هل يستغل عادل إمام الوضع في سورية ليهاجم الثورات؟

11 يونيو 2015
الدكتورعاطف شخصية افتراضية في مسلسل "أستاذ ورئيس قسم"
+ الخط -
الدكتور عاطف صقر، أستاذ جامعي كان يشغل منصب رئيس قسم الفلسفة في جامعة دمشق، وكان ثورياً في مرحلة شبابه ولايزال يحمل في نفسه روح الثورة، الأمر الذي دعاه ليكون في الصفوف الأولى للثورة السورية فور انطلاقها، غير أنه لم يلبث أن انقلب عليها، محملاً إياها مسؤولية دمار سورية وتفتيتها، وصار يشبه نفسه وأمثاله من المثقفين بأنهم كالأطباء "الغشم"، الذين قرروا إجراء عملية جراحية للوطن، فنجحت العملية لكن الوطن مات.

الدكتور عاطف ليس سوى شخصية افتراضية، في المسلسل المصري "أستاذ ورئيس قسم"، الذي سيعرض في رمضان القادم، ويقوم ببطولته الفنان عادل إمام، وهو من تأليف يوسف معاطي وإخراج يسري حسان، وكان قد رشح لأداء شخصية الدكتور عاطف، الفنان السوري عبد القادر المنلا.

 المنلا رفض الدور، مجاهداً غواية العمل رفقة نجم يحلم فنانون كثر بالعمل إلى جانبه، التزاماً بما آمن به قولاً وفعلاً، وهو الذي وقف إلى جانب ثورة مواطنيه منذ لحظاتها الأولى، ودفع الضريبة منفى وعزلة ومشقة لا تستكين، إذ اختار الذهاب إلى مصر، مفضلاً تحمل آلام الانسلاخ عن وطن أحبه ويسكن وجدانه، على البقاء صامتاً عن نظام مجرم.

بعد رفض المنلا أُحيل الدور إلى الفنان والمخرج السوري بسام قطيفان، والذي رفض بدوره أداء الشخصية، لما تنطوي عليه من إساءة لثورة آمن بها، ودفع كزميله المنلا ضريبة مناصرتها، لاسيما أنّ عائلته قدمت عشرات الشهداء، فكتب على صفحته في "فيسبوك" موضحاً أسباب رفضه "لمن يكتبون، لمن يؤلفون، لمن يقرأون، لمن يصورون، لمن يتابعون أو لا يتابعون الشأن السوري في مصر، أقول لكم جميعاً: الثورة خرجت لتطالب بالحقوق، الثورة لم تدمر سورية، الثورة لم تشرد أبناء سورية. الطاغية الجزار.. هو من واجه الصوت بالرصاص، والقبضات بالمدافع، والإرادة بالطيران وبالبراميل المتفجرة والصواريخ البالستية.. "رئيس" الجمهورية السورية، هو وزبانيته واستخباراته ومرتزقته وحلفاؤه و"جيشه" هم من دمروا سورية، فلا تخلطوا الحابل بالنابل ولا السم بالدسم".

يكاد الفنان عادل إمام وخلال مسيرته التي تمتد لأكثر من أربعين عاماً، أن يكون الفنان الوحيد الذي وقف ومن خلال فنه، على مسافة واحدة من الجميع، حيث وجه سهامه إليهم من دون استثناء، فانتقد التطرف والتخلف في الحركات الدينية، والضحالة والادعاء في التيارات اليسارية، واستبداد وبطش الأنظمة الحاكمة، وشعبوية واستسلام المجتمع، ولم يستثن لا خائناً ولا مقاوماً ولا أكاديمياً ولا إنساناً عادياً، من مسؤولية الواقع المر الذي آل إليه المجتمع العربي.


قدم عادل إمام عشرات الأفلام والمسلسلات التي دأب الجمهور على الاستشفاف منها، الحاجة إلى ثورة تطاول المستويات كافة، وعندما بدأ الربيع العربي، التزم الزعيم قصر الصمت، مكتفياً بالتبرؤ من الجميع. إن كان الصمت حقه الذي لن ينازعه عليه أحد، فإن اختزال الثورة السورية بما قدمته من تضحيات عظيمة وماتزال، بمشهد واحد فقط، ما هو إلا طعن بأرواح مئات من الآلاف ممن قضوا في سبيلها، وتسخيف لآلام ملايين آخرين، مشردين ومهجرين ومنفيين في أصقاع العالم كله، وما هو إلا إهانة ردّ عليها فنانان سوريان منسجمان مع روح الفن وغايته.

 يستغل إمام الوضع الذي آلت إليه سورية وأهلها، إذ يقدمها من خلال شخصية الدكتور عاطف صقر، الذي فقد بسبب الثورة، أسرته وبيته ووطنه، وها هو يعمل اليوم في مصر"جرسوناً" ذليلاً ومتحسراً على "الزمن الجميل" في ظل النظام، بعد أن كان رجلاً ذا مكانة مرموقة، من دون الإشارة الصريحة إلى من تسبب في كل هذا، وما لنا إلا أن نراه رسالةً للمصريين، يشيطن فيها الثورات ويحملها عبء ما لا ذنب لها فيه.

لقد سبق لعادل إمام أن صرح قبل أعوام في رد على من اتهمه بأنه يناصر بشار الأسد، قائلاً "ليس المهم أنني أؤيد أو أعارض الثورة السورية.. المهم بل الأهم أن يتوقف حمام الدماء الذي يسيل على تراب الأرض السورية"... بدورنا نسأل عادل إمام.. هل يحتاج الدم السوري بعد كل تلك الأعوام، وضوحاً أكثر من هذا ليعرف من حوّله إلى حمّام دم؟.. كل ما عليك فعله أيها الزعيم، هو أن تلقي نظرة مثلاً على بضع صور، لأحد عشر ألف سوريّ وسورية، قضوا تحت التعذيب في أقبية الأسد، هؤلاء لهم أمهات وآباء وأصدقاء، يفتقدونهم، وينتظرون اليوم أكثر من مشهد وحيد مذلّ في مسلسلك، يختزل فيه آلام من مات، ومن بقي ميتاً على قيد الحياة.

اقرأ أيضاً درعا: وفاة أم "شهداء التعذيب" قهراً على أبنائها الستة

دلالات
المساهمون