هل تلغي إيران تعليم الإنكليزية؟

14 نوفمبر 2019
تعليم الإنكليزية لن يكون إلزامياً بحسب الاقتراح (Getty)
+ الخط -

محاربة الغزو الثقافي هي عنوان حملة داعية إلى وقف تعليم اللغة الإنكليزية في إيران، توجت مؤخراً باقتراح قانون

شهدت أروقة مجلس الشورى الإسلامي الإيراني (البرلمان) أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي ولادة اقتراح قانون، تحول إلى أحد أكثر الاقتراحات البرلمانية إثارة للجدل، خلال السنوات الأخيرة في إيران، وهو جدل ما زال مستمراً. يحمل الاقتراح عنوان "وقف احتكار اللغة الإنكليزية لنظام التعليم العام في إيران" ويهدف إلى إلغاء تدريس الإنكليزية في المدارس العامة. وهو أعاد إلى الواجهة مجدداً مسألة تعليم اللغات الأجنبية في المدارس الإيرانية، وسط انتقادات واسعة من قبل الرأي العام وأوساط ثقافية وتعليمية وسياسية وحقوقية لإلغاء تدريس اللغة الإنكليزية. الاقتراح الذي وقّع عليه 57 مشرعاً من أصل 290 هم عدد أعضاء البرلمان الإيراني، يتكون من مقدمة و6 مواد و10 بنود توضيحية.

في مطلعه، يعزو هؤلاء المشرعون أسباب صياغة الاقتراح إلى "إلزام تدريس اللغة الإنكليزية في المدارس وعدم الحاجة إليها في بعض فروع المهن والحرب... وتأثير هذا الإلزام في إضعاف المستوى التعليمي للتلاميذ غير الراغبين باستكمال الدراسة في الجامعة" علماً أنّ اللغتين اللتين يُلزم بتدريسهما إلى جانب اللغة الفارسية في المدارس الإيرانية هما الإنكليزية والعربية.




وبحسب الاقتراح فإنّ تعليم اللغة الإنكليزية لن يكون إلزامياً في التعليم العام بل اختياريا، محولاً أمر تدريس اللغة الإنكليزية بالكامل إلى المعاهد الخاصة لتعليم اللغات في البلاد، لتتكفل بذلك تحت إشراف وزارة التعليم والتربية، التي أكدت أنّها لم تجرِ استشارتها، ولا علم لها به. كذلك، يلزم الاقتراح الوزارة بتوفير إمكانية تعليم بقية اللغات الدولية والإقليمية المهمة اختيارياً للتلاميذ الإيرانيين، مع دعوة الجامعات الإيرانية إلى توقيع تفاهمات التعاون مع الدول التي ستُدرّس لغاتها فيها. هي "ليست اللغة العلمية للعالم" و"ليست اللغة العالمية الوحيدة" و"لا حاجة لإلزام تعليمها"، و"هي لغة الجواسيس والعملاء" و"لغة الاستعمار والاستكبار" هذه أسباب أخرى يطرحها بعض مؤيدي الاقتراح، وهي غير تلك الأسباب التي ذكرها في ديباجته، وربما تمثل الدوافع الحقيقية للمشرعين الـ57، ومعظمهم من المحافظين، بالرغم من وجود نواب مستقلين وإصلاحيين بينهم.

الاقتراح يرتبط بعنوان "الغزو الثقافي" الذي يحتل حيزاً مهماً في "الأدبيات الثورية" في إيران في صراعها مع الغرب، لتحذر منها بين الفينة والأخرى، متهمة الغرب بالسعي للسيطرة على المجتمع الإيراني والمجتمعات المسلمة عبر "غزوها ثقافياً" لنشر أفكاره وتقاليده، ما يعني أنّ اقتراح إلغاء تدريس اللغة الإنكليزية يأتي بالدرجة الأولى في سياق استراتيجية ثقافية وتعليمية، تؤمن بها شريحة سياسية في البلاد في "المواجهة الثقافية" مع الغرب.

في السياق نفسه، كانت للنائب حسن نوروزي، المتحدث باسم اللجنة القضائية والحقوقية البرلمانية، الذي يعتبر من أشد مؤيدي الاقتراح، تصريحات لافتة، أثارت جدلاً واسعا في شبكات التواصل الاجتماعي في إيران، معتبرا أنّه "منذ قيام الثورة (1979) حتى الآن، معظم الجواسيس هم من الناطقين باللغة الإنكليزية" مشيراً إلى أنّ "علماء العالم اليوم إما أتراك أو عرب أو ألمان... أساس الفن والأدب في اللغة الفرنسية، فلماذا لا نتعلمها؟ وألمانيا هي أساس العلم والصناعة فلماذا لا نتعلم لغتها؟ وأساس التكنولوجيا هي اليابان، فلماذا لا نتعلم اليابانية؟".

الجدل حول تعليم اللغة الإنكليزية ليس وليد اليوم، بل يعود إلى عقود، بعد انتشار واسع لتعليمها في البلاد، الأمر الذي دفع المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، في مايو/ أيار 2016 إلى انتقادها، معتبراً "الإصرار على تسويق اللغة الإنكليزية عملاً غير صحي" لكنّه أضاف في الوقت نفسه، أنّه لا يدعو إلى إلغاء تدريس هذه اللغة في المدارس الإيرانية "من الغد" مشيراً إلى أنّ تعليمها اجتاح الروضات، قبل أن يبين أنّه لا يعارض تعليم اللغات الأجنبية "لكنّ القضية الأساس هي تسويق ثقافة الأجانب في البلاد بين الأطفال والمراهقين والشباب". وبعدها في يناير/ كانون الثاني 2018، أعلنت وزارة التعليم عن حظر تدريس اللغة الإنكليزية في المدارس الابتدائية، بهدف "تعزيز مهارات اللغة الفارسية والثقافة الإسلامية للتلاميذ" مع العلم أنّ تدريس الإنكليزية يبدأ من المرحلة الإعدادية عند سن 12 عاماً، لكنّ تنامي الإقبال عليها في المجتمع، دفع مدارس حكومية إلى جانب المدارس الأهلية لتضمينها في حصصها.

وعام 2016، أعلن المجلس الأعلى للثورة الثقافية تضمين النظام التعليمي الإيراني خمس لغات أجنبية، هي الروسية والإسبانية والألمانية والفرنسية والإيطالية، لكي لا يكون التعليم حكراً على اللغة الإنكليزية، لكن، لم تنفذ الخطة بعد، ليعزو الأمين العام للمجلس الأعلى للتعليم والتربية، مهدي نويد أدهم، السبب إلى عدم الإقبال على تلك اللغات في المجتمع.




وعلى ضوء هذا التوجه المجتمعي، لقي اقتراح إلغاء تدريس اللغة الإنكليزية معارضة قوية من أوساط شعبية وسياسية وثقافية وجامعية وبرلمانية، ما دفع بعض المشرعين الموقعين عليه إلى التبرير أنّ الاقتراح لا يسعى إلى إلغاء تدريس المادة الإنكليزية، إنّما منعها من الاحتكار، مع استبعاد برلمانيين أن يخضع الاقتراح لمناقشة برلمانية بجلسة رسمية في هذه الدورة للبرلمان الإيراني، والتي ستنتهي في فبراير/ شباط المقبل.