هل يتعلم العرب من الكوريتين؟

30 ابريل 2018
+ الخط -
فوجئ العالم، صباح يوم الجمعة الماضي (27/ 4/ 2018) بمشهد تاريخيٍّ، لا يقل في تأثيره وتاريخيته عن مشهد تحطيم جدار برلين قبل أكثر من ربع قرن، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وذلك عندما عبر رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الخط الفاصل مع جارته كوريا الجنوبية وصافح رئيسها، مون جاي إن، وعبر به إلى الجانب الآخر من الحد الفاصل بين البلدين، ليكونا بذلك أول من يعبران الحدود بين البلدين للمرة الأولى منذ حوالي 65 عاماً. ليس هذا فقط، فقد اتفق الزعيمان الكوريان على إنهاء الحرب التي اندلعت بينهما أوائل الخمسينيات، وراح ضحيتها أكثر من مليوني شخص من البلدين، فضلاً عن عشرات النزاعات والتجارب الصاروخية النووية وغير النووية التي شهدتها شبه الجزيرة الكورية أكثر من نصف قرن.
ومن شأن لقاء الزعيمين الكوريين أيضا تمهيد الأجواء لإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية التي مثلت كابوساً ليس فقط لهما، ولكن للعالم كله، طوال العقود الماضية. أما أكثر العبارات تأثيراً في هذا الحدث التاريخي، فقد جاءت على لسان كيم جونغ أون الذي قال، في كلمته في أثناء اللقاء مع نظيره الكوري الجنوبي، إن "الشعب الكوري واحد، ومن دم واحد، ولن يفرّقه شيء". وكان الرجل قد سبق لقاءه بالإعلان عن تجميد التجارب النووية لبلاده في شبه الجزيرة الكورية، في مؤشر على صدق نياته تجاه تحقيق السلام في المنطقة. ومن المتوقع أن يتم توقيع معاهدة سلام بين الدولتين الجارتين خلال العام الجاري، وهو ما قد يفتح الطريق أمام الوحدة بينهما، وهو أمر كان يصعب تخيله قبل أيام قليلة، خصوصا في ظل الخطابات العدائية بين البلدين طوال العقود الماضية.
دروس عديدة يمكن للعرب، خصوصا دول الخليج، الاستفادة منها، عطفاً على القمة التاريخية بين الكوريتين، لعل أولها أن الصراعات، مهما طالت، ومهما كان ضحاياها، لا بد لها من نهاية. وأن من الأفضل للبلدان العربية المتناحرة والمتصارعة أن تقتنع بأن التعايش بينها ضرورة حتمية، تفرضها الجغرافيا والتاريخ وروابط اللغة والدم والثقافة. وأن التعايش لا بد أن يتم من دون محاولة أي طرفٍ فرض هيمنته وكلمته على الطرف الآخر.
الدرس الثاني أن الحوار هو الطريق الوحيدة لحل أية خلافاتٍ، أو نزاعاتٍ، بين البلدان العربية. فبدونه سيظل الخصام موجوداً، بل سيشتعل ويزداد تعقيداً، وأنه مهما طال الزمن لا بد من الجلوس على طاولة مفاوضات بين الفرقاء.
والدرس الثالث أن من يدفع ثمن الصراع والخلاف هو الشعوب التي ليس لها ناقة ولا جمل في خيارات السياسيين وقراراتهم، وأنه من المهم أن يتم النظر إلى هذا الاعتبار، قبل أن يتم تصعيد الخلافات. ففي الأزمة الخليجية الراهنة، جرى، ولا يزال يجري، اللعب على وتر العلاقات التاريخية والروابط الاجتماعية بين مكونات الدول الخليجية بشكل يهدّد تماسكها ووحدتها. ومنذ بدء هذه الأزمة، وأنا أسمع حكايات كثيرة محزنة بشأن الانقسامات العائلية والقبائلية والاجتماعية التي تجاوزت الخلافات السياسية، وباتت تمثل تهديداً للنسيج الاجتماعي في الخليج، والذي تكوّن وانصهر عبر قرون. وأكاد أجزم بأن شعوبا ومجتمعات خليجية كثيرة متلهفة لعودة العلاقات بين دول الحصار وقطر إلى سابق عهدها، وأن تتواصل العائلات والقبائل مرة أخرى. لذا يرحب القطريون دوماً بأي مبادراتٍ للحوار يمكنها حل الأزمة، ليس فقط انطلاقاً من أن أي خلاف سياسي لا بد وأن يُدار بالتفاوض والحوار، وإنما أيضا لما للأزمة من تداعياتٍ سلبيةٍ على عائلات وقبائل كثيرة في جميع دول الحصار.
الدرس الرابع أن تحسين العلاقات لا بد وأن يسبقه إعلان حسن نيات من جميع الأطراف المتنازعة والمتصارعة، وأن يتم اتخاذ خطواتٍ مبدئيةٍ، ليس أقلها وقف خطابات الكراهية والعداء والتحريض التي تزيد العلاقات توترا وتعقيداً، وتؤخر فرص التوصل إلى حلول سريعة.
الدرس الخامس أن تقديم تنازلات سياسية ليس عيباً، طالما ستحقق مصلحة أكبر للشعوب. فمن كان يتخيّل أن توقف كوريا الشمالية تجاربها الصاروخية والنووية في شبه الجزيرة الكورية؟ ومن كان يعتقد أن يقوم كيم جونغ أون بالزيارة التاريخية لكوريا الجنوبية؟ قطعاً لا يزال المشوار طويلاً بين الكوريتين، وأن تحقيق السلام الحقيقي ربما يأخذ وقتاً طويلاً، لكنه على الأقل قد بدأ، وبخطوات عملية، لم تكن متوقعة قبل أيام قليلة.
هل يتعلم القادة العرب من تجربة زعيمي الكوريتين، ويفتحون صفحة جديدةً، ليس فقط فيما بينهم، وإنما أيضا فيما يخص العلاقة بينهم وبين شعوبهم ومجتمعاتهم؟
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".