هل يتمكن الشباب من تغيير مسار القضية الفلسطينية؟!

11 ديسمبر 2014
لا غرابة في أن تحتفي إسرائيل بكُتاب عرب وتصادقهم(أ.ف.ب)
+ الخط -

لكي نجيب عن هذا السؤال، من المهم أن نعلم، وبشكل واضح، كيف يعمل الطرف الإسرائيلي؟ كيف ساهم ويساهم في جعل قضية فلسطين لصالحه؟ ومع كافة الأسباب التي تشير، وبشكل صريح، إلى أنه مغتصب للأرض ومجرم في حق الجميع: الأطفال والنساء والطبيعة، وأيضا الهوية العربية التي يعمل على إخفائها يوماً بعد يوم. يتوجب علينا فهم الكيفية التي يعمل من خلالها المحتل نحو تبرير احتلاله. وهذا جزء يساهم في معالجة القضية الفلسطينية.

يحاول الكيان الصهيوني التأكيد على هويته وأحقيته، من خلال استغلال المسار البحثي والأكاديمي. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014، عقدت جمعية الدراسات الشرق أوسطية وشمال أفريقيا (ASMEA) مؤتمرها السنوي لعام 2014 في العاصمة الأميركية، الذي حمل عنوان "البحث عن توازن في الشرق الأوسط"، حيث تكوّن المؤتمر من 39 جلسة تتناول الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العالم العربي، والمستجدات والقضايا التي يكمن حولها الاختلاف، كالهوية والصراع الإثني، وأيضاً القضية الفلسطينية. كان عدد الحاضرين 700 باحث ودارس لقضايا الشرق الأوسط. أيضا إسرائيل نفسها كانت من أهم المحاور التي تم الحديث حولها في هذا المؤتمر، حيث كانت هناك 4 جلسات رئيسية تم طرح أوراق بحثية فيها حول إسرائيل والهوية اليهودية. عدد الباحثين القادمين من إسرائيل كان 70 باحثا، ما بين أساتذة جامعيين وطلاب دراسات عليا وأيضا باحثين مستقلين.

الذي حضر هذا المؤتمر يشعر بأن الدائرة والاهتمام جزء كبير منه حول إسرائيل. يكفي أن يكون المتحدث الرسمي هو البروفيسور "مئير لتفيك" القادم من جامعة تل أبيب، حيث كانت له كلمة الافتتاح في المؤتمر حول "روحاني إيران، ما هو التغير الحقيقي". وهنا وجهة من أوجه القوة المعرفية الأكاديمية، أن يكون هناك مؤتمر خاص بالشرق الأوسط، والمتحدث الرئيسي فيه هو أحد أبناء الكيان الاستعماري. ليس هذا فحسب، بل معرض الكتاب المرافق لفعاليات المؤتمر، يوحي لك بأن إسرائيل واليهود هما عماد الكون، بسبب كثرة الكتب المعروضة حولهما.

ما أسعى إلى الإشارة إليه، هو أن أهم معول من معاول هدم قضية فلسطين وبناء دولة (إسرائيل) هو المعرفة الأكاديمية، وتشكيل الرأي الأكاديمي والعام حولها. هذا المؤتمر هو نموذج لتكثيف سواد الباحثين، وتأصيل فكرة الدولة والمظلومية الإسرائيلية في المناسبات الأكاديمية والإنتاج المعرفي.

نحن العرب وكأحرار، بكامل اختلاف هوياتنا، نعتبر قضية فلسطين قضية عدالة، لا مراجعة ولا معادلة حولها. لكن هذا المطلب وهذا الصوت فراغ، إذا ما تحوّل إلى قوة وتيار يدفع نحو هذا الاتجاه. وأهم قوة هي المعرفة التي تحرج اللوبي الصهيوني في العالم، فإن الدخول والتفاعل البحثي الجاد والكتابة عن قضية فلسطين وتناولها من جانب تخصصي، أيضا يساهم ويساعد في إسقاط شرعية وصورة هذا المغتصب، على الأقل في الحقل ذاته. للأسف، فإن الفاعلين في هذا المسار قلة إذا ما قورن حالنا بحال أعدائنا. فالإنتاج المعرفي الداعم لإسرائيل لا يتوقف، سواء في الحقل الأكاديمي، أو في الصحف العالمية الكبرى. هذه الساحة لا تحتاج منا حمل سلاح غير القلم والكتابة المنطقية والجادة حول كيف دمرت إسرائيل أرض فلسطين، وكيف اغتصبت هذه الأرض وحولتها أمام العالم أجمع إلى دولة متوحشة تقتل الجميع بلا رهبة من أحد، بعد أن اقتلعت شعبها من جذوره.

من ضمن من كتب عن الدولة المغتصبة إسرائيل كتابة موجعة، أستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورينيا - سيكريمنتو، إياد القزاز، حيث كتب عن الجيش والمجتمع في إسرائيل، وكتب أيضا دراسة أخرى عن الوجه العسكري للمجتمع الإسرائيلي. هتان الدراستان كانتا كفيلتين بوضع اسمه على قائمة الأكاديميين المعادين للسامية، وهما دراستان صغيرتان، لكن عميقتان في فكرتهما التي تعرّي الكيان الصهيوني من إنسانيته، وهذا ما يخشاه هذا الكيان.

التوجه نحو الكتابة بشكل عام، والأكاديمية منها بشكل خاص، عامل مهم في تغيير مسار القضية الفلسطينية. وهذا ما يمكن أن يتم فعله من طرفنا كشباب يناصر قضايا العدالة، ونشر هذا التوجة بكافة اللغات. الكتابة تعرّي وتسقط الوجه الذي يتدثّر به هذا المغتصب. العالم يحتاج إلى المزيد من العمل لكي يعرف حقيقة هذه الدولة، وما تقوم به نحو المجتمع الفلسطيني.

ولا غرابة في أن تحتفي إسرائيل بكُتاب عرب وتضعهم على قائمة أصدقاء إسرائيل، بسبب كتاباتهم وتبرير ما تقوم به إسرائيل أيام قصف غزة وقتل الأطفال، وهي تعلم أن القوة هي قوة ما يُكتب عنها، فإن كان ما يكتب لصالحها فإن كاتبها بطل، وإن كان عكس ذلك فهو معادٍ لها.

لا شيء يمكن أن يكون صعباً ومؤثراً على صورة إسرائيل، مثل أن يكون هناك كاتب أو باحث أو فنان يساهم في إسقاط الصورة التي ترسمها إسرائيل عن نفسها. لا شيء تخشاه أكثر من أن يقال إن الكيان المغتصب إلى زوال، وإنه لا قيمة حقيقية تثبت أي حق له في الوجود على أرض، تم قتل أهلها وتدمير كافة ما له علاقة بأحقية الفلسطينيين في أرضهم دون سواهم. وهذا ما يُستطاع، وبمقدور الشاب العربي أن يقوم به، بقلمه وجهده المعرفي، الذي هو أقوى من رصاصة الإسرائيلي المحتل.


*السعودية

المساهمون