تشهد العاصمة طرابلس حراكا متزايدا في ردهات سلطتها وبين قادتها للبحث عن حلول لأزمة البلاد، مستفيدة من المناخ الدولي لوقف الحرب في العاصمة، وإحياء العملية السياسية مجدداً، خصوصاً بعد تراجع حدة القتال منذ إعلان هدنة عيد الأضحى.
آخر هذه التحركات كان إعلان المجلس الأعلى للدولة مناقشة مقترح مقدم من لجان المجلس، انتهى بتكليف لجانه إطلاق حوار ونقاش مع الفاعليات السياسية ومؤسسات الدولة الأخرى. وجدد المجلس، خلال جلسته مساء أمس الإثنين، أسبوعين للجانه كحد أقصى للخروج بصيغة مقترحة للحل تمثل رؤيته للخروج من الأزمة التي تمر بها البلاد.
وكان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، قد التقى، السبت الماضي، عددا من ممثلي النخب السياسية والاجتماعية والعسكرية في طرابلس، بهدف "صياغة رؤية وطنية مشتركة تمكن البلاد من تجاوز الأزمة الراهنة"، وذكر بيان المكتب الإعلامي للسراج أن اللقاء بداية لسلسلة لقاءات مماثلة.
وتجمع عدة مصادر مسؤولة ودبلوماسية تحدثت لـ"العربي الجديد"، على أن الحراك الحالي "جاء استجابة لضغوط دولية تقودها واشنطن حاليا من أجل وقف الحرب القائمة جنوب طرابلس وضرورة إحياء العملية السياسية مجددا".
واعتبرت المصادر أن الجمود الميداني وتراجع حدة القتال منذ إعلان هدنة عيد الأضحى الماضي "انعكاس لتلك الجهود الدولية"، لكنها لم تذكر مصلحة واشنطن التي تهتم بملف الإرهاب في ليبيا من هذا الاتجاه الذي تقوده.
وتعيش جبهات القتال هدوءاً نسبياً منذ هدنة عيد الأضحى، تخللها تقدم لقوات الحكومة باتجاه مدينة ترهونة، جنوب شرقي طرابلس، بعدما صدت محاولة لقوات اللواء خليفة حفتر للتقدم باتجاه مدينة غريان الاستراتيجية.
وذكرت مصادر دبلوماسية أن قادة طرابلس "أجمعوا على البحث عن صيغ للحل سياسيا دون إشراك حفتر"، مؤكدة أن هؤلاء القادة "يقفون موقفا موحدا من رفض شراكة حفتر سياسيا تزامنا مع إصرارهم على ضرورة سحب قواته من غرب ليبيا شرطا لاستئناف العملية السياسية".
وأشارت إلى أن مساعي قادة طرابلس في مجلس الدولة والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق "تتسق مع رغبة واشنطن في إنتاج حكومة وحدة وطنية بديلة عن حكومتي، الوفاق في طرابلس، والمنبثقة عن البرلمان شرق ليبيا، فالصيغ السياسية للحل التي يعد لها في طرابلس ستشرك طيفا سياسيا ومجتمعيا واسعا يظهر وجود شركاء آخرين غير حفتر يمكنهم أن يؤثروا في مشهد المناطق التي تخضع لسلطة حفتر".
ويسعى قادة طرابلس حسب هذه المصادر، إلى "إيضاح حقيقة أن سيطرة حفتر على مناطق الجنوب والشرق لا تعدو كونها سيطرة اسمية، وعلى ضوء ذلك، فإن قادة القبائل في الجنوب وحتى الشرق يمكن أن ينفضوا أيديهم من حفتر ويفكوا الشراكة معه، على أن تثبت حكومة الوفاق التي تحظى باعتراف دولي صدقها في إشراكهم بصناعة حل فاعل".
وتعتبر المصادر أن "العوامل التي قد تعرقل مساعيها قد لا تكون داخلية، ولكنها ستصطدم بواقع علاقتها المتوترة مع دول تقدم الدعم بشكل صريح لحفتر كالإمارات ومصر وإمكانية تأثيرها على قرارات دول كبرى للقبول بمشاريع للحل السياسي نابعة من الداخل".
ويشير أحد هذه المصادر إلى أن قادة طرابلس "يعولون على النتائج العكسية التي أنتجتها خسارة حفتر لمواقف تلك الدول"، حيث قال في هذا الصدد إن "واشنطن لم تعد تستمع لأصوات داعمي حفتر كثيرا فهي بصدد صياغة رؤيتها الخاصة، وقد أرسلت سفيرا جديدا له خبرة في التعامل مع الأزمات التي تشابه أزمة ليبيا، كما أن دولا أخرى مثل فرنسا بدأت هي الأخرى في أخذ مسافة بينها وبين حفتر وخياره الذي راهنت عليه طيلة الأشهر الماضية".
ولفت إلى أن تغير الموقف الدولي وميله لصالح وقف حرب حفتر "يمكن أن يمثلا نافذ جيدة لقادة طرابلس لخوض معركة سياسية ضد مشروع حفتر وحلفائه، لكنها ستكون طويلة الأجل، كما يرجح المصدر، توازيا مع مساعي واشنطن التي تعمل على صياغة رؤيتها الخاصة بعد أن لمست اقترابا روسيا تركيا من الساحة الليبية أخيرا.