هل ما يجري في تركيا صراع إسلامي – إسلامي؟

22 يوليو 2016

أتراك يرفعون دمية تمثل غولن في أنقرة (18يوليو/2016/Getty)

+ الخط -
تبدو تداعيات الانقلاب الفاشل في تركيا متجهةً نحو صراع بين الرئيس رجب طيب أردوغان والداعية فتح الله غولن، أو بين حزب العدالة التنمية الحاكم وحركة الخدمة بقيادة غولن، وربما بين الدولة، بما يعبر عنها تحالف أردوغان والجيش والاستخبارات، في مواجهة المجتمعات والحركات الاجتماعية المستقلة عن السلطة، أو في مواجهة ما تعتقده السلطة في تركيا اختراقاً للجيش والقضاء والأمن ومؤسسات الدولة.
وقد اتهم الرئيس أردوغان حركة الخدمة بمسؤوليتها عن محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة. وسواء كانت التهمة صحيحة أم خاطئة، فقد بدأت الحركة تتعرّض لتصفيةٍ شاملةٍ طاولت أنصارها ومؤيديها في الجيش والقضاء والأمن والتعليم، والحال أن الصراع بدأ يتصاعد بين أردوغان وغولن منذ سنوات بعد فترة طويلة من التحالف والعمل المشترك بينهما.
بدأت حركة الخدمة بقيادة فتح الله غولن، منذ الثمانينيات مع مجيء تورغوت أوزال إلى السلطة، تنشط في مجال الدعوة والتعليم والعمل الاجتماعي في تركيا، واستطاعت، في غضون ثلاثة عقود، أن تنشئ شبكة ممتدة وعملاقة من المدارس والمؤسسات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا، وفي أنحاء واسعة من العالم. فهي تدير أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة وجامعة، منتشرة في تركيا أساساً، وفي 160 دولة أخرى، كما تدير مؤسسات اقتصادية واجتماعية وإعلامية عديدة في تركيا، وفي عشرات الدول. وهي توصف اليوم بأنها تحولت إلى دولةٍ داخل الدولة، وأنها صارت تمتلك تأثيرا خطيرا في مؤسسات الدولة والمجتمع، على الرغم من الإجماع على أنها جماعة إسلامية معتدلة، تؤمن بالعلمانية والحوار بين الأديان، وتؤيد العلاقات التركية الإسرائيلية، وتقبل الاتجاهات والأفكار المخالفة.
غادر غولن تركيا في عام 1999 إلى الولايات المتحدة، بعدما اعتبره الجيش المهيمن على
السلطة معادياً للعلمانية، وما زال يقيم في الولايات المتحدة، على الرغم من أن جماعته عاودت نشاطها، بعد مجيء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، بل وبرئ غولن في عام 2009 من التهم التي وجهت له، ودعاه أردوغان إلى العودة إلى تركيا، ثم انهار هذا التحالف، وتعرّض غولن للاتهامات نفسها التي كان قد تعرض لها سابقاً، في أنه يخطط للهيمنة على مؤسسات الدولة واختراقها. وطالبت الحكومة التركية من الولايات المتحدة تسليمها غولن، باعتباره مطلوباً للعدالة. ومن جهته، نفى غولن علاقته بمحاولة الانقلاب الفاشلة، وقال إن أردوغان يوظّف الأحداث لترسيخ هيمنته على مؤسسات الدولة، والتخلص من معارضيه.
ربما يكون هذا الخلاف الذي يدور اليوم بين السياسي والاجتماعي مناسبةً لفهم (وتفسير) أزمة الديمقراطية في تركيا، وربما في أنحاء واسعة من العالم، عندما لا تحتمل الدولة الديمقراطية استقلال المجتمعات وتأثيرها، وعندما يمتدّ تأثير المجتمعات إلى مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والقضائية، والحال أنّ أزمة الديمقراطية في تركيا هي في تنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع، أو في المصالحة بينهما.
وحسب هاليل كارافالي (Halil Karavali)، في دراسته في مجلة "فورن أفيرز"، فإن الأزمة بدأت في العام 2011، عندما استبعد أردوغان معظم أنصار "الخدمة" من قوائم الحزب للانتخابات العامة التي جرت في ذلك العام. ولم يعد أردوغان، كما يؤكد كارافالي، قادراً على تقاسم النفوذ والسلطة مع أحد، بمن في ذلك رفيقه عبد الله غول (رئيس الجمهورية)، والليبراليون الذين أيدوه من قبل.
ربما ينجح أردوغان، في المدى القريب، في الانفراد بالسلطة والتأثير، وقد يلحق الضرر والأذى بالأفراد والتيارات والمؤسسات التي يُعتقد أنها تشاركه التأثير، لكنه سوف يخسر حتماً في المدى المتوسط، وسوف تعصف به مخاصمته الجميع... ثم تعود دورة الديمقراطية من جديد، لكن الأزمة سوف تظل، ما دامت العلاقة بين المجتمعات والدولة غير قادرةٍ على القبول بمجالاتها وحدودها؛ فالدولة تدخل في صراعٍ خاسر عندما تضيق بالإعلام ومنظمات المجتمع المدني والمساجد والعمل المجتمعي، والحركة المجتمعية تعمل ضد نفسها، عندما تمتد إلى الجيش والأمن والقضاء، مهما كانت النيات حسنة. وبغض النظر عن هدفها الإصلاحي، فالإصلاح الحقيقي هو في استقلال المجتمعات عن الدولة، وفي حماية المجتمعات والأفراد من الدولة، وتحديد دور الدولة وحدود تدخلها والمجالات التي لا يجوز أن يشاركها فيها أحد.
وأخيراً، يبدو أن الأمور تسير وفق قاعدة أن التحالفات تأتي وتذهب، لكنّ الاستبداد باقٍ، .. أو هكذا تبدو الأمور في تركيا والشرق الأوسط بطبيعة الحال.
428F6CFA-FD0F-45C4-8B50-FDE3875CD816
إبراهيم غرايبة

كاتب وباحث وصحفي وروائي أردني، من مؤلفاته "شارع الأردن" و"الخطاب الإسلامي والتحولات الحضارية"، وفي الرواية "السراب" و"الصوت"