فالمعلومات التي توالت بالتزامن في كتاب صدر للتوّ، كما في تقرير لنيويورك تايمز، عززت الشكوك السائدة بأن البيت الأبيض قد تدخّل، على الأرجح، للتخريب على التحقيقات الروسية و"عرقلة سير العدالة"؛ كما زادت من علامات الاستفهام المرسومة حول أهلية الرئيس للنهوض بمهام منصبه.
في كتابه "نار وغضب: داخل البيت الأبيض"، يرسم المؤلف مايكل وولف لوحة بائسة عن أجواء رئاسة مضطربة، وجهاز مرتبك ومصدوم في البيت الأبيض. ينسب إلى مستشاره السابق، ستيف بانون، قوله إن ترامب "أضاع الرئاسة".
كما نقل عنه اتهام ابن الرئيس، دونالد جونيور، "بالخيانة"، لاجتماعه مع مسؤولين روس في بناية ترامب بنيويورك أثناء الحملة الانتخابية. شهادة تعزز تهمة التواطؤ مع الروس. ولم يكذب بانون ما نسب إليه.
وما لا يقل أهمية وخطورة عن ذلك، أن الكاتب الذي أجيز له الدخول ولفترة أشهر إلى البيت الأبيض والتحدث إلى المسؤولين فيه؛ نقل صورة مقلقة عن حالة الرئيس. يقول إن هذا الأخير "لم يعد يتذكر أصدقاءه القدامى"، كما أنه بات "يكرر سرد القصص نفسها".
وينقل عن أصدقاء ترامب المقربين قولهم "إن الرئيس لم يعد قادراً على القيام بمهام منصبه". كلام خطير هز البيت الأبيض الذي سارع إلى تكذيب الكاتب والكتاب، ونعته بممارسة التزييف والتزوير.
لكن المؤلف ردّ بعدة مقابلات اليوم، أكد فيها "صدقية" روايته، كما سمعه من العاملين في البيت الأبيض من أن الرئيس "لا يقرأ ولا يصغي لأحد"، وأنه "كالولد، ويعتبر أن كل شيء يدور حوله"، وأنه "الأقل صدقية في العالم".
توصيف كان من الصعب الأخذ به، لو أنه لم يأت على خلفية معلومات وتقديرات من هذا النوع سبق وأن ترددت حتى على لسان مرجعيات طبية نفسية. فقبل شهر، التقى وفد يزيد على عشرة من رجال الكونغرس الديمقراطيين ومعهم سناتور جمهوري، مع بروفسور الطب النفسي باندي لي، في جامعة يال (من بين أول ثلاث جامعات أميركية)، لاستشارته حول وضع الرئيس. حذّر المذكور من أن "الرئيس سوف ينكشف" على حقيقته، وأن "إسرافه على استخدام تويتر دليل على تواصل الانهيار تحت ضغط" مهامه، متوقعاً أن "حالته قادمة على المزيد من التردي، بحيث يصبح من الصعب احتواؤها".
قد يبدو هذا التشخيص مبالغا فيه، لكنه ليس الأول من نوعه، فقد سبق وأثير احتمال تحريك المادة 25 من الدستور، التي تجيز لنائب الرئيس والوزراء مفاتحة مجلس النواب في الكونغرس بضرورة النظر في وضع الرئيس لعزله، بسبب عدم صلاحيته لممارسة وظيفته الرئاسية. لكن الموضوع جرى تهميشه لعدم توفّر عناصر مثل هذه الحالة حتى الآن، والتي يصعب إثباتها في كل حال إلا إذا كانت تعبيراتها غير قابلة للجدل.
وزاد الطين بلّة، أنه بالتزامن مع صدور الكتاب، نبشت نيويورك تايمز معلومات جرى التأكد منها، مفادها بأن الرئيس كان، في مارس الماضي، قد طلب وبإلحاح من فريقه القانوني العمل على إقناع وزير العدل، جاف ساشينز، بعدم نفض يده من ملف التحقيقات الروسية التي كانت لا تزال بيد الـ"إف بي آي" والكونغرس فقط.
لكن الوزير أصر على الابتعاد عن هذا الملف عملاً بنصيحة المختصين في وزارته. خطوته جرّت عليه نقمة الرئيس الذي عاتبه وطلب آنذاك (ثم تراجع) استقالته، بذريعة أن ساشينز "تخلى عن حمايته". هذه الواقعة مع إعطاء إفادة غير صحيحة عن سبب لقاء ابنه مع الروس، بالإضافة إلى إقالة مدير "إف بي آي" جيمس كومي؛ تصب في دعم تهمة "عرقلة سير العدالة" ضده. نفس التهمة التي أدى ثبوتها إلى الإطاحة بالرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون.
معلومات هذا الأسبوع زادت من الارتياب بشرعية رئاسة ترامب، كما بكفاءة صاحبها. وجاء ذلك في وقت انفضّ فيه معظم حلفاء الأمس عنه، وتفاقمت علاقاته المضطربة مع من كان محسوباً في خانة بطانته المقربة التي ساهمت في حمله إلى البيت الأبيض، مثل وزير العدل الذي ابتعد عنه، والمستشار ستيف بانون الذي اشتبك معه، بحيث صار لفيفه الضيق يقتصر على العائلة، الأولاد والصهر.
كما جاءت هذه الانكشافات في لحظة ينتظر فيها فريقه المزيد من قرارات الاتهام "المتوقع صدورها قريباً عن المحقق مولر" كما يقول جوناثان تورلي، أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن.