أمام تنامي الخطر الإرهابي وفي ظلّ المتغيرات التي باتت تشهدها المنطقة المغاربية من توتر وفوضى، يرى العديد من المراقبين والمتابعين للشأن العام، أنه بات من الضروري القيام بإصلاحات تستهدف المؤسسات العسكرية في المنطقة ككل، والتنسيق فيما بينها لمواجهة هذا الخطر الداهم، داعين إلى وضع استراتيجية مستقبلية تحدّ من الأخطار الإرهابية التي تتزايد.
ولأن الجيش التونسي أدى دوراً إيجابياً إبان ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 في حماية المنشآت العامة والابتعاد عن التجاذبات والصراعات السياسية، إلا أن المؤسسة العسكرية التونسية تبقى في حاجة إلى إصلاحات وإلى إعادة روح الشباب للقيادات العسكرية لتكون فاعلة في الدفاع الوطني.
ويقول العقيد المتقاعد، سالم الصباغ، لـ"العربي الجديد"، إنّ الجيش التونسي ظلّ منسياً لأسباب تاريخية، معتبراً أنه بُعيد استقلال تونس في 1956 وضعت أولويات قومية فرضتها الظروف آنذاك، مبيناً أنه عوض اقتناء دبابة كان يتم بناء مدرسة، وعلى الرغم من ذلك فإن تكوين المؤسسة العسكرية كان جيداً والمعنويات عالية، مما جعل هذه المؤسسة تحقق مكسباً هاماً.
ولم يخفِ الصباغ أن الجيش التونسي ينقصه، اليوم، الكثير من التجهيزات، موضحاً، أن كل التحركات تستوجب وجود إمكانيات، فالطائرات تستعمل للغطاء الجوي والمدفعية لفتح الطرقات والدبابات، هي العمود الفقري للمشاة، مشيراً إلى أن أغلب الوحدات العسكرية في تونس لم تستكمل هيكلتها كما يجب.
ويؤكد أن ما ينقص الجيش التونسي، هو توفر تجهيزات عصرية وإلكترونية، خصوصاً في مجال التنصت والرماية ليلاً ونهاراً، مبيناً أن "بعض هذه التجهيزات بدأت تصل، وهو مؤشر إيجابي لإعادة تجهيز الجيش، ولكن في ظل التحديات الأمنية المطروحة لا بد من الإسراع في اقتناء المزيد من التجهيزات".
ويلفت الصباغ إلى أن "الجيش التونسي مرّ بالعديد من الصعوبات قبيل الثورة، من ذلك غياب التنسيق بين وحدات الجيوش الثلاث (البرية والجوية والبحرية)، إضافة إلى عدم التنسيق بين الجيش وقوات الأمن، وهي سياسة ممنهجة توخاها (الرئيس المخلوع) زين العابدين بن علي لحماية نفسه من أي انقلابات قد تحدث".
ويؤكد العقيد المتقاعد أن "تنامي المخاطر الإرهابية، يفرض، اليوم، مزيداً من التنسيق بين الجيش والأمن"، مقترحاً "إنشاء غرفة عمليات وطنية لجعل العمل الاستخباراتي أكثر جدوى وفاعلية"، داعياً إلى "إنشاء خلية أو نواة تتألف من عدد من القيادات العسكرية التي تتمتع بالخبرة لوضع أسس لإعادة بناء الجيش التونسي، إضافة إلى القيام بهيكلة جديدة للتعليم العسكري".
وينتقد الصباغ "غياب تقاليد أو تدريبات في مقاومة الإرهاب في تونس". معتبراً أن "هذه التدريبات يجب أن تكون محكمة وأن يشمل التدريب العسكري موضوع مقاومة الإرهاب"، مذكّراً بأن "ثلث الوحدات العسكرية والمدارس موجودة في بنزرت وتعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي، وهو ما يستدعي إعادة التموقع حسب طبيعة الخطر". مؤكداً أن "نشاط الأمن العسكري يجب أن يرتكز في المناطق التي تشهد توتراً كالقصرين وسيدي بوزيد".
ويلفت إلى أن "خطر الإرهاب دفع تونس والجزائر إلى التحالف ووضع اليد في اليد لمقاومة هذا الخطر"، داعياً في هذا الصدد إلى "إنشاء قاعدة بيانات متطورة تأخذ بعين الاعتبار نجاحات بعض الدول، ولِم لا الاستعانة بالدول الصديقة التي تتمتع بالخبرة".
اقرأ أيضاً: حماية القوات المسلحة في تونس: القلق من التسلّط يتعمّق
في السياق نفسه، يقول أمير لواء متقاعد من الجيش التونسي، محمد المدب، لـ"العربي الجديد"، إنّ نمط الجيش التونسي يعتمد على التجنيد وفق مجموعة من الشروط، ملاحظاً أن عدد الشبان التونسيين الذين يتقدمون لأداء واجبهم العسكري محدود جداً ومعظمهم متطوعون.
ويرى أن هناك خللاً في سياسة التجنيد، إذ إن تونس تعتمد التجنيد عبر 4 حصص وكل حصة لا تتعدى الألف شاب في حين أن من يبلغون سن العشرين يُعدّ بالآلاف، مشدداً على أن "الظروف الراهنة والتحديات الأمنية تقتضي مراجعة التجنيد وضخ موارد بشرية جديدة لتكليفها بعدد من المهام المطلوبة، ففي ظل التحولات والمستجدات الأمنية لابد من هيكلة جديدة للتعليم العسكري وللتجنيد".
ويعتبر المدّب أن "تعدّد مهام الجيش التونسي أرهقه، خصوصاً بعد الثورة إذ قام بتأمين اللاجئين القادمين من ليبيا إبان الثورة الليبية، وتأمين الانتخابات والامتحانات، وهي مهام شتتت قوى الجيش وأنهكته".
من جهته، يؤكد الفريق أول المتقاعد ورئيس أركان جيش البرّ سابقاً، سعيد الكاتب لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك تحديات عدة تفرض الإسراع بإصلاحات تهم السياسة الدفاعية، موضحاً أن "الإرهاب متمركز في عديد المحافظات التونسية وينتظر القيام بعمليات نوعية".
ويرى أن "أي مسؤول سياسي يجب أن يضع في اعتباره أن التهديدات الإرهابية موجودة"، مطالباً "بضرورة ضرب الخلايا النائمة ومباغتة الإرهابيين في مخابئهم"، مضيفاً: "الإرهاب يغدر ومهما كانت قوتنا والسياسة الدفاعية التي نتوخاها فإن الإرهاب قادر على المباغتة وضرب أهداف حساسة".
ويوضح الكاتب أنه "يجب أن نستعد ونضع في حساباتنا أن الإرهاب يدوم سنوات عدة، إذ ليس من السهل القضاء عليه، وإنما يجب العمل على تخفيف وطأته تدريجياً، فمواجهة الإرهاب تستدعي التضحية وتؤدي إلى سقوط قتلى، ولكن مكافحته ستكون بالنمو الاقتصادي وبالقضاء على البطالة بعيداً عن التجاذبات السياسية، فهو ينمو في ظلّ التوتر والفوضى".
اقرأ أيضاً: تونس: الحريات والحقوق في مهبّ "مكافحة الإرهاب" اليوم