هل يصطدم الجيش الجزائري بالحراك بسبب تركة بوتفليقة السياسية؟

08 ابريل 2019
يحاول الجيش عدم زيادة الأعباء الأمنية والعسكرية عليه(العربي الجديد)
+ الخط -

على الرغم من تسارع التطورات السياسية في الجزائر، لا يبدو أن الجيش الجزائري يستعجل التخلص من التركة السياسية التي خلفها رحيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على غرار ما قام به في المؤسسة العسكرية، بعد إلحاق جهاز الاستخبارات مجدداً بوزارة الدفاع، واستبعاد قائد الجهاز اللواء بشير طرطاق من مهامه.

وفي الوقت الذي لا توجد فيه قوة سياسية، أو مؤسسة، يمكنها أن تُمثل ثقلاً موازياً للجيش، فإن جزءاً واسعاً من المتظاهرين والنشطاء والنخب السياسية لا يبدون مطمئنين بالكامل إلى تطورات الموقف، وسط خشية من أن يتمكن الجيش من فرض شروطه وخياراته وتحديد المستقبل السياسي للجزائر. وتتعزز المخاوف بعدما تم رصد إلقاء رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح 13 خطاباً، تتضمن قضايا ومواقف سياسية ليست من صلاحيات الجيش.

وبينما تعتبر المعارضة، إلى جانب الحراك، أنه تتوفر إمكانية لتحقيق المطالب الشعبية وفق مخرجات سياسية توافقية، ولو تطلب ذلك عدم التمسك بنص الدستور حرفياً، وتحديداً ما يتعلق بالمادة 102 من الدستور، يصر الجيش على تطبيق الاستحقاقات الدستورية المتضمنة في المادة 102، والتي تؤدي إلى نقل سلس للسلطة إلى رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، وهو أحد الوجوه البارزة في نظام بوتفليقة، بدءاً من يوم غد الثلاثاء، في حال صادق البرلمان على إقرار شغور منصب رئيس الجمهورية.  ويترتب على ذلك استبقاء الحكومة الحالية التي يديرها وزير الداخلية السابق نور الدين بدوي، وهو أيضاً أحد وجوه نظام بوتفليقة ورموزه التي أشرفت على هندسة قوانين الأحزاب السياسية والانتخابات والتلاعب بنتائجها وفق ما توجهه المعارضة من انتقادات لبدوي.



الموقف السياسي للجيش والمتعلق بالتمسك بالحل الدستوري، وإعلانه بصرامة رفض أي حل غير دستوري، قد يضع المؤسسة العسكرية في حالة تصادم مع المطالب الشعبية، الرافضة لتولي بن صالح رئاسة الدولة مؤقتاً. كما أعلن المتظاهرون رفضهم للحكومة الحالية بجميع مكوناتها، وهو ما ظهر بشكل أكثر وضوحاً في الشعارات والهتافات في مسيرات الجمعة السابعة من الحراك الشعبي، إذ أقيمت محاكم شعبية لما وصفه المتظاهرون بـ"الباءات الثلاث"، وهم رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح.
ويعتقد مراقبون متابعون لتطورات موقف الجيش أن قيادات المؤسسة العسكرية لا تبدي حتى الآن مطامح سياسية واضحة، لكن تقديرات الموقف السياسي قادتها إلى ضرورة السعي لإنهاء سريع للمرحلة الانتقالية والذهاب إلى انتخابات رئاسية في غضون 90 يوماً كما ينص الدستور، وتحميل الرئيس المنتخب مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية. وهو ما يعني رفض الجيش إطالة عمر مرحلة نقل السلطة إلى رئيس منتخب، أو تحمل أعباءً إضافية في المرحلة الانتقالية طويلة الأمد نسبياً، زيادة على أعبائه الأمنية والعسكرية الداخلية وعلى الحدود الإقليمية، وفي ظل توترات مستمرة في ليبيا وشمالي مالي والنيجر. كما أنه لا يريد تكرار تجربة العام 1992 التي تحمل الجيش لاحقاً كامل أعبائها السياسية والأمنية.

ثمة تقدير سياسي آخر يُفسر سبب تمسك الجيش بالذهاب إلى انتخابات رئاسية في غضون 90 يوماً، يتسلم فيها رئيس منتخب شعبياً السلطة، ورفضه مقترح قوى المعارضة السياسية وناشطين في الحراك الشعبي بإنشاء هيئة رئاسية تدير مرحلة انتقالية، ويرتبط بكون الجيش يعتقد أن هذا المقترح نفسه هو من صنع دوائر سياسية على علاقة بما يصفها الجيش بـ"القوى غير الدستورية"، في إشارة إلى شقيق الرئيس المستقيل السعيد بوتفليقة، و"الأطراف المشبوهة"، في إشارة إلى القائد السابق لجهاز الاستخبارات الفريق محمد مدين. وهو ما كشف عنه بوضوح الرئيس السابق ليامين زروال في رسالته التي نشرها الإثنين الماضي، وأعلن فيها لقاءه محمد مدين الذي نقل إليه مُقترح شقيق بوتفليقة. وبرأي الجيش فإن هذا المقترح قد يمكن شخصيات لا تحظى بالتأييد الشعبي الكامل، ولا تضمن المؤسسة العسكرية بالكامل توجهاتها، من الوصول ولو لفترة مؤقتة إلى سدة الحكم. كما أن الذهاب إلى انتخابات رئاسية قد يتيح للجيش، الذي يملك أكثر من مليون صوت ضمن الهيئة الناخبة (عدد عناصر الجيش والدرك الذين يحق لهم التصويت)، أداء دور في اختيار الرئيس المقبل.

المساهمون