هل ما زالت هناك ثورة؟

16 يونيو 2014
+ الخط -
يدرك أنصار الثورة السورية، جيداً، أن هذا السؤال يستفزّ المشاعر بشكل كبير، لما يحمله من وجوه الخيبة والهزيمة والإحباط. خصوصاً في ظل انكسارات ميدانية للثوار، وبعض من فساد النُخَب السياسية، التي يُدّعم فسادها جعل السؤال أقرب إلى الحقيقة من الفرضية. كما يعتبر هذا الاستفهام، من ناحية أخرى، تعبيراً واضحاً عمّا آلت إليه الأحوال في الساحة السورية، من تفاعلات وتقاطعات للقوى المتصارعة في طول البلاد وعرضها، وساهمت، إلى حد كبير، في إطالة عمر النظام السوري، وأتعبت معها الشعب، وأخّرت من انتصار الثورة وإسقاط الأسد.
لا حاجة للبكائيات على حال البلاد، التي أوصلها نظام الأسد إليه، مستمراً في إنكاره وجود ثورة شعبية، معتمداً على آلته الإعلامية، وعلى حلفائه في ترويج أن هذه الثورة هي إحدى أدوات مؤامرة كونية، ما انفكت تستهدف دوره الإقليمي المقاوم والممانع كما يدّعي. بالتالي، يتوجّب التبحّر في فهم مدى الأهمية التي يوليها النظام السوري للحرب النفسية، ويشنها على الشعب، لتكمل حرب المدمرات والصواريخ، من أجل أن يقنع الرأي العام بأن الثورة كلها تلاشت، ولم يبق في الساحة سوى نظام يواجه الإرهاب، ويتصدى لخراب سورية.
لكن واقع الحال يخبرنا بعكس ذلك كله تماماً، وإن بدا المشهد السوري مثقلاً بالتداخلات والتفاعلات، خصوصاً مع دخول تنظيم داعش على خط الصراع، وخدمته أجندة الأسد، إضافة إلى ميليشيات طائفية ومرتزقة أجانب، استخدمها الأسد لخلط أوراق الصراع في الساحة السورية، وحرف مسار الثورة، من العمل على إسقاطه المباشر، إلى انشغال الثوار بدحر هؤلاء المرتزقة، ناهيك عن عوامل الدعاية الدبلوماسية، والتي تضخها كل من إيران وروسيا في ضمير عالمي متخم بالجفاف.
في المقابل، يواجه هذا السؤال سؤال آخر أكثر دقة وشمولية وموضوعية، لما يرتكز عليه من حقائق ميدانية وسياسية واقتصادية، وحتى اجتماعية، لا على دعاية إعلامية فحسب: هل ما زال هناك نظام؟
وصل النظام السوري إلى تصدعات ضربت بنيته الداخلية والخارجية، والتي اجتهد على بنائها عقوداً، فإذا ما بدأنا بالحديث عنه سلطة مركزية حكمت الشعب بالنار والحديد، وعبر منظومة أمنية، تعتبر من حيث الوحشية الأشهر في العالم، نرى أن نفوذه، اليوم، بات يقتصر على حكم بعض الشوارع في المدن وخارجها، من خلال حواجز عسكرية يحاول بها تقطيع أوصال البلاد، إضافة إلى مساحات جغرافية كبيرة خرجت عن سيطرته. كما يحاول النظام على الدوام، عبر تمترسه داخل العاصمة دمشق، الإيحاء بأنه ما زال يمسك بزمام الأمور ومقاليد الحكم في سورية.
القوة العسكرية للأسد، والتي طالما كان خطاب النظام السوري يصفها بالعقائدية، ويعتبرها قوة تصدٍ للعدو الإسرائيلي، قامت الثورة السورية بتعريتها، وإثبات أنها كانت مُهيأة فقط لحماية نظام الحكم، والدفاع عنه، لا عن أمن البلاد. هذا ما دفع النظام للاعتماد على الميليشيات والمرتزقة الأجانب لإدارة الصراع العسكري مع الثوار، وسد العجز لدى قواته التي تكبدت خسائر كبيرة، ما جعل هذه الميليشيات تدير نفسها بنفسها، بعيداً عن أي قرار مركزي من النظام، وهو الذي رهن قراره السياسي والعسكري بيد الداعم الأساسي له، أي إيران.
من جهة أخرى، وبحسب آخر تقرير لمركز كارنيجي للأبحاث، يعاني النظام السوري نقصاً هائلاً في القوة البشرية المقاتلة، إضافة إلى أن مؤسساته العامة، وكثير من الخدمات المدنية، أصبحت مشلولة، فيما تؤكد تقاريرالأمم المتحدة أن معدل البطالة في سورية تجاوز 50% تقريباً، وأن نصف سكان سورية، البالغ عددهم 23 مليون نسمة، تحت خط الفقر، مع معاناة 4.4 ملايين سوري من الفقر المدقع، إضافة إلى تقلّص كبير في الإنتاج المحلي. فالقطاع الصناعي تلقى ضربات قاصمة، وانتقل عدد كبير من النخبة الصناعية السورية إلى دول أخرى.
أخيراً، وبعد كل هذه الاعتبارات الواردة، نجد أن النظام السوري أصبح مجرد ميليشيا وعائلة مافيوية، تعمل بالقدر المستطاع على إطالة عمر بقائها، وإن لحظة انهيارها مرهونة فقط بالوقت لا أكثر. لذلك، ليست الأفعال وحدها هي التي تشبه أصحابها، وإنما الأسئلة هي الأخرى تشبه سائليها، فقل لي ما تسأل أقل لك ما وضعك. 
0DEFC302-4E4E-42CA-AF58-BF181EC20FF2
0DEFC302-4E4E-42CA-AF58-BF181EC20FF2
أنمار السيد (سورية)
أنمار السيد (سورية)