدات السياحة لتحقيق رقم قياسي 42 مليار دولار حتى الربع الثالث بجذب 40 مليون سائح وتدفق الاستثمارات النقدية المباشرة لتصل نحو 37 مليار دولار هذا العام.
وقلل كاتب أوغلو من تأثير العقوبات على اقتصاد بلاده، واصفا إياه بأنه "اقتصاد حقيقي مبني على الإنتاج، لذا سيكون التأثير آنياً ومحدوداً إن لم يتطور وليطاول القطاع المالي والإنتاجي".
ويتوقع المحلل التركي خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن ترد بلاده على بعض العقوبات الأميركية، بالمثل، إن رفعت واشنطن الرسوم الجمركية بوجه الصادرات التركية، لافتاً إلى أن الآثار السلبية ستكون متبادلة، لأن الشركات الأميركية ثاني أكبر مستورد للحديد الصلب كما أن الميزان التجاري لصالح واشنطن، وقلما تعتمد تركيا على سلع ومنتجات من الولايات المتحدة.
عقوبات أميركية
كانت وزارة الخزانة الأميركية، قد أعلنت أمس الإثنين، فرض عقوبات على وزارتي الدفاع والطاقة التركيتين، بالإضافة إلى وزراء الدفاع والطاقة والداخلية.
وقالت الوزارة إن إدراج المسؤولين الأتراك في قائمة العقوبات جاء نتيجة لـ "أعمال الحكومة التركية التي تقوض السلام والأمن والاستقرار في المنطقة"، مؤكدة أنها مستعدة لفرض مزيد من العقوبات على المسؤولين الحكوميين الأتراك والكيانات التركية في حال الضرورة.
وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية وزراء الدفاع خلوصي أكار، والداخلية سليمان صويلو، والطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز في لائحة العقوبات، ليتم بموجب هذه العقوبات، تجميد أصول للوزراء الثلاثة والوزارتين في الولايات المتحدة، إن كان لهم أصول بالمصارف الأميركية، ومنعهم من القيام بمعاملات مالية مع الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقع مرسوما رئاسيا يمنح صلاحية لوزارتي الخزانة والخارجية، فرض عقوبات على مؤسسات وشخصيات في تركيا.
ويرى مراقبون أن ترامب، رضخ لضغط المؤسسات الأمنية وبعض أعضاء الكونغرس، بعد أن وصل الانتقاد إلى البيت الأبيض، مرجحين "اكتفاء واشنطن حالياً بهذه العقوبات، ريثما ترى رد الفعل التركي والاستجابة للمطالب الأميركية".
وقال الرئيس الأميركي، أمس الإثنين، إنه يفكر في إصدار أمر تنفيذي يجيز فرض عقوبات على مسؤولين أتراك حاليين وسابقين، وسيوقف المفاوضات مع أنقرة بشأن اتفاق تجاري قيمته 100 مليار دولار، وسيزيد الرسوم على واردات الصلب التركية إلى 50 في المائة.
وتعهد ترامب خلال البيان، بتدمير اقتصاد تركيا سريعاً إذا واصلت المضي في هذا الطريق الخطير والمدمر، مضيفاً أن القوات الأميركية المنسحبة من سورية سيُعاد انتشارها وستظل في المنطقة لمراقبة الوضع.
وكان وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، قد أكد يوم الجمعة الماضي، عزم الرئيس الأميركي ترامب على فرض عقوبات قاسية على تركيا بهدف شل اقتصادها، إذا ارتكبت أي تجاوزات.
وقال منوتشين إن الولايات المتحدة تستطيع "شل" الاقتصاد التركي "إذا اضطرت الى ذلك"، مع استمرار هجوم أنقرة على المقاتلين الأكراد في شمال شرقي سورية. كاشفاً أن الرئيس الأميركي ترامب فوّض مسؤولين أميركيين بصياغة مسودة لعقوبات جديدة "كبيرة للغاية" على تركيا بعد أن شنت هجوما في شمال شرقي سورية، مضيفا أن البنوك تصلها إخطارات بذلك.
عقوبات أقسى
وعمل السيناتوران الجمهوري ليندسي غراهام والديمقراطي كريس هولن، على مشروع قانون عقوبات يهدف إلى إجبار تركيا على وقف العملية العسكرية شمالي سورية.
ويرجح مراقبون أن يحظى "قانون العقوبات "بموافقة الرئيس الذي صرح للصحافيين بأنه يدعم العقوبات بل يفكر في إجراءات أقسى، إذا تجاوزت تركيا الحدود، كما غرد على تويتر بأنه إذا لم يلتزم الأتراك بالقواعد، فستتضرر تركيا بشدة جراء العقوبات.
ويستهدف مشروع قانون العقوبات الذي أعده غراهام وهولن، ملاحقة الرئيس أردوغان وعدد من كبار وزرائه، كما يفرض عقوبات على تسليح الجيش التركي الحليف لواشنطن في حلف الأطلسي، فضلاً عن استهداف قطاع الطاقة التركي الذي يغذي الآلة العسكرية التركية بالوقود اللازم لاستمرار المعركة في شمال سورية.
ويشمل مشروع قانون العقوبات الأميركية على تركيا، ثمانية أقسام مختلفة للعقوبات التي وصفت بأنها الأقسى ضد أحد حلفاء أميركا، إذ يشمل القسم الأول، تجميد الأصول والممتلكات والحسابات الموجودة في الولايات المتحدة والتي تخص الرئيس أردوغان ونائبه ووزراء الدفاع والخارجية والخزانة والتجارة والطاقة والموارد الطبيعية.
ويطاول القسم الثاني، فرض عقوبات على الأشخاص الأجانب الذين يبيعون أسلحة أو يوفرون دعماً مالياً أو مادياً أو تكنولوجياً إلى الجيش التركي، بما في ذلك الطائرات وقطع الغيار والمعدات التي تستخدمها القوات العسكرية التركية.
ويتضمن القسم الثالث من القانون، فرض عقوبات على الهيئات والأشخاص الذين يوفرون خدمات أو مواد أو معلومات أو تكنولوجيا من شأنها دعم أو الحفاظ على إنتاج النفط والغاز الطبيعي المحلي في تركيا من أجل استخدامه من قِبَل القوات المسلحة التركية، ليصل القسم الخامس إلى حظر بيع المعدات العسكرية الدفاعية الأميركية والخدمات والتكنولوجيا المرتبطة بها إلى القوات المسلحة التركية، وكذلك حظر بيع الذخائر أو تحويلها إلى القوات المسلحة التركية.
ولم يفت معدي قانون العقوبات، التطرقُ إلى منظومة صواريخ "أس 400" التي اشترتها تركيا من روسيا أخيراً، فالقسم الخامس من قانون العقوبات، يحدد أن شراء تركيا منظومة صواريخ أس 400 من روسيا على أنه شراء أسلحة تقع تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في الفقرة 231 من قانون مواجهة خصوم أميركا، كما يلغي الفقرات الخاصة بالإعفاء حولها، عدا المساعدات الإنسانية والطبية والمساعدات المتعلقة بدعم الديمقراطية والانتخابات، التي أعفاها القانون، إلى جانب تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين.
وتناول القانون في قسميه الأخيرين، الطلب إلى الإدارة الأميركية تقديم تقرير إلى الكونغرس حول صافي ثروة وأصول وممتلكات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفرض قيود على منح تأشيرات الدخول بهدف السفر إلى الولايات المتحدة للقيادة التركية.
تبادل تجاري ضعيف
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت العام الفائت عقوبات اقتصادية على وزيرين تركيين لعدم الإفراج عن القس الأميركي "أندرو برانسون"، وضاعفت الرسوم الجمركية على واردات الألمنيوم والصلب التركية، لترد أنقرة بالمثل فضاعفت الرسوم الجمركية المفروضة على بعض المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة، منها السيارات والكحوليات والتبغ، قبل أن يتم رفع العقوبات من كلتا الدولتين.
ولا تعد تركيا وأميركا حتى الآن، شريكين تجاريين مهمين بالنسبة لبعضهما وبالمقارنة بحجم تجارة كل منهما الخارجية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 20.6 مليار دولار عام 2017 ونحو 25 مليار دولار عام 2018، ليمثل 0.5% فقط من حجم التجارة الخارجية الأميركية، التي بلغت 3889.7 مليار دولار، كما يمثل 5.3% من إجمالي حجم التجارة الخارجية لتركيا، التي بلغت 390.8 مليار دولار، بحسب معهد الإحصاء التركي.