20 أكتوبر 2024
هل يرمي الحبيب الصيد المنديل؟
لم يعد رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، يُخفي شعوره بالمرارة من الائتلاف الحزبي الحاكم. ألح، قبل أيام، على "أهمية دور أحزاب الائتلاف الحكومي في تعزيز الأرضية الملائمة لتكريس الاستحقاقات المطروحة، وما يقتضيه ذلك من إحكام التنسيق بين هذه الأحزاب وتوحيد المواقف".
ليست هذه المرة الأولى التي دعا فيها الأحزاب الداعمة له إلى تحديد موقفها بوضوح منه، ومن حكومته، لكن العنصر الجديد الذي أربكه كثيراً هو التصويت الذي تم أخيراً على القانون الخاص بالبنك المركزي. كاد أن يسقط القانون، لو تغيب أحد النواب لأي سبب، حيث لم يحصل إلا على 78 صوتاً، في حين غاب عن جلسة التصويت أغلب أعضاء البرلمان، ما شكل فضيحة لأحزاب الائتلاف الحاكم التي يفترض فيها أنها تمثل أغلبية مريحة جداً. حتى نواب حزب نداء تونس أخلّ عديدون منهم بالتزاماته الحزبية والأخلاقية، وهو ما أصاب رئيس الحكومة بصدمةٍ غير متوقعة.
الغريب أنه لا أحد يعلن صراحةً أنه مع تغيير الحبيب الصيد. لكن، في الآن نفسه، هناك لغط مستمر في كواليس البرلمان حول ما يعتبره بعضهم فشل رئيس الحكومة وفريقه في إدارة المرحلة الحالية، بعد أكثر من سنة وبضعة أشهر من تولي المسؤولية. وإذ يعتبر هذا الأمر مفهوماً عندما يصدر عن أطراف المعارضة، فإن هذا الحديث أصبح متداولاً في صفوف بعض مكونات الأغلبية الحاكمة، وخصوصاً جزءا من حزب نداء تونس الذي لا تزال أزمته قائمة. وإذا عمقنا البحث، نجد أنفسنا أمام معضلاتٍ جوهرية عديدة، منها:
أولاً: يعلم الجميع أن الحبيب الصيد ليس سياسياً، ولم يختلط بالسياسيين، وفي أعماقه لا يحب السياسة، ولا يطمئن إلاّ للرئيس الباجي السبسي الذي عمل معه سابقاً، ثم ربطته علاقة تبدو جيدة برئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، رغم كونه غير إسلامي بالمعنى الحركي. لكن، ما العمل إذا كانت المرحلة سياسية بامتياز. هناك اختلاف في هذا الشأن، يبحث بعضهم عن شخصيةٍ سياسيةٍ تكون قادرة على القيادة والتجميع، وفي المقابل، يعتقد السبسي وحركة النهضة أن المرحلة تقتضي تكنوقراطاً ليست له طموحات سياسية، ولا يوجد أفضل من هذا الرجل الذي لا يحب أن يكون سياسياً.
ثانياً: توجد مسافة بين النظام السياسي الذي تم اختياره عند صياغة الدستور الجديد وخبرات الأحزاب وقدراتها على الاستجابة لاحتياجات هذا النظام وشروطه، فليس لدى الأحزاب تقاليد العمل المشترك وإدارة حكومات ائتلافية، ولم يتمكن معظمها من حسن إدارة خلافاتها الداخلية، وهو ما جعلها عرضة للانقسامات الحادة، وغير قادرةٍ على إدارة شؤون الدولة بشكل جماعي. وتكفي الإشارة إلى ما طرحه رئيس البرلمان، أخيراً، من أفكار للبحث عن صيغةٍ ما للحد من التوتر القائم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ثالثاً: بعد تجربة سنة وبضعة أشهر من تطبيق الدستور، اكتشف السياسيون عدة ثغرات في النظام السياسي الذي تم اختياره وإقراره. هذا النظام الذي ولد مختلطاً، ما جعل الصلاحيات موزعة بين ثلاثة رؤساء. ولكن، لا أحد منهم قادر على إدارة الشأن العام بمفرده، ولم يستطع الثلاثة، في الآن نفسه، إنجاز ذلك بالنجاح المطلوب، وهو ما جعل الحكم ضعيفاً وهشّاً وغير قادر على إقناع المواطنين، وإلزامهم بسياسات واضحة.
هذا هو الإطار العام الذي يدفع اليوم النخبة السياسية التونسية نحو البحث عن حلولٍ من شأنها أن تسمح بتحقيق الحد الأدنى من التجانس بين مقومات النظام السياسي والقدرات الفعلية للطبقة السياسية من حيث خبراتها ودرجة استيعابها لشروط العمل الديمقراطي، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة والمعقدة. وكلما استمرت هذه الفجوة بين النظام والفاعلين السياسيين، بقي الأداء الجماعي ضعيفاً، وبقيت معه الحالة التونسية عرضةً للتوتر والتشكيك والمناورة.
لا يزال الحبيب الصيد متمسكاً بإتمام مهمته، لكنه قد يرمي المنديل في أي لحظة.
ليست هذه المرة الأولى التي دعا فيها الأحزاب الداعمة له إلى تحديد موقفها بوضوح منه، ومن حكومته، لكن العنصر الجديد الذي أربكه كثيراً هو التصويت الذي تم أخيراً على القانون الخاص بالبنك المركزي. كاد أن يسقط القانون، لو تغيب أحد النواب لأي سبب، حيث لم يحصل إلا على 78 صوتاً، في حين غاب عن جلسة التصويت أغلب أعضاء البرلمان، ما شكل فضيحة لأحزاب الائتلاف الحاكم التي يفترض فيها أنها تمثل أغلبية مريحة جداً. حتى نواب حزب نداء تونس أخلّ عديدون منهم بالتزاماته الحزبية والأخلاقية، وهو ما أصاب رئيس الحكومة بصدمةٍ غير متوقعة.
الغريب أنه لا أحد يعلن صراحةً أنه مع تغيير الحبيب الصيد. لكن، في الآن نفسه، هناك لغط مستمر في كواليس البرلمان حول ما يعتبره بعضهم فشل رئيس الحكومة وفريقه في إدارة المرحلة الحالية، بعد أكثر من سنة وبضعة أشهر من تولي المسؤولية. وإذ يعتبر هذا الأمر مفهوماً عندما يصدر عن أطراف المعارضة، فإن هذا الحديث أصبح متداولاً في صفوف بعض مكونات الأغلبية الحاكمة، وخصوصاً جزءا من حزب نداء تونس الذي لا تزال أزمته قائمة. وإذا عمقنا البحث، نجد أنفسنا أمام معضلاتٍ جوهرية عديدة، منها:
أولاً: يعلم الجميع أن الحبيب الصيد ليس سياسياً، ولم يختلط بالسياسيين، وفي أعماقه لا يحب السياسة، ولا يطمئن إلاّ للرئيس الباجي السبسي الذي عمل معه سابقاً، ثم ربطته علاقة تبدو جيدة برئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، رغم كونه غير إسلامي بالمعنى الحركي. لكن، ما العمل إذا كانت المرحلة سياسية بامتياز. هناك اختلاف في هذا الشأن، يبحث بعضهم عن شخصيةٍ سياسيةٍ تكون قادرة على القيادة والتجميع، وفي المقابل، يعتقد السبسي وحركة النهضة أن المرحلة تقتضي تكنوقراطاً ليست له طموحات سياسية، ولا يوجد أفضل من هذا الرجل الذي لا يحب أن يكون سياسياً.
ثانياً: توجد مسافة بين النظام السياسي الذي تم اختياره عند صياغة الدستور الجديد وخبرات الأحزاب وقدراتها على الاستجابة لاحتياجات هذا النظام وشروطه، فليس لدى الأحزاب تقاليد العمل المشترك وإدارة حكومات ائتلافية، ولم يتمكن معظمها من حسن إدارة خلافاتها الداخلية، وهو ما جعلها عرضة للانقسامات الحادة، وغير قادرةٍ على إدارة شؤون الدولة بشكل جماعي. وتكفي الإشارة إلى ما طرحه رئيس البرلمان، أخيراً، من أفكار للبحث عن صيغةٍ ما للحد من التوتر القائم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ثالثاً: بعد تجربة سنة وبضعة أشهر من تطبيق الدستور، اكتشف السياسيون عدة ثغرات في النظام السياسي الذي تم اختياره وإقراره. هذا النظام الذي ولد مختلطاً، ما جعل الصلاحيات موزعة بين ثلاثة رؤساء. ولكن، لا أحد منهم قادر على إدارة الشأن العام بمفرده، ولم يستطع الثلاثة، في الآن نفسه، إنجاز ذلك بالنجاح المطلوب، وهو ما جعل الحكم ضعيفاً وهشّاً وغير قادر على إقناع المواطنين، وإلزامهم بسياسات واضحة.
هذا هو الإطار العام الذي يدفع اليوم النخبة السياسية التونسية نحو البحث عن حلولٍ من شأنها أن تسمح بتحقيق الحد الأدنى من التجانس بين مقومات النظام السياسي والقدرات الفعلية للطبقة السياسية من حيث خبراتها ودرجة استيعابها لشروط العمل الديمقراطي، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة والمعقدة. وكلما استمرت هذه الفجوة بين النظام والفاعلين السياسيين، بقي الأداء الجماعي ضعيفاً، وبقيت معه الحالة التونسية عرضةً للتوتر والتشكيك والمناورة.
لا يزال الحبيب الصيد متمسكاً بإتمام مهمته، لكنه قد يرمي المنديل في أي لحظة.