هل تنجح مبادرة حركة الشعب بتمرير الحكومة التونسية في البرلمان؟

29 اغسطس 2020
تحدد المبادرة سقفاً زمنياً لعمل حكومة المشيشي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد المواقف السياسية من حكومة هشام المشيشي في تونس تذبذباً واضحاً، وتراجعاً في الدعم الحزبي والبرلماني، خصوصاً بعد الإعلان عن تنحية وزير الثقافة وليد الزيدي، ثم استقباله، مساء أول من أمس، من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد بوصفه مرشحاً في حكومة المشيشي لحقيبة الثقافة، إضافة إلى حملات التشكيك في عدد من الوزراء بسبب عدم استقلاليتهم أو محدودية كفاءتهم، بحسب المنتقدين.
وفي هذا الجو المشحون، بادرت حركة الشعب بتقديم مبادرة لحلحلة الأزمة، دعت خلالها السياسيين إلى التوافق على منح الثقة للحكومة وفق ضوابط، وأن يلتزم رئيس الحكومة بتقديم تصور واضح يضبط الإجراءات الكفيلة بوقف النزيف الاقتصادي والاجتماعي، والتزامه بسقف زمني لعمل حكومته في أجل أقصاه سنة ونصف السنة، يُصَار خلالها إلى التوافق بين الكتل البرلمانية على تركيز المحكمة الدستورية وتعديل النظام الانتخابي. يشار إلى أن التقليد المعمول به في كل دول العالم أن حكومات الكفاءات تُشَكَّل استثناءً ضمن النّظم الديمقراطية، التي تكون فيها الأحزاب السياسيّة رافعة الحكومات، ولا يحدث الاستثناء إلّا في حالات الأزمات السياسيّة والاقتصادية، وتزول الحاجة لمثل هذه الحكومة مع بداية التعافي من الأزمة.

تطرح المبادرة التزام كل الأطراف بتنفيذ هدنة سياسيّة واجتماعيّة ومجتمعيّة

وتطرح المبادرة أيضاً التزام كل الأطراف بتنفيذ هدنة سياسيّة واجتماعيّة ومجتمعيّة إذا تم القبول بالإجراءات المعلنة. وفي نهاية هذه الفترة يتم التوافق بين الأطراف السياسية على أحد الخيارات التالية، إما استمرار حكومة المشيشي إلى نهاية العهدة البرلمانية وتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها الدستوري خريف 2024، أو تكوين أغلبية برلمانية تتولّى تشكيل حكومة سياسية، أو الذهاب مباشرةً إلى تنظيم انتخابات تشريعيّة مبكرة.
وأوضح الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الظرف الذي تمرّ به تونس صعب، وأن الحكومة الجديدة حولها الكثير من الجدل، فلا يوجد ارتياح لدى أغلب الأطراف السياسية. فالمخاوف موجودة لدى الأحزاب السياسية، وحتى لدى الرأي العام في تونس". وبيّن أنه "كان لا بد من تبديد هذه المخاوف، عبر مبادرة تضم الحد الأدنى من المقترحات والشروط"، مشيراً إلى أنه "وفي ظل حكومة الأمر الواقع المفروضة على الجميع، كان لا بد من بعض التفاهمات الواضحة لكي لا تحصل مناورات، والاتفاق على بعض النقاط الأساسية، ولعل أهمها أن يلتزم رئيس الحكومة المكلف بمدة معينة للعمل يتم الاتفاق حولها". وأوضح أن "حكومة الكفاءات المستقلة هي حكومات أزمات، وبالتالي فهي الاستثناء وليس الأصل".

وبيّن المغزاوي أنه "سبق لرئيس الحكومة المكلف أن أعلن أن اللجوء إلى حكومة كفاءات جاء لأن الأحزاب غير متفقة مع بعضها البعض، وبالتالي لا بد من تحديد سقف لعمل الحكومة، والالتزام بإجراءات واضحة لإيقاف النزيف الاقتصادي". وأكد أن "على الطبقة السياسية والبرلمانية وضع هدنة سياسية فيما بينها، وأنه إذا حصل اتفاق حول هذه المبادرة، والتي تم توجيهها كتابياً إلى المشيشي والأحزاب السياسية، فإنه قد يتم تعديل بعض النقاط وإضافة أخرى". وأشار إلى أن "الأهم هو الاعتراف بوجود أزمة، فهناك جلسة لمنح الثقة للحكومة، البعض سيصوّت مجاملة أو لحسابات سياسية أو خوفاً من المجهول وهناك من لن يصوت، وبالتالي لا بد من تبديد المخاوف والاتفاق على نقاط واضحة وتحميل كل طرف المسؤولية".

أعلنت حركة تحيا تونس أنها منفتحة على أي مبادرة لحلحلة الأزمة السياسية

وتفاعلاً مع المبادرة، قال النائب عن حركة تحيا تونس وليد جلاد إن الحركة منفتحة على أي مبادرة لحلحلة الأزمة السياسية في تونس، مبيناً أن المطلوب حالياً هو تحرّك أشمل من المبادرة يكون على مستوى رئاسة الجمهورية، في محاولة لحل الإشكاليات السياسية العالقة، وهذا التحرّك مطلوب حتى من قبل المنظمات الوطنية. وأشار إلى أن أي مبادرة مرحب بها، خصوصاً أنّ الوضع الذي تمر به البلاد غير مسبوق، وأغلب المؤشرات تؤكد أن الوضع صعب ودقيق. وتابع جلاد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب أمام خيارات صعبة، فعدم منح الثقة للحكومة يعني الذهاب إلى المجهول، وتبقى حكومة تصريف الأعمال تُسيّر البلاد وسط مزيد من الغموض وعدم القدرة على إتخاذ القرارات المناسبة". وأكد أن "الذهاب إلى انتخابات بنفس القانون الانتخابي سيفرز مشهداً مفككاً، ولن يغير الوضع كثيراً، كما أن تونس لن تتحمّل أشهراً إضافية من الفراغ الحكومي، في حين أن التصويت على الحكومة هو الخيار الأقل سوءاً".
وأكد النائب عن حزب قلب تونس فؤاد ثامر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الوضع السياسي في تونس يحتم البحث عن حلول مشتركة للوصول إلى الحد الأدنى من الاتفاق السياسي، وبالتالي فإن مبادرة حركة الشعب، وغيرها من المبادرات، مرحّب بها. وأوضح أن الإشكال في المشهد السياسي التونسي هو التشتت وصعوبة تكوين أغلبية برلمانية، وبالتالي الدعوة لتحديد برنامج للحكومة أمر سبق أن طالبت به غالبية الأحزاب. ولاحظ أن الحكومة قد تمر، لأن المصلحة الوطنية تقتضي التصويت لفائدتها، وعدم ترك البلاد في حالة فراغ، أو مواصلة عمل حكومة تصريف الأعمال لإلياس الفخفاخ، مشيراً إلى أن أغلب الوزراء الذين تم اختيارهم في الحكومة الجديدة يملكون الحد الأدنى من الخبرة والكفاءة، وإذا ساندتهم الأحزاب فإنهم سينجحون. وأوضح أن أغلب الأحزاب لم تحسم موقفها، ولكن، وحسب رأيه الشخصي، فإن الحكومة ستمر.

المساهمون