كان لافتاً الحشد العسكري غير المسبوق للجيش المصري، والذي تمثل بمئات الآليات التي وصلت إلى مدن محافظة شمال سيناء خلال الأيام الماضية، من دون تحديد سبب واضح لها، أو إعلان رسمي من قبل الجيش، لتبقى في إطار المهلة التي أعطاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للجيش لإنهاء الإرهاب، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.
ونظراً لأن السيسي لا يجد إنجازات حقيقية في أي ملف، وتحديداً الملف الأمني، والذي تتصدره معضلة سيناء التي تتواصل فيها المعارك والهجمات منذ أكثر من أربعة أعوام على التوالي، فإنه قد يتجه لإحراز إنجاز أمني يتمثل في إنهاء الإرهاب في مدينة رفح على الأقل، وإن كان ذلك على حساب مسحها عن الخريطة المصرية، وهذا ما يتم فعلياً، وفي غضون أسابيع قليلة ستصبح رفح من الماضي، ولا وجود لها.
ميدانياً، تبدت ملامح مرحلة جديدة من المواجهات، إذ وقع صباح أمس الثلاثاء، اشتباك عنيف بين قوات الجيش المصري ومجموعة من المسلحين يعتقد أنها تنتمي لتنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم "داعش" في مدينة رفح بمحافظة شمال سيناء، شرقي البلاد.
وقالت مصادر قبلية وشهود عيان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الاشتباك وقع في منطقة ينوي الجيش هدمها ضمن المنطقة العازلة التي وصلت إلى مراحلها الأخيرة في أحياء الصفا وابني بيتك والماسورة. وأوضحت المصادر نفسها أن الاشتباك وقع بعد أن أطلق مسلحون قذيفتي "آر بي جي" تجاه جرافات الجيش التي شرعت في تدمير منازل المواطنين منذ ساعات الصباح الأولى، فيما تبع ذلك إطلاق نار عنيف.
يشار إلى أن قوات الجيش شرعت منذ شهرين في تنفيذ المرحلتين الثالثة والرابعة من المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة، والتي من شأنها أن تقضي على مدينة رفح بالكامل، ويشمل ذلك هدم آلاف المنازل والمزارع.
كما تكررت هجمات تنظيم "ولاية سيناء" على قوات الجيش المصري المكلفة بإنشاء المنطقة العازلة في مدينة رفح منذ شهرين، بعد أن وصلت إلى مراحلها الأخيرة.
ووفقاً لمصادر قبلية مطلعة، تحدثت مع "العربي الجديد"، فإن الجيش المصري دفع بمئات الآليات العسكرية إلى محافظة شمال سيناء، وخصوصاً مدينتي رفح والشيخ زويد، مضيفةً أن الجيش نقل مئات المجندين والآليات العسكرية والجرافات إلى معسكر الزهور في مدينة الشيخ زويد ومعسكر الساحة في رفح. وبينت أن من ضمن الآليات التي تم نقلها عبر شاحنات على الطريق الدولي دبابات ومدرعات وجرافات عسكرية، وكاسحات ألغام، ومعدات دعم لوجستي. كما لوحظ أن من ضمن القوات التي وصلت إلى المدينتين فرقاً من القوات الخاصة التابعة للجيش والعمليات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية المصرية.
وتوقعت المصادر أن يكون الجيش يحضّر لحملة عسكرية ضخمة في مناطق وجود تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم "داعش" الإرهابي، خصوصاً مع اقتراب انتهاء المهلة البالغة ثلاثة أشهر والتي أعطاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لرئيس أركان الجيش المصري محمد فريد حجازي قبل شهرين ونيف لإنهاء "الإرهاب" في سيناء باستخدام القوة الغاشمة، وفق قول السيسي. يشار إلى أن حملات الجيش الأمنية على مدار السنوات الأربع فشلت في اقتلاع التنظيم من مناطق وجوده في قرى جنوب مدينتي رفح والشيخ زويد، إلى أن تمدد إلى مناطق جنوب مدينة العريش، وبئر العبد في الأشهر القليلة الماضية، ونفذ عشرات العمليات في تلك المناطق، وأوقع خسائر بالجملة في صفوف قوات الجيش والشرطة.
وأوضح أن السيسي قد يزور مدينة رفح بعد إنهاء المنطقة العازلة التي وصلت إلى مراحلها الأخيرة للخروج بمشهد المنتصر في المعركة مع الإرهاب، مع أنها تعتبر صورة مزورة لا تظهر الواقع والحقيقة التي يعرفها المتابعون لشؤون سيناء ويؤكدها الواقع الميداني. وأشار إلى أن تدمير المدينة بشكل كامل، سينهي الوجود الميداني لتنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش، الذي بدوره سينقل نشاطه إلى مناطق الشيخ زويد والعريش وبئر العبد في المرحلة المقبلة.
وبيّن الخبير نفسه أن المهلة التي أعطاها السيسي لرئيس الأركان في أعقاب مجزرة الروضة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، والتي منح الجيش بموجبها الحق في استخدام "القوة الغاشمة" لإنهاء الإرهاب في سيناء، لم تكن اعتباطية، بل تمهيداً إلى هذه اللحظة التي ينهي فيها وجود رفح، ويضغط على المقاومة الفلسطينية في غزة من خلال إغلاق طرق التهريب، وبذلك يكسب رضا إسرائيل التي تشاركه المهمة، وتسمح له بإدخال التعزيزات العسكرية، كما أنها تمثل له إنجازاً في برنامجه الانتخابي لفترة رئاسية جيدة، إضافةً إلى أنه يعيد الثقة للمؤسسة العسكرية بأنها حققت إنجازاً ملموساً بغض النظر عن مدى الخسائر البشرية والمادية والاستراتيجية التي لحقت بتلك المنطقة.