أما على المستوى العربي، فإن نسب التضخم في العالم العربي تخطت 10% العام الماضي، بحسب صندوق النقد العربي، وهي نسبة مرتفعة نسبياً مقارنة بالمعدلات المتعارف عليها عالميا.
وجاء ارتفاع التضخم عربيا نتيجة قيام الحكومات باتباع سياسات وإجراءات، تهدف إلى خفض مستويات الدعم خاصة بالنسبة للوقود والطاقة والسلع الغذائية، أو حتى تحرير الأسعار بصورة جزئية أو كلية. كما حدث في اليمن حيث قررت الاثنين تحرير سعر المشتقات البترولية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، ووسائل النقل، كما أدى ترشيد الواردات للعديد من السلع إلى رفع الأسعار بشكل كبير.
كما أدى انهيار أسعار النفط منذ العام 2014 إلى لجوء الحكومات العربية، لفرض سلسلة من الضرائب والرسوم وزيادة الجمارك لسد العجز المالي.
ومنذ بداية العام الماضي، بدأت معظم الحكومات بفرض الضرائب، والرسوم على السلع الرئيسية، ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار في العام 2018، بعد فرض العديد من دول الخليج ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية، وغيرها من الرسوم.
في هذا التقرير، نتعرف على الدول ذات معدلات التضخم الأعلى عربياً، مع تبيان الأسباب التي أدت إلى ارتفاع مستويات التضخم لمراحل لم تبلغها منذ الحرب العالمية الثانية:
مصر
بلغت معدلات التضخم في مصر العام الماضي مستويات قياسية، لم تبلغها قط منذ الحرب العالمية الثانية. ووصل معدل التضخم السنوي في مصر إلى 34.2% في يوليو/ تموز الماضي، وهو أعلى مستوى مسجل منذ أربعينيات القرن الماضي.
وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، فإن مستوى التضخم في البلاد خلال العام 2017، تراوح ما بين 22% و34%، ويمكن القول إن متوسط التضخم في 2017 سجل نحو 30%.
وكان التضخم بدأ موجة صعود حادة عندما تخلّت مصر، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، عن ربط سعر صرف الجنيه بالدولار، ورفعت حينها أسعار الفائدة 300 نقطة أساس، بجانب زيادة أسعار المحروقات.
ورغم تراجع التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن إلى 17.1% في يناير/ كانون الثاني من 21.9% في ديسمبر/ كانون الأول، الا أن هذا المعدل لا يزال مرتفعا مقارنة بأسعار الفائدة الممنوحة على الودائع وأسعار السلع السائدة في السوق.
وتنفذ الحكومة سلسلة إجراءات اقتصادية شملت زيادة أسعار الطاقة والدواء، وتحرير سعر الصرف، وتعديلات على قانون ضريبة الدخل، وإقرار قانون ضريبة القيمة المضافة.
ويشكو ملايين المصريين من أنهم قد لا يجدون قوت يومهم بعد زيادة أسعار الوقود وأسعار الدواء، وأسعار تذاكر قطارات مترو الأنفاق الذي يستخدمه ملايين المصريين، إضافة إلى رفع سعر تذكرة الباصات العامة، وغيرها من الخدمات.
السودان
مع مطلع العام الحالي، انطلقت احتجاجات مناهضة لقرار الحكومة السودانية برفع أسعار الخبز، الناتج عن ارتفاع "جوال" القمح من 150 إلى 450 جنيها سودانيا، ورفع رسوم الجمارك حوالي 300% عن السعر القديم، ما تسبب في زيادة أسعار العديد من السلع والمنتجات.
وبحسب جهاز الإحصاء، ارتفع معدل التضخم في السودان خلال شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2017، إلى 25.15%، مقارنة بـ24.76% خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
وعزت النشرة الرسمية الصادرة عن جهاز الإحصاء المركزي ارتفاع معدل التضخم إلى ارتفاع أسعار المجموعات السلعية والخدمية الـ 12 ممثلة في مجموعة الأغذية والمشروبات: السكن والمياه والملابس والأحذية ومجموعة المطاعم والفنادق ومجموعة الاتصالات. وكانت معدلات التضخم في البلد ناهزت 33% العام الماضي.
سورية
بلغت مستويات التضخم في سورية أرقاماً قياسية منذ 2011، وارتفع معدل التضخم في سورية إلى 579% في 2017 مقارنة بعام 2010، بحسب الدراسات الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء التابع لحكومة النظام السوري.
أكدت بيانات المكتب المركزي للإحصاء على زيادة التضخم بنسبة 500%، خلال السنوات السبع الأخيرة، وحتى شهر آذار/مارس الماضي.
وشهدت أسعار العديد من السلع الغذائية ارتفاعات في أسعارها، تجاوزت 300%، مقارنة مع العام 2010، كما تسببت الحرب، بوقف استيراد السلع، وهو ما انعكس سلباً على حركة الأسعار، كما انهارت قيمة العملة السورية بشكل كبير، ولم تتمكن أسر كثيرة من شراء حاجياتها الرئيسية.
اليمن
يعيش اليمن أسوأ أزمة اقتصادية وإنسانية، بسبب الحرب، وقد انعكست هذه الأجواء على معدلات التضخم، حيث تجاوز معدّل التضخّم السنوي في اليمن 30%. وتقلّصت القوة الشرائية إلى حدّ ملحوظ لدى اليمنيين، وفقاً لتقرير "حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2017" الصادر عن منظّمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو".
من جهة أخرى كشف مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في تقريره الصادر حول المؤشرات الاقتصادية عن تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن 2017، وقال إن الوضع الاقتصادي في البلاد لم يشهد أي تحسن بسبب الحرب، وارتفعت نسبة الفقر إلى 85%، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية بشكل لافت، وتراجع حجم استيراد المواد الغذائية وغيرها بسبب إغلاق الموانئ.
ليبيا
أظهر تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن معدل التضخم في ليبيا ارتفع إلى أكثر من 27% خلال العام 2017، مقارنة بـ 25.9% في العام 2016، وأرجع ذلك إلى التوسع السريع للقاعدة المالية على يد المصرف المركزي للدولة لمواجهة العجز المالي.
فيما أشار تقرير صادر عن البنك الدولي الى أن ليبيا تعاني من معدل تضخم مرتفع يبلغ نحو 33٪، فضلا عن فقدان القوة الشرائية للدينار الليبي بحوالي 80%.
الجزائر
وصلت معدلات التضخم في الجزائر 7% حتى نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفق الجهاز المركزي للإحصاء. وتزايدت الضغوط المالية على الجزائر خلال السنوات الأخيرة مع انخفاض أسعار النفط العالمية منذ النصف الثاني من 2014 في ظل اعتماد اقتصاد البلاد بقوة على العائدات النفطية، حيث تشكل مبيعات النفط والغاز 60% من الميزانية، و95% من إجمالي الصادرات.
وشهدت أسعار العديد من السلع والخدمات ارتفاعات كبيرة. وقامت الحكومة بالعديد من الإجراءات، لمعالجة الأزمة الاقتصادية منها التوسع في طباعة النقود لسد الفجوة التمويلية.
تونس
قال البنك المركزي التونسي إن معدل التضخم السنوي في البلاد ارتفع إلى 7.1 % في فبراير/ شباط من 4.6 % في الفترة ذاتها من 2017.
وأظهرت أرقام رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي بتونس أن معدل التضخم قفز إلى 6.3% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو أعلى معدل مسجل خلال 2017.
وقال الهادي السعيدي، مدير المعهد التونسي للإحصاء، إن التضخم جاء مدفوعا بارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث زاد مؤشر الطعام والمشروبات بنسبة 7.2%، كما زاد مؤشر أسعار الملابس والأحذية بنسبة 7.9%.
وكان صندوق النقد الدولي قد توقع أن يبلغ معدل التضخم في تونس خلال 2017 نحو 4.5 %.
وسجلت المنتجات الغذائية والملابس في تونس أعلى معدلات التضخم منذ عام 2010، وفقا لقائمة أعدها المرصد الاقتصادي التونسي، والتي تضمنت خمسة منتجات سجلت أكبر معدلات التضخم بين يناير / كانون الثاني 2010 ونيسان / أبريل 2017. وتظهر الأرقام ارتفاع معدلات التضخم في المنتجات الخمسة إلى أكثر من 60%.
تضخم عالمي
لم تكن معدلات التضخم المرتفعة، من نصيب الدول العربية فقط، فقد شهدت العديد من دول العالم معدلات تضخم مرتفعة، نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة، وأهم الدول ذات معدلات التضخم المرتفعة، فنزويلا، هي إيران، الأرجنتين، نيجيريا، وغيرها.
فنزويلا
تعد معدلات التضخم التي وصلت إليها فنزويلا الأعلى عالمياً، وصلت نسب التضخم في فنزويلا العام الماضي إلى مستويات قياسية، وبحسب البرلمان الفنزويلي، فإن معدل التضخم زاد في العام الماضي 2017 عن 2600%، في حين تراجع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 15%.
وقال رافاييل كوزمان عضو لجنة الشؤون المالية في البرلمان، إن "معدل التضخم لشهر ديسمبر/كانون الأول بلغ 85% ليصل بذلك إجمالي التضخم في 2017 إلى 2616%.
وأضاف أن فنزويلا "شهدت العام الماضي انهيار إجمالي الناتج العام بنسبة 15%". وتوقف البنك المركزي الفنزويلي منذ عامين عن نشر المؤشرات الاقتصادية.
حاول نظام الرئيس نيكولاس مادورو التصدي لارتفاع الأسعار الجنوني في 2017، بزيادة الحد الأدنى للأجور مرة تلو الأخرى، بمعدل مرة كل شهرين كان آخرها في 31 ديسمبر/كانون الأول.
وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي فإن معدل التضخم في فنزويلا سيصل في 2018 إلى 2350%. ومع هبوط أسعار النفط الذي يؤمن 96% من موارد هذا البلد، وانخفاض الإنتاج، اضطرت الحكومة إلى الحد من مشترياتها الخارجية بشكل كبير، ما تسبب بانقطاع في المواد الغذائية والأدوية والمواد الأولية.
نيجيريا
ارتفع التضخم في نيجيريا خلال يونيو/حزيران لأعلى مستوياته في 11 عاما تقريبا، وسجل مستوى التضخم منتصف العام أكثر من 16.5%، بحسب مكتب الإحصاءات العامة.
ووفق توقعات موقع Statista، فإن مستويات التضخم في أكبر اقتصاد أفريقي ناهزت 15% في العام 2017 الأمر الذي زاد من الضغوط على صانعي السياسة لرفع تكاليف الاقتراض.
إيران
انطلقت احتجاجات شعبية من مدن كثيرة في إيران، اعتراضًا على رفع أسعار بعض المواد الأساسية في السلة الغذائية الرئيسية في البلاد، بالإضافة إلى إعلان الحكومة رفع الدعم عن الوقود.
ووصلت معدلات التضخم وفق مركز الإحصاء خلال الشهور الـ 12 المنتهية في 21 ديسمبر/كانون الأول 2017، إلى 8 % قياسا بالفترة المناظرة 2016. وارتفع معدل تضخم السلع والخدمات الاستهلاكية أكثر من 7%.
الأرجنتين:
تعاني الأرجنتين من أزمة مالية كبيرة أثرت بشكل سلبي على اقتصاد البلاد، خاصة بعد انهيار أسعار النفط منتصف 2014، وبحسب الأرقام الرسمية، فقد بلغت معدلات التضخم في البلاد العام الماضي نحو 26.8%، وشهدت أسعار السلع الرئيسية ارتفاعات غير مسبوقة.
التضخم مستمر
تشير التوقعات إلى أن التضخم خلال السنوات المقبلة، مرشح للارتفاع عالمياً، في ظل غياب الإصلاحات الاقتصادية التي من شأنها، معالجة التضخم.
وبحسب تقرير صادر عن مركز statista للإحصاء، فإن معدلات التضخم عالمياً سترتفع حتى العام 2022.
وبحسب الأرقام، وصل معدل التضخم عالمياً في العام 2012 إلى 4.08%، وفي العام 2013 سجل 3.66%، أما في العام 2014 فقد سجل 3.26%، وفي 2015 انخفض ليسجل2.79%، أما في 2016، فقد بلغ 2.80%، وفي 2017، بلغ 3.15%، أما في 2018، فمن المتوقع أن يصل إلى 3.31%، ويستمر في الصعود، ففي العام 2019، من المتوقع أن يصل إلى 3.29%، وفي 2020، إلى 3.27%، وفي 2021، يسجل 3.20%، ويبلغ في 2022، نحو 3.23%.