تقدم رئيس الوزراء الإثيوبي، هايله ميريام ديسالين، باستقالته، من موقعه كرئيس للائتلاف الحاكم وكرئيس للوزراء. وعلى الرغم من أن القرار إثيوبي، إلا أن الدوائر الرسمية في دول عدة عبّرت عن مواقف متباينة بشأن القرار. وكان في مقدمة هذه الدول مصر، في ظل أزمة سد النهضة الذي تقوم أديس أبابا ببنائه وسط اعتراضات مصرية على مواصفات السد، سواء السعة التخزينية أو عدد سنوات ملء الخزان، المقدر سعته بـ74 مليار متر مكعب من مياه النيل. كما أن الاستقالة جاءت في وقت كان مقرراً فيه عقد اجتماع يضم وزراء خارجية ومياه ورؤساء استخبارات مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم، في 24 و25 فبراير/شباط الحالي، لإنهاء الأمور الفنية العالقة بشأن السد، لتطلب أديس أبابا تأجيل الاجتماع نظراً للتطورات السياسية لديها.
في هذا السياق، قال المتحدث باسم "جبهة تحرير الأورومو" الإثيوبية، جمادا سوتي، إن استقالة ديسالين تأتي طبيعية في ظل غضب الأغلبية، والاحتجاجات المتواصلة منذ أشهر، والتي ذهب ضحيتها المئات بل الآلاف. وأضاف سوتي، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف، أن "تلك الاستقالة لا تلبي مطالب الشعب الإثيوبي، ولكن هناك مطالب أعمق بكثير، في مقدمتها تقاسم السلطة والثروات بين كافة الطوائف وفقاً لحجم كل طائفة، والانتهاء من حالة التهميش التي يعيشها شعب الأورومو بسبب سيطرة الحزب الحاكم الذي يمثل أقلية شعبية". وتابع سوتي "ما حدث باستقالة ديسالين مجرد تغيير مناصب فقط، وهو ما لا نريده"، مضيفاً "نحن نريد تشكيل حكومة انتقالية تمثل كافة قوميات الشعب الإثيوبي، وإجراء انتخابات نزيهة، لأن النظام الحالي بكافة أركانه ومكوناته فَقَد شرعيته"، لافتاً إلى أن "الاحتجاجات المستمرة منذ عدة أشهر انطلقت في الغالبية العظمى من أقاليم الدولة، وأن الحزب الحاكم لم يعد يسيطر سوى على العاصمة أديس أبابا فقط". وحول تأثير الأوضاع السياسية في بلاده على عمليات بناء سد النهضة، قال سوتي إن السد، من الأساس، تم بناؤه لأهداف سياسية وليس لأهداف التنمية، معتبراً أن ائتلاف "الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية" الحاكم كان يهدف للسيطرة على منابع النيل وبيع المياه لمصر في مرحلة لاحقة، في إطار تحالفات دولية أعمق دخلتها الحكومة الإثيوبية.
في مقابل ذلك، قال خبير في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية بوحدة أبحاث حوض النيل، إن استقالة ديسالين سيكون لها انعكاس غير مباشر على ملف مفاوضات سد النهضة مع مصر، مضيفاً أن هذه الفترة تشهد تركيزاً على الداخل وتثبيت السلطة الجديدة التي تخلف ديسالين، ومن المتوقع أن يؤدي هذا إلى مرونة أكثر في المفاوضات مع مصر. وحول الأسباب الحقيقية وراء الاستقالة، قال الخبير إن "ديسالين كان رئيس وزراء انتقالياً، وينتمي إلى الإقليم الجنوبي ويمثل أقلية عددية وبلا نفوذ يذكر. أما النفوذ الحقيقي فتمثله جبهة التغراي التي أسسها رئيس الوزراء الراحل، ميليس زيناوي، وبالتالي هي التي تمتلك مفاتيح السلطة والقوة الحقيقية في البلاد". ولفت إلى أن "استقالة رئيس الوزراء الإثيوبي تُظهر أنه قد وصل إلى مفترق طرق مع النافذين في هذه الجبهة، وهم تيار أكثر تشدداً من الناحية القومية لإقليم التغراي ومحاولة الحفاظ على سلطته في البلاد".
في المقابل، استبعد دبلوماسي في وزارة الخارجية السودانية أن يكون هناك دور خارجي في إثارة الخلافات و"إشعال الأرض تحت أقدام الحكومة الإثيوبية"، معتبراً أن "الأوضاع الاقتصادية، وسيطرة الأقلية في إثيوبيا واضحة، والتظاهرات والاحتجاجات لم تتوقف منذ شهور، لأسباب داخلية بحتة". إلا أن الدبلوماسي أكد، في الوقت ذاته، أن التغييرات المنتظر إحداثها بعد استقالة ديسالين ستُسفر عن تهدئة المشهد الداخلي في أديس أبابا التي تعد حليفاً للخرطوم، مقللاً من تأثير تلك الأوضاع على مفاوضات سد النهضة.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، المستشار أحمد أبو زيد، أكد تلقّي بلاده طلباً إثيوبياً رسمياً لتأجيل اجتماع كان من المزمع عقده في الخرطوم في 24 و25 الشهر الحالي. وقال "تعقيباً على قرار السودان تأجيل الاجتماع الوزاري الثلاثي الخاص بسد النهضة بناء على طلب من إثيوبيا، وهو الاجتماع الذي كان مقرراً انعقاده في 24 و25 الشهر الحالي في الخرطوم، بمشاركة وزراء الخارجية والمياه ورؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة، فقد تلقت وزارة الخارجية بالفعل الإخطار المشار إليه من الجانب السوداني، مع إدراكها للظروف التي ربما قد دفعت إثيوبيا لطلب تأجيل الاجتماع، والتي نأمل أن تزول في أقرب فرصة". وأشار إلى أن بلاده تتطلع لأن يتم الالتزام بالإطار الزمني الذي حدده القادة لحسم الخلافات الفنية القائمة، لا سيما أن قضية سد النهضة تمس مصالح شعوب الدول الثلاث، وأن التنفيذ الدقيق لتكليفات القادة يقضي باعتبار مصالح شعوب الدول الثلاث مصلحة لدولة واحدة وشعب واحد، الأمر الذي يقتضي التحرك العاجل للتوصل إلى حلول تحفظ مصالح الجميع.
وأكدت مصادر دبلوماسية، تحدثت لـ"العربي الجديد" في وقت سابق، أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أجرى اتصالاً بنظيره الإثيوبي، وركنه جيبيو، عبّر خلاله عن القلق المصري من تأخر مسار المفاوضات الفنية، داعياً إياه لعقد الاجتماع في أقرب فرصة ممكنة. وأوضحت المصادر أن شكري أكد لجيبيو أن القاهرة، وإن كانت تتفهم الظرف السياسي الراهن في أديس أبابا، إلا أنها لا تتفهم استمرار عمليات البناء في سد النهضة من دون مراعاة لجلسات النقاش المرتقبة، والتي من المقرر أن يتم خلالها حسم النقاط العالقة والأمور الفنية محل الخلاف. وعلى عكس المتوقع، قالت المصادر "ربما لا تكون الظروف السياسية التي تمر بها إثيوبيا، مع تقديم ديسالين لاستقالته، في صالح مصر، خصوصاً أنها جاءت في وقت كانت القاهرة اتفقت مع كل من الخرطوم وأديس أبابا على موعد محدد في وجود رؤساء الاستخبارات لإنهاء أزمة الأمور الفنية والمخاوف المصرية"، مشددة على أن "توقيت استقالة ديسالين ليس في صالح مصر كما يتصور البعض". وبحسب المصادر فإن "النظام المصري يعوّل على انتزاع مكسب إعلامي خلال الاجتماعات المرتقبة بمشاركة رؤساء الاستخبارات في ضوء التحسن الملحوظ في العلاقة مع السودان، خصوصاً مع قرب انتخابات الرئاسة".