هل تعيق تداعيات كورونا تركيا عن حلم الالتحاق بالعشرة الكبار؟

05 يوليو 2020
الاقتصاد التركي تعرض لهزة بسبب كورونا (فرانس برس)
+ الخط -

تأتي أرقام ونتائج تداعيات فيروس كورونا الجديد من تراجع الصادرات وصفرية عائدات السياحة وزيادة الديون الخارجية كمعيقات، بنظر مراقبين، ربما تحول دون تحقيق تركيا هدفها بمناسبة ذكرى مئوية تأسيس الدولة عام 2023 للدخول بنادي العشرة الكبار.

ففي حين يؤكد مسؤولون أتراك، في مقدمتهم رئيس الدولة رجب طيب أردوغان، أن بلاده أصبحت قريبة جدا من دخول مصاف أكبر 10 اقتصادات في العالم، "اليوم أصبحنا قريبين أكثر من أي وقت مضى من وضع تركيا في مصاف أكبر 10 اقتصادات بالعالم".

ويستند الرئيس التركي، بما يراه مراقبون، تفاؤلاً، إلى نمو اقتصادي بمعدل 4.5 بالمئة في الربع الأول من العام الجاري رغم بدء انتشار كورونا في البلاد منذ مارس/ آذار الماضي، ورفع احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية ليتجاوز 93 مليار دولار، فضلاً عن مؤشرات الصادرات والسياحة التي يمكن أن تحققها تركيا خلال النصف الثاني من العام الجاري.

غير أن مراقبون يرون أن "المشوار صعب وشاق أمام تركيا" بواقع استمرار تراجع الليرة التركية وزيادة الديون الخارجية إلى نحو 431 مليار دولار، وحصة الدين الحكومي منها نحو 256.5 مليار دولار، فضلاً عن تأذي ثنائية الاقتصاد التركي، سياحة وصادرات، وتراجع العائدات خلال تفشي "وباء كورونا""

ويقول أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير التركية، فراس شعبو، إنه لا يمكن إنكار أو التنكر للهزة الكبيرة التي تعرض لها الاقتصاد التركي، خلال الأشهر الماضية جراء آثار الوباء، وإن كانت أقل مما تكبدته الدول الكبرى، لكنها كدولة ناشئة تسابق الزمن قبل عام 2023، تأذت بشكل كبير بعد انعدام عائدات السياحة التي كانت تعول عليها هذا العام لجذب 52 مليون سائح وتراجع الصادرات وشلل قطاع الطيران، ما سيؤثر، أو يؤخر تحقيق الأرقام المرسومة بعد عامين.

ويرى شعبو أن من أهم المعيقات أمام الاقتصاد التركي هو حجم الديون الخارجية التي ارتفعت إلى 431 مليار دولار، نسبة حصة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الاجمالي أكثر من 33%، والمسألة الأخطر برأي شعبو، تكمن بكيفية تأمين نحو 164 مليار دولار مستحقة الدفع خلال 12 شهراً، ما سيضع تركيا على الأرجح، أمام حل إعادة جدولة الديون وتكبد فوائد إضافية، فضلاً عن آثار ذلك على تصنيف تركيا الائتماني جراء مخاطر التمويل الخارجي.

ويضيف شعبو أن عجز الميزان التجاري، الذي بلغ نحو 13 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، ومن المتوقع أن يصل، بواقع آثار الوباء وارتفاع أسعار النفط، إلى 30 مليارا نهاية العام الجاري، سيكون عامل تحد إضافي أمام تركيا وحلمها بالوصول إلى نادي العشرة الكبار.

وبالنسبة لما يتعلق بسعر صرف الليرة، يقول أستاذ المالية شعبو إن سعر الصرف يتأثر بعوامل عدة، سياسية واقتصادية، لكن عدم قدوم السياح وما كان سيتأتى من دولار، وتراجع الصادرات والإنتاج، هي أهم العوامل الاقتصادية التي أخلت بالعرض النقدي بالسوق، ولولا التدخل الحكومي مراراً، لربما رأينا الدولار بأكثر من 8 ليرات.

وشهدت الليرة التركية تراجعاً طفيفاً اليوم مسجلة 6.861 ليرات مقابل الدولار، بعد أن هوت في السابع من مايو/أيار الماضي إلى أدنى مستوى لها، 7.2 ليرات للدولار الواحد، متأثرة بتراجع السياحة والصادرات واقتراب تسديد الديون الخارجية وتوقعات وكالتي "فيتش وموديز" للتصنيف الائتماني "أن الاقتصاد التركي سيتعرض لانكماش هذا العام".

وكان البنك المركزي التركي قد توقع أن يصل الدولار الواحد إلى نحو 6.99 ليرات تركية ونسبة التضخم إلى حدود 9.54%، وتراجع نسب الفائدة إلى حدود 7.88 بالمئة مع نهاية 2020، بعد أن كان قد توقع في وقت سابق أن سعر صرف الدولار الواحد سيبلغ 7.2 ليرات تركية.

ويرى المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو أن تصريحات وكالات التصنيف "غير دقيقة" تدخل فيها عوامل عدة غير اقتصادية، لأن مؤشرات الاقتصاد، ومنذ الآن، بتحسن مستمر "وليس صحيحاً أن الاقتصاد التركي سيتعرض لانكماش بنسبة 5% كما توقعت الوكالات، بل نسبة النمو 4.5%، ومن المتوقع أن يختم العام الجاري بنسبة أعلى""

ولا يرى المحلل التركي في ارتفاع نسبة الديون "أزمة كبرى"، خاصة أن نسبتها إلى الناتج الإجمالي ليست كبيرة، حتى إن قيست بديون الدول الكبرى كاليابان والولايات المتحدة، معتبراً أن "سر الديون بحسن توظيفها وتحصيل عائدات تفوق نسب الفائدة"، موضحاً أن أمام بلاده طرائق كثيرة لتلافي مشكلة الديون، منها إعادة الجدولة أو طرح سندات حكومية، ملمحاً إلى "شراكات واستثمارات تركية مع دول صديقة ستفاجئ الجميع خلال الفترة المقبلة، وتلغي هواجس الديون وتراجع سعر صرف الليرة".

ويكشف كاتب أوغلو أن تركيا تعتمد، هذه الفترة، سياسة تمويل شراء السيارات والعقارات عبر قروض بنسب قليلة جداً، 0.62% شهرياً، لتنشيط هذين القطاعين، تليها خطة تنشيط قطاع الأثاث المنزلي والصناعات التركية المنزلية، بعد أن مولت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأبعدت شبح الإفلاس والإغلاق خلال ذروة انتشار وباء كورونا.

ويرى المحلل التركي أن المؤشرات جميعها بدأت تتحسن، وستتحسن أكثر خلال النصف الثاني من العام الجاري، بعد إعادة الطيران وعودة السياح وزيادة أرقام الصادرات، "حلم المئوية استراتيجية تركية لا رجعة عنها وسنصل إلى نادي العشرة الكبار".

ويوافق الاقتصادي التركي أوزجان أويصال سابقه بالقول: "لدينا مؤشرات عديدة تؤكد مرور أزمة كورونا وبدء التحسن، منها مؤشر الثقة الاقتصادية الذي ارتفع بنسبة 19.1 بالمائة ووصل الشهر الماضي إلى نحو 74%، ولهذا آثار مهمة على الاستثمارات، ودليل على انتعاش الاقتصاد الحقيقي بعد أن وصلت الثقة بالقطاع الصناعي إلى 92.6 نقطة".

ويضيف أويصال لـ"العربي الجديد" أن "الصادرات والسياحة تأتيان بمقدمة دعائم الاقتصاد التركي، ونحن أمام انفراجات بعد أشهر كورونا، حيث تخطت الصادرات، خلال يونيو/حزيران الماضي، 13.4 مليار دولار، بزيادة أكثر من 15% عن يونيو/حزيران العام الماضي، وتقلص عجز الميزان التجاري بعد أن وصلت نسبة الصادرات إلى الواردات إلى 82.6%، مما يؤكد أننا أمام عودة الأمل بتحقيق حلم تركيا، بعد أن تراجع بواقع الضبابية التي لفت العالم بأسره خلال ذروة تفشي الوباء".

ويلفت المحلل التركي إلى أن "الأمل الأهم يكمن بعودة السياح، حيث تعول تركيا على 40 مليار دولار ونحو 50 مليون سائح، خاصة بعد استئناف بعض الرحلات الخارجية بعد تعليق لأربعة أشهر وخسائر قطاع الطيران وتوقف السياحة".

المساهمون