هل هذا انتصار؟

29 سبتمبر 2017
+ الخط -
للمرة السابعة، يحتفل النظام الأسدي بانتصاره على شعب"ه"، على الرغم من أنه كان قد شطبه من دفتر الوطن، وسحب جنسيته وأعطاها لمن يدافعون عنه من مرتزقةٍ أغراب، استجلبهم من كل حدب وصوب، لقتل مواطنيه الذين أقسم رئيسه على حمايتهم.
يحتفل النظام بانتصار لا يد له فيه، قاتلت من دون أن تحرزه حثالاتٌ تشبه شبيحته وجيشه، قدمت لإنقاذ من صار منسقها، غاصب الدولة والمجتمع بشار الأسد، الذي أوهم نفسه سبع مرات أنه انتصر، لاعتقاده أن الثورة ترتبط بالجغرافيا، وليست بإيمان المواطن السوري بحقه في أن يكون حراً كإنسان ينعم بالعدالة والمساواة. توهم الأسد أن احتلاله قرية هنا وبلدة هناك يأكل شرعية الثورة، وحق السوريين في الحرية والخروج على ظلمه، ويبطل مطالبتهم المشروعة بأوضاع طبيعية، يشاركون في صنعها. ونسي أن نظماً كثيرة هزمتها ثوراتٌ لم تحتل شبراً واحداً من وطنها.
بعد أن فقد النظام شرعيته، بسبب فشله المزمن في تحقيق أي من الوعود التي سوّغ انقلاباته وصراعات أجنحته، وإخراج الشعب من السياسة بواسطتها، وفقد معها قبول السوريين الطوعي به، وسيادته على شعب سورية ومجتمعها، لم يجد وسيلة تبقيه في الحكم غير وضع نفسه تحت تصرّف مرتزقة سيدهم على مناطق من جغرافيا كانت له بكاملها إلى ما قبل سنوات، بعد أن اعتبرهم شعباً بديلاً لشعبها الأصلي الذي نزع جنسيته، ومنحها لهم، لأنهم في نظره "مجتمع متجانس"، "مجتمع الطبقة الواحدة" الذي كان أبوه يتغنى به وينشده ويكرّس حياته لإقامته، في بحثه القلق عن شعبٍ بديل، يحصّن به نظامه ضد ثورةٍ يقوم بها شعب سورية، رآها آتيةً لا محالة، خطط لتحويلها إلى اقتتال بين المواطنين، أداته السلطوية "مجتمع الطائفة الواحدة" الذي ضم، منذ ذلك التاريخ، كل عدو للحرية داخل وطنهم وخارجه، وهل هناك من هو أشد عداوة لشعبٍ، يطالب بالحرية والمساواة من مرتزقة طائفيين، استجلبوا من أكثر مناطق العالم الإسلامي، جهلاً وتأخراً، ومن شبيحته المحليين الذين صهرتهم جرائمهم في ما سماه زعيمهم بشار "المجتمع المتجانس"، "مجتمع الطائفة الواحدة" العابرة للجنسيات، بما تضمّه من قتلةٍ أرسلت أغلبيتهم الساحقة إلى سورية من بلدانٍ يقتلها الاستبداد والجوع، سلحتهم ودربتهم ومولتهم "الجمهورية الإسلامية".
بعد أربعين عاما من إفساد الشعب السوري وقمعه قبل الثورة، ومن حربٍ دولية منظمة عرّضته لأشنع أنواع القتل والتجويع والاعتقال والتعذيب والقصف والتدمير بعدها، أعلنت الأسدية إلغاء وجوده، وها هو شبيحٌ برتبة عميد في مليشيا الحرس الجمهوري الطائفية الصرف "ينصح"، بعد أن استعرض عشرات الجثث المرمية أرضاً، وجثثا معلقة فقدت نصفها الأسفل، عشرة ملايين سورية وسوري بعدم العودة إلى سورية، لأنها لم تعد وطنهم، تاركاً صور الجثث المقطعة تعلمهم بمصير من سيعود منهم.
ألغى الأسد الشعب، فألغى شبيحته وطن هذا الشعب. وكان قد أخبر صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، قبل الثورة بأسبوعين، إن نظامه حصين، بفضل التطابق التام بينه وبين الشعب، واتفاق سياساته مع ما يريده السوريون. واليوم، يقف هو نفسه ليعلن، في حمأة انتصاراته، استبداله بشعب آخر، استجلبه لإبادته، ولو كان منتصراً حقاً لكانت أعادته إلى وطنه أول أفعاله، ليس فقط لأنه لا يتوقف عن الادعاء بأنه موالٍ له، وإنما كذلك لأن جنسية شعبٍ هي حقه الطبيعي وليست منحةً منه يستطيع إلغاءها، هذا إذا تذكّر أيضاً أن مصدر سلطته هو الشعب الذي ليس مصدره هو أو غيره.
لماذا يخاف شبيح الحرس عودة السوريين؟. ثمة تفسير تؤكده الوقائع، وهو أن نظامه يخشى أن لا يكون العائدون مهزومين، وأن يواصلوا ما بدأوه من ثورة، وهم الذين صمدوا نيفاً وسبعة أعوام في وجه آلة الحرب الإيرانية / الروسية، وهشّموا نظامه، وأوصلوه مرتين إلى حافة السقوط، بشهادة حسن نصر الله وبوتين، ولن ينقذه، في النهاية، أحد من رغبتهم في الحرية وتمسكهم بتحقيقها، طال الزمن أو قصر.
بإعلانه وكلام شبيح "الحرس الجمهوري"، يكشف الأسد الحقيقة، وهي أن سلطته ستبقى مهدّدة، ما لم يتخلص من شعب "ه" الذي لم يعد لديه أي خيار آخر سوى استعادة وطنه، بالقضاء عليه وعلى شعب المرتزقة الذي يحتمي به.. وفي النهاية: يمكن للأسد اصطناع شعبٍ من العبيد، لكنه لن ينجح إطلاقاً في تركيع شعب من الأحرار!.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.