تؤكد مصادر حزبية تونسية متقاطعة، لـ"العربي الجديد"، عدم رغبة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في الترشح للانتخابات المقبلة، مرجحة أن يعلن عن ذلك قريباً، ليتبيّن المشهد بوضوح أمام الناخب التونسي، قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 10 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. واستطاع السبسي أن يحتفظ بكامل التشويق بخصوص ترشحه من عدمه طيلة الفترة الماضية، وأبقى الغموض حول هذا الموضوع بإشاراته المتكررة إلى أنه سيفصل في ذلك قريباً بعد تقييمه للأوضاع في تونس.
وكان السبسي أكد، في تصريح إذاعي، أن إعلان ترشحه إلى الاستحقاق الرئاسي من عدمه سيكون في الوقت المناسب. وأشار، على هامش مشاركته في القمة الأفريقية في إثيوبيا أخيراً، إلى أن الدستور يسمح له بالتقدم لفترة رئاسية ثانية، وأنه من المبكر الحديث عن تقديم الترشيح الآن. وفي وقت سابق، قال السبسي، في حوار صحافي، "لست من المؤيّدين لفكرة رئيس مدى الحياة. أنا ضد هذا التوجّه. ليس طموحي أن أبقى رئيساً مدى الحياة". وأضاف أن "هناك دعوة للترشح، خصوصاً من (حزب) النداء الذي كوّنته، لكن ابتعدت عنه منذ تولي منصب رئاسة الجمهورية. زارني أعضاء من النداء وقلت لهم لن أستجيب للنداء الحالي. ستنظمون مؤتمراً جديداً، وعندما تأتون بوجوه جديدة تقوي النداء، عندها سأرى". وتابع "ليس هناك إنسان صالح لكل زمان ومكان، قمت بواجبي، لكن ذلك لا يعني أن من الضروري أن أرشح نفسي للانتخابات، على الرغم من أن الدستور يمكّنني من ولاية ثانية، وأنا لدي حرية التصرف".
وأشارت المصادر الحزبية إلى أن السبسي لم يكن ينوي الترشح مرة أخرى أصلاً، وأن سبب تردده بهذا الخصوص جاء إثر انفراط عقد التوافق مع حركة النهضة، إذ كان يُفترض أن يصل الطرفان إلى الاتفاق على مرشح توافقي لو استمرت التجربة، مع أن هناك إمكانية كبيرة لعودتها الآن، ولو جزئياً، حول بعض الملفات، خصوصا مع عودة الحوار بين زعيم "النهضة" راشد الغنوشي وشخصيات مختلفة من عائلة السبسي. لكن السبسي "مصرّ على أن يكون هناك مرشح يطمئن معه على مستقبل الانتقال الديمقراطي في البلاد" بحسب تعبير مصدر، لـ"العربي الجديد"، و"يريد أن يقطع الطريق على الطامعين الجدد"، بحسب قوله، وهو ما يجعله يحتفظ بقراره إلى آخر لحظة ممكنة بعد دراسة كل الفرضيات.
ويعتبر كثيرون أن السبسي كان يفضّل أن يتم الانتقال بعده إلى شخصية قريبة منه يتم التوافق حولها، مع توفير قاعدة حزبية مريحة تُمكنها من كسب الانتخابات، لكن كل الحسابات اختلطت بعد أن خرج رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن طوعه، وابتعدت عنه حركة النهضة وتراجع حزبه نداء تونس بشكل كارثي، ما جرده من كل دعم يضمن نجاحه في الانتخابات. ويتساءل مراقبون عن هذه الشخصية التي يمكنها أن تجمع كل هذه المواصفات، شخصية توافقية محايدة يطمئن لها أغلب الطيف السياسي وتتوفر فيها شروط الكفاءة والنزاهة وعدم وجود مطامع شخصية، أو تبحث عن مستقبل سياسي خاص. وتبرز شخصية وزير الدفاع الحالي عبد الكريم الزبيدي على أكثر من لسان، ومن جهات حزبية مختلفة، تعتبر أنه قد يكون اختياراً مثالياً في هذه الحالة بحُكم الثقة التي تحتلها المؤسسة العسكرية لدى التونسيين من ناحية والتي يحظى بها الرجل نفسه من ناحية أخرى. والزبيدي طبيب مدني تقلد حقائب مختلفة، ولا ينتمي إلى أي حزب على الساحة التونسية، ويحظى باحترام دولي واسع، لكن الإشكالية تتعلق بالزبيدي نفسه، الذي عُرف عنه عدم رغبته في تقلد مناصب متقدمة وتفاديه لأجواء المشاحنات السياسية. لكن قربه من السبسي ومن حركة النهضة يجعل منه شخصية قادرة على المرور إلى الدور الثاني من الانتخابات، ومنافسة قائمة طويلة من المرشحين، يمتلك عدد منها حظوظاً جيدة.