هل نحن أمام ربيع جديد؟

29 مايو 2017
+ الخط -
ستدفع وفاة بائع السمك محسن فكري، في أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2016، في مدينة الحسيمة في الشمال المغربي ساكنة تلك المناطق إلى الاحتجاج على الطريقة "المأوساوية" التي قضى بها فكري "مطحوناً" في شاحنة نفايات، بعد حجز سلطات المدينة مَعروضه من السمك وإتلافه. احتجاجٌ ذهبَ إلى حدّ المطالبة بتطبيق العدالة في حق جميع المتورطين والمسؤولين عن مصرع بائع السمك، وكان من أبرز ثماره إعفاء عامل (محافظ) إقليم الحسيمة من مهامّه، وفتح تحقيق قضائي معمّق في ملابسات الحادث وحيثياته.
سُرعان ما ستتسع رقعة الاحتجاج من مدينة الحسيمة إلى المراكز الحضرية والأوساط القروية المجاورة لها، لتصل إلى شكل احتجاجي ضخم وجد تجسيده في مسيرة 18 مايو/ أيار 2017، بعدد مشاركين فيها قُدّر بحوالي 50 ألف شخص؛ لكن هذه المرة ضخامة الاحتجاج وقوّته تناسَبتْ مع حجم وجرأة تهمة "الانفصال وخيانة الوطن وخدمة أجندة خارجية" التي وجّهها ائتلاف أحزاب الأغلبية في حكومة سعد الدين العثماني إلى المحتجين في الريف منذ سبعة أشهر. فما كان من نشطاء "حراك الريف" إلاّ أن ردّوا على التهمة بشكل راقٍ ضَرَبَ درسًا بليغاً في الاحتجاج السلمي الحضاري، دفعَ الحكومة إلى "تفهُّم" مطالب الساكنة والتراجع علناً عن "تخوين الحراك"، والطيران على وجه السرعة لزيارة الريف وعقد لقاءات ماراثونية مع الساكنة ومنتخَبي المنطقة، تمخّضتْ عنها وعود بـ"تسريع عجلة مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بإقليم الحسيمة"، فضلاً عن رصد ملايير الدراهم لإطلاق مشاريع تنموية جديدة.
في مشهد آخر في محافظة تطّاوين، في جنوب شرقي تونس، والتي تضمّ أكبر نسبة من الشباب التونسي العاطل عن العمل، تظاهر شباب المدينة، للمطالبة بنصيبهم العادل والمشروع من "كعكة التنمية" الاقتصادية والاجتماعية.
رفع حراك تطاوين في تونس سقف المطالب، ليجعلها سياسية متمثلة في المطالبة برحيل حكومة يوسف الشاهد، حيث دفعت الاحتجاجات الشعبية المسنودة بدعم أكبر النقابات والأحزاب التونسية رئيس الحكومة إلى زيارة محافظة تطاوين، في محاولة منه لتهدئة الأوضاع وفتح قنوات للحوار مع الساكنة، في ظل أنباء عن استقالة محافِظ تطاوين.
ولعل سائلا يتساءَل: ما أوجه الائتلاف والاختلاف بين المشهديْن أعلاه؟ وما هي نقاط الاتّصال والانفصال بين الحِراكيْن؟
ينطلق حراك الريف المغربي وحراك تطاوين التونسي من الدوافع والأسباب نفسها، وينشُدان الغايات نفسها، وإنْ اختلفتِ الوسائل وتعددت السُّبل، فالهدف من الحِراكيْن الشعبيَيْن واحدٌ لا يتعدد؛ وهو مطلب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، الذي لطالما شكّل مطلباً محورياً تأسّست عليه معظم التمظهرات الاحتجاجية الشعبية في مختلف دول العالم.
ليس تزامن الحراك الاجتماعي في الحسيمة المغربية كما تطاوين التونسية وليد المصادفة وحدها، بل هو نتيجة حتمية وطبيعية للسياسات الاجتماعية والاقتصادية التي اتُّبِعَتْ في البلدين ما بعد حراك سنة 2011. إذ يمكن اعتبار ما يجري حالياً من أشكال نضالية واحتجاجية "استكمالاً وتصحيحاً" لمسار الانتفاضات الأولى للربيع الديمقراطي، لأن الثورات الشعبية تأتي على شكل موجات، إذ عادة ما تعقُبُ الموجة الأولى من الثورة "ثورة مضادّة"، تمثّل خفوتاً وانحناءً لخط الموجة الثورية الأولى، لكن الأخير سرعان ما ينبعث من تحت رماده معلناً عن موجة ثورية جديدة، هي بمثابة استكمالٍ لبناء أو تصحيحٍ لمسار.
من هذا المنطلق، يمكن فهم ما يقع في الريف المغربي منذ سبعة أشهر، وما يدور في تطاوين التونسية منذ بضعة أسابيع.
إنّ أيّ محاولة لـ"تخوين" أو رمي الاحتجاجات الشعبية السلمية بتهمة "الانفصال والعمالة للخارج" لا تعدو أن تكون محاولة يائسة بائسة تسعى الدولة من خلال أجهزتها التسلطية التحكّمية إلى "امتصاص" حماس الجماهير، وتثبيط عزائمها، وتشتيت صفوفها. وهو ما ليس أمراً جديداً على أي احتجاج شعبي، ينشُد قيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
92F4FA87-A33B-424D-927A-7C5FF322CD27
92F4FA87-A33B-424D-927A-7C5FF322CD27
يوسف يعكوبي (المغرب)
يوسف يعكوبي (المغرب)