هل تصلح الرياضة ما أفسدته السياسة؟

27 ديسمبر 2017
+ الخط -
نأمل، ويكاد ذلك أن يكون حلم كل خليجي، خصوصا بعد الجهود الحثيثة لأمير الحكمة، أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، وبذله الغالي والنفيس، لأجل المصالحة الخليجية في الأرض التي أصبحت لكل الأسر الخليجية المنتهكة حقوقها جرّاء إغلاق دول حصار قطر الحدود.
فرحنا برفع الإيقاف عن الاتحاد الكويتي لكرة القدم يوم 6 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وتتويج الفرح بتلك العودة، حتى على الأضواء على المباني بعيد قمة الخليج، بشعار #أزرقنا_باقي، وتتويج تلك العودة، بل النصر الرياضي، بعودة الكويت إلى التنظيم الكروي، بعيد أسابيع فقط من هذا الرفع، حيث انعقد، قبل أيام، في استاد جابر الدولي افتتاح منافسات كأس الخليج العربي لكرة القدم "خليجي 23" بحضور رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جياني إنفانتينو، وما يحمله ذلك من رسالة نصر ودعم للكويت، وتمكين عام لرسالة كرة القدم في تعزيز مبادئ الصداقة والسلام والمحبة وترسيخها، عبر الحدود التي نحن أحوج إليها في الخليج مما قبل.
فرحتنا للكويت وبالكويت عميقة، لأنها أهل لذلك، أميرها وحكومتها وشعبها على كل الأصعدة الرسمية والشعبية السياسية والرياضية، وما بينهما من أمور أخرى في المعالجة الخليجية، مما سيأتي ذكره، والتي يجدر بالخليج كله أخذ الحكمة منها، والسير على خطاها، خصوصا بعد التجربة المريرة التي عركتها وشعبها في ظل غزو صدام حسين لها، ونجاحها في تجاوز آثار الغزو، والتي لن نتحدث في تفاصيلها من مخططات دولية، ولكن عبرتها والأحداث حولنا تقول: "ما أشبه الليلة بالبارحة".

في وقت قياسي، سابقت الكويت الزمن، ونجحت نجاحا باهرا في تنظيم أكبر حدثين خليجيين، "قمة مجلس التعاون لدول الخليج" في دورتها 38 ودورة كأس الخليج لكرة القدم "خليجي 23". كان الرهان في الكويت فقط مع الزمن والتوقيت فاجتازته. وقد أذهل تنظيم القمة الخليجية الحضور من أول ابتسامة للمستقبلين في مطار الكويت، ومن استعداداتٍ في شوارعها، بناها التحتية، أسواقها، فنادقها، وفي قصر بيان، وعلى كل المستويات السياسية واللوجستية والإعلامية. ثم قدّمت اللجنة منظمة "خليجي 23" حفلاً مفعماً بالروعة لبطولة كأس الخليج، ضجّ بمعاني التآخي وبثّ الروح الخليجية الواحدة، وهي المشهورة أيضا بنجاحها الفني الباهر في الأوبريت الغنائي الذي ذكّر غافلين برسالة الفن الراقي في محفل رياضي، في ظل هذه الظروف السياسية الحرجة بعنوان "خليجنا إلى الأبد"، حيث تضمن تسع أغنيات متنوعة، تعزّز اللحمة الخليجية، ومواقف أهل الخليج على مرّ التاريخ.
حدثان ناجحان بجدارة ليسا جديدين على الكويت التي حملت على عاتقها، طوال الفترة الماضية، في ظل الجهود المباركة لأمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، مساعي الصلح الخليجي، ليس في جولاته المكوكية الرمضانية وبعدها بين دول الخليج، ولا في زيارته واشنطن ولقاء الرئيس ترامب بشأن الأزمة الخليجية فحسب، بل في مناقشة وضع هذه الأزمة، حتى في الإطار الداخلي الكويتي في افتتاح دور الانعقاد العادي لمجلس الأمة الكويتي، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، معلنا "أن الهدف الأوحد لدولة الكويت من الوساطة الخليجية إصلاح ذات البين وترميم البيت الخليجي، الذي هو بيتنا وحمايته من الانهيار"، موضحا أن "مجلس التعاون الخليجي هو شمعة الأمل في النفق العربي، وانهياره هو تصدّع لآخر معاقل العمل المشترك".
"قول وفعل" كما يقول المثل الخليجي، حيث حرص على عقد القمة، على الرغم من خذلان بعضهم له، ذلك أن همّ الخليج وحدة واحدة، وكلّ لا يتجزأ من الشأن الداخلي لكل قطر في الخليج. وحذّر أمير الكويت من احتمالات تطور الأزمة الخليجية، ودعا إلى الوعي بمخاطر التصعيد فيها، بما يعنيه ذلك من تداعيات إقليمية ودولية، تعود بالضرر على الخليج وشعوبه.
هل تصلح الرياضة ما أفسدته السياسة؟ نتمنّى ذلك، مع ما بين السياسة والرياضة من أمور أخرى، استغلت في التحريض، ولن يفلح الأمران ما لم تستقم بوصلتهما، ولكن لم تغفل عنها أيضا حصافة أمير الحكمة، مستغلا كل مناسبة أو محفل محلي أو دولي، للتنبيه إلى ضرر انحراف البوصلة، إذ حذّر أمير الكويت من مغبة ذلك، وشدّد على أن "التاريخ والأجيال لن تسامح من يقول كلمة واحدة، تساهم في تأجيج الخلاف الخليجي"، فدقّ ناقوس الخطر المحدق بالخليج من سوء استخدام الإعلام الاجتماعي، بحكمة الشيوخ فيه، والتي تعدّت نزق المراهقة السياسية عند بعض حكام الخليج، فقال في افتتاح دورة مجلس الأمة الكويتي: "من المؤسف والمؤلم أن البعض أساء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تحت ذريعة حرية الرأي والتعبير، وهو ما لا نقبل المزايدة في شأنه، واتخذوها وسائل لبث الأحقاد وإثارة الفتن والعداوة والبغضاء، وتأليب الرأي العام، والإساءة إلى حكومات ودول وشعوب الدول الأخرى، وصارت هذه النعمة نقمةً وخطرا يهدّد الأمن الاجتماعي، وقيم المجتمع وأخلاقه، ويوهن الوحدة الوطنية، ويصدّع الجبهة
الداخلية، ما يستوجب الإسراع بوضع حد لهذا التخريب المبرمج، عبر الآليات المناسبة، في إطار القانون، وبما يحفظ لمجتمعنا ثوابته ومكتسباته".
لم يتحدّث أمير الكويت من فراغ، ولم يدع إلى بدعة، فالثورة الرقمية التي تزعمها بعضهم، وقاد أدواتها في الخليج على عكس مرادها وهدفها، باتت، جرّاء التدخلات السلبية، ثوراتٍ مضادّة على الخليج وأهله وشعوبه، بل باتت كأسلحة الدمار الشامل والصواريخ العابرة للقارات، إذ تعدّت تلك التصريحات الثورية الرقمية الشأن الخليجي، أخيرا، إلى النيْل من الدول العربية والإسلامية المجاورة من أفواه ذوي الجوار، والتي تنبئ بمخاطر التصعيد فيها، وتداعياتها الإقليمية والدولية.
قال أمير الكويت كلمة نتمنى أن يعيها بعض إخوته الأشقاء الذين غابوا عن قمة مجلس التعاون، وهي أن وساطة بلاده ليست مجرد وساطة تقليدية "لطرف بين طرفين، بل طرف واحد مع شقيقين". والأهم قبل ذلك كلّه أن تعي أبواق الثورات المضادة سياسيا وإلكترونيا خطورة منهجية "نافخ الكير" على الخليج وشعوبه، وأن يحترم بعض القيادات في الشيخ صباح حكمة الشيوخ وفطنة القائد، ومعترك التجربة، وعبرة النهايات الملهمة في قوله تعالى "وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ"، وذلك بعد اتباع أهم استراتيجية تسلّحية في الكون "سنشدُّ عَضُدَك بأخِيك".
Twitter: @medad_alqalam
36E7A5AB-5C4F-4CC3-A27F-F8C022C765BC
36E7A5AB-5C4F-4CC3-A27F-F8C022C765BC
مريم الخاطر

كاتبة وباحثة قطرية، دكتوراه في أثر الإعلام الجديد "الاجتماعي" على التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي. متخصصة في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية. محاضرة في جامعة قطر، لها عدة مؤلفات.

مريم الخاطر