هل من خطةٍ مغربية؟

08 أكتوبر 2014

في صلاة استسقاء في الرباط (يناير/2014/Getty)

+ الخط -

حجَّ وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، أحمد التوفيق، الأسبوع الماضي، رفقة المسؤول عن المخابرات العسكرية، ياسين المنصوري، إلى الأمم المتحدة، لعرض تصور بلده لمحاربة الإرهاب الدولي والفكر السلفي الجهادي في نسخه المتعددة، فهل يملك المغرب وصفة خاصة لذلك، تصلح للعرض في نيويورك، وعلى أنظار الدول الكبرى؟

قبل الجواب، ثمة حقائق تحيط بالموضوع، أولها أن المغرب في المرتبة الثالثة، بعد السعودية وتونس، في عدد المقاتلين الوافدين العرب على "داعش"، أي أنه ثالث مصدر للجهاديين العابرين للحدود من بلاد بعيدة نسبياً عن صراعات الشرق وحروبه الطائفية والمذهبية. وقد كشف وزير الداخلية المغربي عن وجود ألفي مغربي في كتائب البغدادي، ولبعضهم مناصب مؤثرة في الدولة الإسلامية المزعومة. وثانيها أن المغرب عرف عدة أعمال إرهابية منذ 2003، وأخبار تفكيك خلايا الإرهاب الناشطة والنائمة لم تتوقف، والمحاكمات مستمرة، وهناك 200 قضية أمام المحاكم تخص عائدين من (خلافة البغدادي)، حسب وزير العدل والحريات. إذن، في المغرب بيئة تنتج التطرف والإرهاب وتستهلكه، وتصدّر الفائض منه، ووتيرة هذا الإنتاج في ازدياد.

وثالثاً، يقود وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية أديب صوفي، يحاول أن ينعش الروافد الروحية التقليدية لمجابهة النوازع الراديكالية الجديدة، لا يبدو أنها نجحت في تشكيل خطاب ديني، أو روحي، له قدرة على جذب الشباب، ولم تستطع الخلطة الدينية الرسمية أن تنتج فكراً أو أيديولوجيةً، أو حتى مسلكاً يقود إلى الوسطية والاعتدال في المغرب. وعلى الرغم من أن الدولة وضعت بين يدي الوزير إمكانات مالية وإعلامية كبيرة، فإنه يبدو كمن يحرث في الماء، فالشباب الغاضب والعاطل واليائس لا يستهلك خطب الجمعة في المساجد، ولا برامج إذاعة وقناة محمد السادس للقرآن الكريم، ولا منشورات وفتاوى المجالس العلمية التي يعين الملك رؤساءها. وكلما بسطت الدولة يدها على الحقل الديني الرسمي، اتجهت التنظيمات الدينية الراديكالية إلى إيجاد حقل ديني مضاد وبديل. وهنا، تُرسم حدود أخرى ويوضع قاموس آخر بالفكر المتطرف الذي يُدخل الأفراد في عزلة نفسية وفكرية، مستغلاً هشاشتهم، لتجنيدهم في مشاريع انتحارية، كان اسمها أمس القاعدة، واليوم داعش، وغداً ماركات أخرى.

خطاب الدولة الديني الذي يسوّق على أنه "تأهيل للحقل الديني وترشيد للتديّن، وضبط للفتوى، وربط للشعب بإمارة المؤمنين، وإبعاد للظاهرة الروحية عن التسييس"، هذا الخطاب، أو هذا المنتوج الدعائي، لا يصل إلى الفئات المستهدفة منه، أي الشباب، بل يروج وسط الفئات التي لا خطر منها أو عليها، أو غير المستهدفة منه إطلاقا (الشيوخ والكهول وسكان البوادي).

أما شباب المدن وشباب (النت) وأحزمة الفقر والبؤس، فيستهلكون خطاباتٍ دينية أخرى محلية ووافدة، وعلى الرغم من راديكاليتها وعنفها وتدميرها، فإنها تلقى رواجاً وقبولاً وترحيباً لدى الشباب السلفي الذي يتميز بأنه شبه أمي، وفقير وعاطل، ويشعر بالغبن وليس لديه ما يخسره، ليفكر في عواقب اختياراته ومآلاتها، وموصول بتكنولوجيا الاتصال الحديثة، من دون أن يملك أي مقومات حصانة أو وعي أو تأطير ديني أو سياسي، يمنعه من الانخراط في أي مشروع ذي شعارات دينية براقة، وإن كانت مدمرة للفرد والأمة.

هذه العناصر، وغيرها، تدفع إلى السؤال عن إمكانية وجود وصفة مغربية، أو عربية، لمحاربة التطرف الديني في بلادٍ تنهار فيها المدرسة العمومية، سنةً بعد أخرى. والسياسات الاجتماعية والأموال المرصودة لها، على قلتها، لا تصل إلى المستهدفين منها. بلاد مفتوحة على العالم من دون تلقيح ولا مناعة. إذن، من يجب أن يعرضوا وصفة المغرب لمحاربة التطرف والإرهاب هم وزراء التعليم والتشغيل والثقافة. هؤلاء هم جنرالات المعركة الحقيقيون ضد الإرهاب والتطرف والإقصاء. 

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.