27 سبتمبر 2018
هل ستحسم الحرب ضد داعش؟
تسربت قبل مدة قصيرة معلومات تقول إن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، اتخذ قراراً باستعادة الموصل والرقة، قبل رحيله من البيت الأبيض. وكان التحضير لمعركة الموصل قد امتد طويلاً بعد استعادة الفلوجة، والإشارة الى "قرب" استعادة الموصل. كذلك كانت هناك إشارات أميركية بتحضير القوى لاستعادة الرقة.
بدأت الآن عملية استعادة الموصل، وهي تتقدم بشكل سريع كما يبدو. كما أشار وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، وكذلك وزراء دفاع التحالف الدولي (وهنا فرنسا خصوصاً) إلى ضرورة ربط استعادة الموصل باستعادة الرقة. وبالتالي، يمكن تأكيد أن القرار الأميركي بات يتمثل في حسم "المعركة"، وإنهاء سيطرة داعش على كل المنطقة الممتدة من الموصل إلى الرقة. ولا شك في أن تركيا، عبر دعم "الجيش الحر"، تقوم بإنهاء سيطرة التنظيم على مناطق شمال شرق حلب، وعلى الحدود التركية السورية بين جرابلس وبلدة الراعي. ومن ثم يبقى مصير دير الزور غير واضح، إلا إذا تقدمت قوات سورية الجديدة التي دربتها أميركا في الأردن من التنف نحو البوكمال إلى دير الزور، على الرغم من أن هذه المناطق إلى تدمر هي "في عهدة" روسيا، وتخضع لنشاط طيرانها، مع وجود قوات للنظام فيها.
لكن، يمكن لمس أن التركيز الأميركي الآن هو على "داعش العراق"، حيث يبدو أنه بات ضرورياً إنهاء وجودها في مختلف مناطق العراق، وفرض سيطرة الدولة عليها. وربما تبقى "داعش سورية" إلى مرحلة تالية، أي إلى مرحلة "الرئيس الجديد"، وتحديد أسباب ذلك يفرض الإجابة على السؤال: هل حققت أميركا ما تريد في العراق، لكي "تنتهي مهمة داعش"؟ وبالتالي، هل "مهمتها" ما زالت قائمة في سورية، لكي يجري تأجيلها إلى رئيس جديد، ربما يكون أشد في "مواجهة" العنجهية الروسية؟
في العراق، على الرغم من استمرار دور الحشد الشعبي، الحشد الطائفي، الذي يمارس المجازر في المناطق التي تحرَّر من داعش، انطلاقاً من أن كل ساكنيها هم دواعش، فإن ما يبدو
واضحاً أنه بات لأميركا عدد كبير من القوات في العراق، ستبقى إلى أمد طويل، ربما كما كان مخططاً لذلك بعد احتلال العراق، حيث لا بد من وجود بين عشرة وخمسة عشر ألف جندي في القواعد الضخمة التي أشادتها. فهذا الوجود وحده هو الذي يضمن الهيمنة على القرار السياسي للدولة، واحتكار ثرواتها، ولا شك في أن تدخلها بذريعة داعش (كانت لعبة متعددة الأطراف، منها رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، وأميركا وبعض الدول الإقليمية) كان يهدف إلى ذلك بالضبط، فقد قرّرت العودة إلى السياسة التي كانت مرسومة منذ احتلال العراق، وأهملتها بعد الأزمة المالية التي حدثت سنة 2008، وخصوصاً بعد شعور الإدارة الأميركية أن الأزمة مزمنة، ولا حل لها. فأميركا منذ عقود سابقة باتت معنيةً بوضع يدها على النفط في الخليج العربي، واستطاعت ذلك منذ الحرب الأولى سنة 1991، حيث أوجدت قواعد عسكرية في تلك الدول. وكان تدخلها في العراق لإكمال هذه السيطرة، فالخليج العربي (ومنه العراق) "جزء من الأمن القومي الأميركي".
السؤال هنا هو: هل حققت أميركا ما يسمح لها بإعادة السيطرة على العراق، وبالتالي، تحجيم سيطرة إيران؟ لا يعني حسم الصراع ضد داعش إلا ذلك، فقد أتت من أجل ذلك بالضبط. وعلى الرغم من الميل الأميركي للتفاهم مع إيران، إلا أن هذا التفاهم يخضع لمصالح أميركية في العراق، وليس من الممكن لأميركا أن تقبل أن تهيمن على النفط دولة غيرها، خصوصاً أن هيمنة إيران تعني التحكُّم بجزء مهم من النفط العالمي، ويجعل قدرتها على المناورة كبيرة. لكن هذه النتيجة تفرض التطرّق لوضع الحشد الشعبي، الخاضع لقيادة إيرانية وسياسة إيرانية، ولتعصب طائفي مستمد من أيديولوجية طائفية ضيقة، عممتها السلطة في إيران. فهل تعني نهاية داعش ميلاً أميركياً لتحجيم الحشد الشعبي، وتقزيم دوره؟
ربما كان غياب التوافق الدولي، خصوصاً الأميركي الروسي، هو الذي جعل أميركا تميل الى
حسم الصراع في العراق، ولإبقائه مفتوحاً في سورية، فقد أربك التصميم الروسي على الحسم العسكري في سورية سياسة أميركا التي كانت تعمل على التوافق على حل سياسيٍّ، يبقي الهيمنة لروسيا بعد أن تكون قد استحوذت على العراق. لكن العنجهية الروسية، وتصعيدها الصراع إلى المدى الأعلى، واستخدام أسلحتها المتطورة، والتدمير الذي تحدثه صواريخها، والذي يقتل الأطفال والنساء والأطباء، جعل أميركا في وضع حرج، فهو يعني "ضعفها"، وهذا ما يتكرّر في ما يخص سياسة أوباما، ويطاول النقد الحزب الديمقراطي المشرف على انتخابات رئاسية حاسمة.
ولا شك في أن قرار أوباما حسم الحرب ضد داعش في العراق، في هذا الوقت بالذات، يرتبط بالانتخابات الأميركية، لأن هذا الحسم سوف يعزّز من حظوظ هيلاري كلينتون بالضرورة (على الرغم من أن الأمور تظهر بشكل واضح أنها محسومة)، ويُظهر أوباما رئيساً قوياً، وهو يغادر البيت الأبيض عكس ما قيل عنه. ولا شك كذلك في أن أميركا ستميل إلى حسم السيطرة على الرقة، قبل نهاية ولاية أوباما. لكن، كما يبدو ستبقى داعش لعبة أميركا في سورية في مواجهة العنجهية الروسية. ماذا يعني ذلك؟
اللعبة الممكنة لكبح العنجهية الروسية، التي لا تخصّ سورية فقط بل تخص منظور روسيا العالمي، التي تريد عبر وحشيتها في سورية أن تفرض سطوتها العالمية، وهذا ما يربك أميركا أكثر من تدمير سورية وقتل السوريين وتهجيرهم، وحتى سيطرة روسيا على سورية. اللعبة يمكن أن تكون الميل الأميركي بالتعاون مع تركيا، هذه المرة، للسيطرة على كل مناطق داعش في سورية، وبالتالي، السيطرة على الشمال والشرق السوريين. فعبر ذلك، يمكن كبح العنجهية الروسية، والتفاوض مع روسيا من موقع مختلف، يجعلها عاجزة عن الرد، لأن ذلك يعني الصدام مع أميركا.
ليس من الممكن أن تجري هذه اللعبة في نهاية عهد أوباما، لهذا ربما سيجري تصدير الدواعش من العراق إلى سورية، ومن ثم تعزيز الدور العسكري الأميركي في سورية. هذا ما يمكن أن يكون أولوية هيلاري، خصوصاً أن تميل إلى "دعم أكبر" للقوى التي تقاتل داعش، وحتى النظام.
تتمثل مشكلة أميركا في أن سورية هي لعبة روسيا للسيطرة على العالم، بعد أن باتت تفكر في تجاوز الثنائية القطبية لمصلحةٍ أحادية، هي زعيمتها. وهذا ربما هو ما يمكن أن يجعلها "تتشدّد" قليلاً في "مواجهة" روسيا في سورية بالتحديد، لكن الحل في سورية سياسي، وتحت الهيمنة الروسية، لا تغيير في ذلك. ما تريده أميركا من ذلك هو بالضبط "كبح عنجهية روسيا"، و"تعريفها حدودها". هل ينجح ذلك مع دولة "منفلتة الأعصاب"؟
في سورية يتمحور الصراع على العالم، هكذا بالضبط.
بدأت الآن عملية استعادة الموصل، وهي تتقدم بشكل سريع كما يبدو. كما أشار وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، وكذلك وزراء دفاع التحالف الدولي (وهنا فرنسا خصوصاً) إلى ضرورة ربط استعادة الموصل باستعادة الرقة. وبالتالي، يمكن تأكيد أن القرار الأميركي بات يتمثل في حسم "المعركة"، وإنهاء سيطرة داعش على كل المنطقة الممتدة من الموصل إلى الرقة. ولا شك في أن تركيا، عبر دعم "الجيش الحر"، تقوم بإنهاء سيطرة التنظيم على مناطق شمال شرق حلب، وعلى الحدود التركية السورية بين جرابلس وبلدة الراعي. ومن ثم يبقى مصير دير الزور غير واضح، إلا إذا تقدمت قوات سورية الجديدة التي دربتها أميركا في الأردن من التنف نحو البوكمال إلى دير الزور، على الرغم من أن هذه المناطق إلى تدمر هي "في عهدة" روسيا، وتخضع لنشاط طيرانها، مع وجود قوات للنظام فيها.
لكن، يمكن لمس أن التركيز الأميركي الآن هو على "داعش العراق"، حيث يبدو أنه بات ضرورياً إنهاء وجودها في مختلف مناطق العراق، وفرض سيطرة الدولة عليها. وربما تبقى "داعش سورية" إلى مرحلة تالية، أي إلى مرحلة "الرئيس الجديد"، وتحديد أسباب ذلك يفرض الإجابة على السؤال: هل حققت أميركا ما تريد في العراق، لكي "تنتهي مهمة داعش"؟ وبالتالي، هل "مهمتها" ما زالت قائمة في سورية، لكي يجري تأجيلها إلى رئيس جديد، ربما يكون أشد في "مواجهة" العنجهية الروسية؟
في العراق، على الرغم من استمرار دور الحشد الشعبي، الحشد الطائفي، الذي يمارس المجازر في المناطق التي تحرَّر من داعش، انطلاقاً من أن كل ساكنيها هم دواعش، فإن ما يبدو
السؤال هنا هو: هل حققت أميركا ما يسمح لها بإعادة السيطرة على العراق، وبالتالي، تحجيم سيطرة إيران؟ لا يعني حسم الصراع ضد داعش إلا ذلك، فقد أتت من أجل ذلك بالضبط. وعلى الرغم من الميل الأميركي للتفاهم مع إيران، إلا أن هذا التفاهم يخضع لمصالح أميركية في العراق، وليس من الممكن لأميركا أن تقبل أن تهيمن على النفط دولة غيرها، خصوصاً أن هيمنة إيران تعني التحكُّم بجزء مهم من النفط العالمي، ويجعل قدرتها على المناورة كبيرة. لكن هذه النتيجة تفرض التطرّق لوضع الحشد الشعبي، الخاضع لقيادة إيرانية وسياسة إيرانية، ولتعصب طائفي مستمد من أيديولوجية طائفية ضيقة، عممتها السلطة في إيران. فهل تعني نهاية داعش ميلاً أميركياً لتحجيم الحشد الشعبي، وتقزيم دوره؟
ربما كان غياب التوافق الدولي، خصوصاً الأميركي الروسي، هو الذي جعل أميركا تميل الى
ولا شك في أن قرار أوباما حسم الحرب ضد داعش في العراق، في هذا الوقت بالذات، يرتبط بالانتخابات الأميركية، لأن هذا الحسم سوف يعزّز من حظوظ هيلاري كلينتون بالضرورة (على الرغم من أن الأمور تظهر بشكل واضح أنها محسومة)، ويُظهر أوباما رئيساً قوياً، وهو يغادر البيت الأبيض عكس ما قيل عنه. ولا شك كذلك في أن أميركا ستميل إلى حسم السيطرة على الرقة، قبل نهاية ولاية أوباما. لكن، كما يبدو ستبقى داعش لعبة أميركا في سورية في مواجهة العنجهية الروسية. ماذا يعني ذلك؟
اللعبة الممكنة لكبح العنجهية الروسية، التي لا تخصّ سورية فقط بل تخص منظور روسيا العالمي، التي تريد عبر وحشيتها في سورية أن تفرض سطوتها العالمية، وهذا ما يربك أميركا أكثر من تدمير سورية وقتل السوريين وتهجيرهم، وحتى سيطرة روسيا على سورية. اللعبة يمكن أن تكون الميل الأميركي بالتعاون مع تركيا، هذه المرة، للسيطرة على كل مناطق داعش في سورية، وبالتالي، السيطرة على الشمال والشرق السوريين. فعبر ذلك، يمكن كبح العنجهية الروسية، والتفاوض مع روسيا من موقع مختلف، يجعلها عاجزة عن الرد، لأن ذلك يعني الصدام مع أميركا.
ليس من الممكن أن تجري هذه اللعبة في نهاية عهد أوباما، لهذا ربما سيجري تصدير الدواعش من العراق إلى سورية، ومن ثم تعزيز الدور العسكري الأميركي في سورية. هذا ما يمكن أن يكون أولوية هيلاري، خصوصاً أن تميل إلى "دعم أكبر" للقوى التي تقاتل داعش، وحتى النظام.
تتمثل مشكلة أميركا في أن سورية هي لعبة روسيا للسيطرة على العالم، بعد أن باتت تفكر في تجاوز الثنائية القطبية لمصلحةٍ أحادية، هي زعيمتها. وهذا ربما هو ما يمكن أن يجعلها "تتشدّد" قليلاً في "مواجهة" روسيا في سورية بالتحديد، لكن الحل في سورية سياسي، وتحت الهيمنة الروسية، لا تغيير في ذلك. ما تريده أميركا من ذلك هو بالضبط "كبح عنجهية روسيا"، و"تعريفها حدودها". هل ينجح ذلك مع دولة "منفلتة الأعصاب"؟
في سورية يتمحور الصراع على العالم، هكذا بالضبط.