هل حقّا فشلت المحاولة الانقلابية؟

20 يوليو 2016
+ الخط -
تؤكد الأحداث التي تبعت المحاولة الانقلابيّة في تركيا جديّة المحاولة وشموليّتها، خارجيّا وداخليّا. ويبدو أنّ دولاً كثيرة كانت تدرك خفايا المحاولة، كما أنّ حملة الاعتقالات التي شملت كثيراً من أجهزة مؤثّرة ومختلفة في الدولة تؤكّد أنّ الأمر كان قاب قوسين أو أكثر من النجاح.
لم تكن الأجهزة العسكريّة (الجيش)، وشبه العسكريّة (الأمنيّة)، وجهاز المخابرات على قلب رجل واحد، وهذا هو العامل الموضوعي الذي أفشل، إلى حدّ بعيد، المحاولة الانقلابيّة. كذلك المواقف المشرّفة للمعارضة التركيّة التي أجّلت الخصومة السياسيّة، وأدركت مخاطر الحكم العسكري الذي خبره الشعب التركي مرارا. كما أن الخروج الجماهيري الكبير في الميادين والساحات، على الرغم من حظر التجوّل، وبعيد كلمة الرئيس أردوغان، كان عاملا مؤثّرا أربك كثيراً من حسابات الانقلابيين، وذهب بكثير من فاعليّة المباغتة التي اعتمدها الانقلابيون في المحاولة.
باغتت الجماهير التي احتلت الميادين والساحات انقلابيي الجيش، وأفقدتهم الحاضنة الشعبية التي يحتاجونها، وتحوّلت العمليّة إلى صراع درامي بين نزعتين وإرادتين، ثمّ بدأت ملامح الفشل ظاهرةً بيّنة، بدءاً بالارتجاليّة الغالبة على قرارات الانقلابيين بعد توالي صور اعتقالهم في الفضائيّات.
الردود الدوليّة المتحرّكة، وفق تحوّلات المشهد التركي في تلك الليلة، تؤكّد ملامح التآمر غربيّا وإقليميا، ولم تتضح مواقف الغرب من المحاولة، إلاّ بعد حسمها في شوارع أنقرة واسطنبول، وبعد التيقّن من فشلها نهائيّا.
استراتيجيّة الغرب الداعمة للانقلابات هي الصمت، وهذا ما خبرناه في الانقلاب العسكري في مصر، وما شاهدناه في المحاولة الانقلابيّة في تركيا.
تمكّن أردوغان وحزبه، من بعض مؤسسات الحكم في تركيا كجهاز المخابرات والمؤسسة الأمنيّة، لكنّ الجيش والقضاء لا يزالان بعيدين عن الانسجام الكلي مع سياسات أردوغان، أو تجربته في الحكم، وحجم الاعتقالات في صفوف الجيش والقضاء يؤكّد أنّ الجيش كان كلّه تقريباً مع المحاولة.
لا يبدو فشل المحاولة مطلقاً، وإنّما المحاولة مؤجّلة إلى حين، والأيّام المقبلة صعبة، وحاسمة بالنسبة لأردوغان وخياراته وسياساته، والتعويل الكليّ على الإرادة الشعبيّة لا يبدو كافياً مع نزعة انقلابيّة ظاهرة ومدعومة خارجيّا.
على الحكومة التركيّة وأردوغان حسن السير في حقل من الألغام، وعليهم تقوية العوامل التي ساهمت في إفشاله، ومنها تحويل المعارضة التركيّة التي عبّرت، وبلا تردّد عن تحيّزها للخيار الشعبي والإرادة الشعبيّة بالانتقال من خطاب الخصومة السياسيّة إلى خطاب المشاركة الفعليّة في خيارات الحكم والسياسة، ولا بدّ من العودة بالسياسة التركيّة إلى الدّاخل التركي كالشّأن التنموي وغيره من اهتمامات المواطن التركي الذي كان نزوله للساحات ليلة المحاولة الانقلابيّة تعبيراً صادقاً عن نجاحات اقتصاديّة، هي كلّ رصيد أردوغان في فترات حكمه.
وفي ظلّ هذه العودة إلى الداخل التركي، لابدّ من مراجعة السياسة الخارجيّة التركيّة، وفق مبدأ المصلحة القوميّة التركيّة، وبعيدا عن دوائر تحالفات متناقضة وغير مستقرّة.
تظلّ المؤسسة العسكريّة هاجساً مرعباً في تركيّا، إذ تكشف المحاولة الانقلابيّة، أنّ هذه المؤسسة لا تزال تفكّر بتلك النزعة الانقلابيّة التي احترفتها آليّة من آليّات التغيير، وعلى الرغم من النجاح النسبي في تحييد بعض القطاعات العسكريّة، فإنّ هذه المؤسسة لا تزال بعيدة عن تناول أردوغان أو حكوماته المتعاقبة، ويبدو الحديث عن عمليّة تطهير في صلب المؤسسة العسكرية صعباً، ويحتاج إلى وقتٍ كثير. ولذلك، على أردوغان والحكومة التركيّة تقوية المؤسسة شبه العسكريّة إلى حين تطهير مؤسسة الجيش.
لابدّ من تقوية الحياة المدنيّة، وتوسعة فضاء الحقوق والحريّات، وخلق حاضنة شعبيّة من غير المحضن الإسلامي، ولابدّ من استخلاص العبرة والحكمة من محاولة يبدو وصفها "بالفاشلة" نسبيّا إلى حين.
العقيدة العسكريّة تدفع بالعسكري إلى خوض المعركة إلى النهاية، وانكشاف كثير من خيوط المؤامرة سيدفع بكثير ممن دعموا الانقلاب سرّا إلى دعمه جهرا وبقوّة.
avata
avata
محمد المولدي الداودي (تونس)
محمد المولدي الداودي (تونس)