هل ننبش قبر الطاغية أم نبتعد عن شبحه؟

25 يوليو 2018
+ الخط -
ـ بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسباني الجديد بيدرو سانشيز عن مشروعه لإخراج جثمان الديكتاتور الأسباني الجنرال فرانكو من الضريح الفاخر الذي كان الديكتاتور قد بناه لنفسه قبل وفاته عام 1975 واختار لموقعه إحدى التلال خارج العاصمة الاسبانية مدريد، كتب الكاتب روبين آمون في صحيفة الباييس الإسبانية مقالاً قرأت مقتطفات منه في مجلة (ذي ويك) الأميركية الأسبوع الماضي، تساءل فيها الكاتب عن جدوى نبش قبر فرانكو الآن، برغم تفهمه لترحيب العديد من الإسبانيين بالقرار الذي اتخذه رئيس الوزراء الاشتراكي، لأنهم يرفضون أن يتواصل تكريم طاغية تسبب في العديد من المذابح والجرائم، بينما يرقد ضحاياه في مقابر جماعية، وهو وضع لا يجب أن تتسامح معه دولة ديمقراطية، ومع ذلك يرى الكاتب أنه ربما كان من الأفضل الإبقاء على فرانكو حيث يرقد، خصوصاً في ظل حالة الاضطراب السياسي التي تعيشها إسبانيا، والتي تهددها بالانزلاق نحو حالة من الفوضى التي تعيد إلى الأذهان ذكريات الحرب الأهلية الإسبانية، مشيراً إلى قيام الكثير من الكاتالونيين بوصف الحملات الشرسة التي تشنها عليهم الحكومة المركزية بأنها تذكر بسياسات الطاغية فرانكو، وهو ما قد يجعل الوقت غير مناسب لإحياء شبح فرانكو في رأي الكاتب، الذي طالب الجميع بإطالة النظر إلى النصب التذكاري الذي يرقد فيه فرانكو، ليدركوا أنه في النهاية ليس سوى صرح كاثوليكي مبتذل، على الراغبين في الوصول إليه، المرور عبر نفق مزخرف بتماثيل بغيضة، كأنها خارجة من فيلم رعب رخيص، وهو ما يجعله مكاناً مناسباً لتذكر شخص بانحطاط وتفاهة فرانكو.

لا أدعي أنني خبير في الشأن الإسباني، ولا أعرف الكثير عن الكاتب وتوجهاته السياسية، لكن ما أثار اهتمامي بالمقال ما كنت قد كتبته مؤخراً عن تفاصيل الأيام الأخيرة لفرانكو وما فعله بالإسبانيين المنتظرين لموته، وكيف تدرج تعامل الإسبانيين مع ذكراه بعد رحيله، فبعد أن كان الاقتراب من ذكراه بالسوء مجرماً بقوانين وتعليمات حكومية، تدرج التعامل معه عبر السنين، من فتح متدرج القوة لملفات حكمه المخزية، إلى تكريم لضحاياه الذين تم ظلمهم عبر السنين، ثم تحويل المنطقة المحيطة بضريحه إلى مكان لتكريم ضحايا الحرب الأهلية الإسبانية، وصولاً إلى القرار الذي أعلن عنه رئيس الوزراء الجديد عقب توليه منصبه، في الوقت نفسه الذي لا يزال شبح فرانكو حاضراً في الساحة السياسية، ولا يزال يجد له أنصاراً ومؤيدين من أجيال مختلفة، وليس من الجيل الذي ارتبطت حياته به، وهو ما يجعل تساؤلات الكاتب مهمة في التفكير في طريقة التعامل مع الماضي وأشباحه التي تستمر في مطاردة الحاضر، لكن ما يجري في الوقت نفسه يذكر بعبثية التصورات التي يتخيلها الطغاة، حين يظنون أنهم قادرون على مصادرة الحاضر والمستقبل أيضاً، وهو ما يثبت خطله وهطله كل يوم في جميع أنحاء العالم، وسيثبت لدينا أيضاً بعد حين.


ـ ظاهرة الحنين إلى حكام الماضي وما يطلق عليه (الزمن الجميل) والتي نشهدها بكثافة في أوطاننا التعيسة، اتخذت شكلاً مختلفاً في روسيا الأسبوع الماضي، حين قام رأس الكنيسة الأرذثوكسية الروسية بقيادة مسيرة من 100 ألف "حاج" إلى ضريح الإمبراطور نيقولا الثاني وزوجته الإمبراطورة الكساندرا وأبنائهما الخمسة، في ذكرى مرور 100 عام على إعدامهم رمياً بالرصاص على يد الثوار البلاشفة، برغم أن القيصر الروسي كان قد تنازل عن العرش بعد قيام ثورة 1917، لينتهي بذلك حكم عائلة رومانوف الإمبراطورية لروسيا، ومع ذلك تم وضع القيصر المخلوع وعائلته تحت الإقامة الجبرية قبل أن يتم نقلهم إلى المنفى بعد ذلك، وبرغم وضعهم طيلة الوقت تحت الحراسة المشددة، إلا أن النظام الجديد رأى ضرورة نسف الحمام القديم إلى الأبد، ليستتب له الأمر دون أي هواجس، فتم إعدام القيصر وزوجته وأطفالهما رمياً بالرصاص في ربيع 1918، ليتم دفنهم بعد ذلك في مقابر مجهولة، وهو ما تسبب في جدل حين تم استخراج بقايا جثامينهم في عام 1991 بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، حيث تساءل الكثيرون حول ما إذا كانت البقايا المستخرجة تعود إليهم أم إلى ضحايا آخرين من ضحايا الفترة البلشفية، ليتم حسم الجدل بعد عامين، حين قام الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا بإمداد السلطات المختصة بعينة "دي إن إي" تخصه، لمقارنة البقايا المستخرجة ببصمته الوراثية كحفيد لشقيقة الامبراطورة الكساندرا، ليتم بفضل ذلك تأكيد هوية البقايا البشرية المستخرجة التي ثبت أنها تعود إلى أفراد عائلة رومانوف الإمبراطورية، لتتطور الأمور بعد ذلك حين قامت الكنيسة الأرذثوكسية في عام 2000 بإعلان قتلى أسرة رومانوف السبعة من القديسين، لتحملهم معاناة الموت على أيدي أعداء المسيحية، وكان قد تم قبل ذلك منحهم بعقدين صفة الشهداء من خلال الكنيسة الأرذثوكسية الروسية التي كان مقرها الأنشط يقع آنذاك في نيويورك، ولذلك كله وصفت العديد من الصحف المشاركين في مسيرة تكريم أسرة رومانوف عقب قرن على إعدامهم بالحجاج، وليس بالمتظاهرين، لتشكل المظاهرة فصلاً جديداً من فصول الصراع على الماضي التي يتنافس فيها بضراوة الذين يشعرون بالحنين إلى العهد البلشفي السعيد، مع الذين يشعرون بالحنين إلى العهد القيصري الزاهي، في الوقت الذي يواصل فيه فلاديمير بوتين تقديم خلطة سياسية شعبوية تعمل فيها كل أنواع الحنين في تغذية أوهام الحلم الإمبراطوري الروسي التي لم تغادر المخيلة الروسية الشعبية برغم كل الزلازل السياسية التي تعرضت لها روسيا طيلة قرن من الزمان.

ـ على ذكر الدي إن إي واستخداماته، ثمة تطبيق عملي جديد لتقنية استخدام الـ (دي. إن إي) في كشف الجريمة، شهدته مدينة فورت واين بولاية إنديانا الأميركية قبل أيام، حين تم الإيقاع بمجرم قام باغتصاب وقتل طفلة عمرها ثماني سنوات قبل ثلاثين عاماً، ثم وجدت جثتها على بعد 20 ميل من منزلها، ولم يتم الإيقاع بمرتكب هذه الجريمة الشنعاء طيلة هذه السنين، برغم أن القاتل خلال العقدين التاليين واصل إثارة الذعر في محيط مسرح الجريمة، حين اعتاد على ترك واقيات ذكرية مستعملة على دراجات البنات، وترك رسائل على فترات متباعدة يهدد فيها بارتكاب جرائم قتل جديدة.

قام البوليس باستخدام عينة "دي إن إي" كان قد تركها القاتل في مسرح الجريمة، وقام باستخدامها في البحث عن أقارب القاتل عبر مواقع الأنساب التي انتشرت في الفترة الأخيرة، وبرغم أن هذه الاستراتيجية لا زالت تثير الجدل حول قانونيتها، برغم قيامها مؤخراً بحل لغز جريمة شهيرة في مدينة سان فرانسيسكو عرفت إعلامياً باسم "قاتل الولاية الذهبية"، كانت تصنف من أشهر القضايا التي تعذر حلها على مدى عقود، إلا أن وجود تهديدات متجددة بعودة القاتل إلى ارتكاب فعلته، ساعد البوليس على المضي قدماً في إجراءاته، ليوصله البحث إلى شخص يدعى جون ميللر عمره 59 سنة، تطابقت عينة الـ دي إن إي التي تركها القاتل مع عينة مماثلة للمتهم وجدت في متعلقات شخصية له تم أخذها من صندوق قمامته، وبعد القبض على جون ميللر اعترف بارتكابه جريمة اغتصاب وقتل الطفلة أبريل تينسلي ذات الثمانية أعوام، ليقوي القبض عليه من موقف المطالبين باستخدام تقنيات البصمة الوراثية لحل القضايا الغامضة التي أفلت فيها الجناة من العدالة، فيما لا زالت تلك التقنيات تجد معارضة ممن يعتبرون أن استخدام مواقع الأنساب دون استئذان المترددين عليها يعتبر انتهاكاً للخصوصية الذي يحميه الدستور الأمريكي، وأظن أن هذه القضية ستكون مثاراً لجدل قانوني واجتماعي ساخن خلال الفترة القادمة، قد يؤدي حسمه لصالح أحد الطرفين إلى مفاجآت مذهلة تخص قضايا وجرائم ظن البعض أن العدالة لن تنزل على مرتكبيها أبداً، وهو تطور سنستفيد منه في أوطاننا حين نهتم بإنفاذ عدالة الأرض على الجناة والقتلة، ولا نكتفي بتركهم لعدالة السماء.


ـ ستدعوك السطور التالية إلى عدم الحزن على حظك العثر، إذا لم تكن قادراً على تحمل تكلفة ارتياد حمامات السباحة في وهج وتلزيق هذا الصيف، أما إذا كنت قادراً على ذلك فستدعوك إلى أن تفكر ألف مرة قبل ارتيادها، وتستبدلها بالبحر لتشتري صحتك وراحة بالك، أو أن تفكر ألف مرة أنت ومن يهمك أمره قبل بلع أدنى كمية من مياه حمام السباحة، بعد أن نُشرت مع حلول هذا الصيف تحذيرات مشددة للمسافرين في الصيف من حمامات السباحة الموجودة في الفنادق، أصدرتها عدة مراكز أمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، مستندة إلى دراسات أكدت أن ما يقرب من ثلث الأمراض الوبائية التي وقعت ما بين عامي 2000 و2014 كان لها صلة بحمامات السباحة الموجودة في الفنادق والأماكن السياحية والمنشآت الترفيهية التي تستخدم المياه، وأن طفيلي "الكريبتوسبوريديوم" الذي يطلق عليه "الكريبتو" اختصاراً ـ وأرجو ألا أكون قد نقلت اسمه خطئاً ـ كان السبب وراء 58 في المائة من الأمراض الوبائية، طبقاً لما أثبتته دراسات موثقة، اكتشفت أن هذا الطفيلي الذي يلحق الضرر الجسيم بالجهاز الهضمي، يتسامح مع الكلور بدرجة عالية، ويمكن له أن يقاوم ويبقى حتى في حمامات وأحواض سباحة معتنى بها بشدة، وأن ابتلاع حفنة بسيطة من الماء الذي يوجد به طفيلي الكريبتو يمكن أن يجعل الأطفال والأصحاء مرضى لأسابيع بالإسهال الحاد وتقلصات المعدة والغثيان والقيء، وفي حين ذكرت مراكز مكافحة الأمراض عدداً آخر من البكتريات الموجودة في مياه حمامات السباحة والتي تتسبب في أمراض وبائية، إلا أنها قررت أن تكون عملية، فلا تدعو الناس لمقاطعة حمامات السباحة تماماً، لأن ذلك لن يكون له جدوى، فاكتفت بالتشديد على عدم إدخال أي مياه إلى الفم خلال السباحة مهما كان حجمها صغيراً، والتأكيد على أهمية الاستحمام قبل النزول إلى حمام السباحة وبعد الخروج منه، وتجنب ارتياد أي حمام سباحة حين تكون مصاباً بالإسهال، وهو تحذير سيثير في ذهنك صورة يجب أن تجعلك تفكر ألف مرة قبل النزول إلى حمام سباحة، ولن أذكرك هنا بما تعرفه من مهازل في هذا الصدد، بل سأتمنى لك التوفيق في محاولة إقناع أولادك بأي كلمة من تلك التحذيرات، كفانا الله وكفاك شر المرض.

ـ أرقام للتأمل:
ـ برغم كل ما تثيره وسائل إعلام ترامب من حملات كراهية وتحريض، يبلغ عدد الأسلحة التي يتم ترخيصها بشكل قانوني في المكسيك كل يوم 33 قطعة سلاح، في حين يقدر عدد الأسلحة التي يتم تهريبها من الولايات المتحدة إلى المكسيك كل يوم بحوالي 246 قطعة سلاح.

ـ على عكس ما قد يتصور الكثيرون، بلغت نسبة الطلبة الجامعيين في الولايات المتحدة الذين يكونون آراء سيئة عن المحافظين بعد عامهم الجامعي الأول 31% فقط، في حين بلغت نسبة الذين يكونون آراء أفضل عن المحافظين بعد عامهم الجامعي الأول 50%.

ـ في استطلاع أجري في كوريا الجنوبية مؤخراً، بلغت نسبة الذين يوافقون على الوحدة مع كوريا الشمالية ممن تخطوا سن الستين 71% في حين بلغت نسبة الذين يوافقون على توحيد الكوريتين ممن هم في العشرينات من عمرهم 39% فقط.

ـ من بين أكبر عشرين شركة في ألمانيا، لا توجد شركة واحدة تقع مقراتها الإدارية الرئيسية في المناطق التي كانت تشكل سابقاً ألمانيا الشرقية.

ـ خمسة وتسعين في المائة هي نسبة البالغين الأميركيين الذين يعلنون تأييدهم للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، أما نسبة المسجلين منهم للتبرع بأعضائهم بعد الوفاة فهي 54% وهي نسبة أكثر من المتوقع في ظني.

ـ تسعة في المائة هي تقريباً نسبة الحمير في العالم التي تتعرض للذبح سنوياً، للحصول على جيلاتين الإيجاو، الذي يعتقد أن له قدرات علاجية فعالة.

ـ انتصار جديد على مطاعم الوجبات السريعة المعفنة، كشف عنه موقع (ييلب) الذي تحسنت درجة تقييم مطاعم الوجبات السريعة المستقلة عليه بزيادة سبعة في المائة، في حين نقصت نسبة التقييم الإيجابي لسلاسل مطاعم الوجبات السريعة بنسبة ناقص 16.

ـ في عام 2017 رصدت الإحصائيات الدولية وجود أكثر من 150 ألف مهاجر عبروا طريقهم من أفريقيا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، أكثر من ألفين منهم غرقوا خلال الرحلة.

ـ تقول أحدث الإحصائيات أن قطاع غزة لديه معدل بطالة يصل إلى 43 في المائة.

ـ بعد انتشار موجة إطلاق النار الجماعي هذا العام، بلغت نسبة الزيادة في عدد ضباط البوليس والأمن الخاص في الكليات والجامعات الأمريكية حوالي 30 في المائة مقارنة بالأعوام السابقة.

ـ في حين تفتخر إدارة ديزني لاند بأنها تحتل المركز رقم واحد في قائمة أسعد المناطق على وجه الأرض، تبلغ نسبة موظفي ديزني لاند الذين يشعرون بالقلق لأنهم يمكن أن يتعرضوا للإخلاء من منازلهم 56 في المائة، وهي تفاصيل لن تشغلك بالتأكيد أبداً إذا كنت قادراً على الوصول إلى ديزني لاند لكي تكفل لأطفالك أكبر قدر ممكن من السعادة.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.