زياد عبد الصمد: لا تخدم الاقتصادات الوطنيّة
يعتبر المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، زياد عبد الصمد، أن كل الدول العربية التي شهدت تحولات سياسية خلال السنوات الأخيرة، استشعرت خطورة الوضع الاقتصادي الذي تواجهه، وتحاول اليوم عبر شتى الوسائل، ومن بينها تنظيم المؤتمرات الاقتصادية، دعم "استقرارها"، وذلك بالبحث عن استقطاب استثمارات أجنبية وضخ أموال لمساعدتها على تحقيق النمو.
ويرى زياد عبد الصمد، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن "الاعتقاد السائد حول قدرة المؤتمرات الاقتصادية على معالجة الإشكاليات الاجتماعية وضعف النمو الاقتصادي، خاطئ، إنْ لم تنخرط الدول التي تُقبل على مبادرات مماثلة، في إصلاح اقتصادي كلي ينعكس بالإيجاب على وضعية المواطنين".
ويقول عبد الصمد: "إن ما نشهده اليوم هو توجيه دعوات لدول تضم شركات استثمارية كبرى، من طرف دول تعاني من مشاكل اقتصادية، وتتطلع لتعزيز الشراكات والاتفاقيات معها. والحقيقة أن الخلفية الأساسية لمثل هذه المؤتمرات، هي سياسية بامتياز، وغايتها الأولى إظهار دعم هذا التوجه أو ذاك، بناءً على مصالح مشتركة بين ساسة الطرفين، دون أن يكون لكل هذا أثر في الواقع اليومي لمن هم في حاجة إلى نمو اقتصادي حقيقي".
ويضيف المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية: "إن موضوع التمويل والاستثمار الأجنبي مسألة مهمة، لكن قضية ربط استقطاب الاستثمارات بخلق التنمية وتوفير فرص العمل، ليست عملية ميكانيكية تجمعها علاقة سببية أو مباشرة"، لأنه، من وجهة نظره، يجب أن تتوفر عوامل عدة لكي تكون معادلة الربط قائمة على المنفعة العامة لموارد الدولة وظروف عيش مواطنيها.
ويتابع عبد الصمد شارحاً العوامل التي وضعها كشرط لتحقيق المنفعة، والتي تتجلى في توفير بنية قانونية شاملة مرتبطة بإصلاح اقتصادي كلي، ثم التوجه نحو دعم القطاعات الإنتاجية التي تخلق قيمة مضافة، وهي، بحسب عبد الصمد، القطاعات الزراعية، الصناعية، وقطاع الخدمات، وأخيراً الاعتماد على قطاعات قادرة على المنافسة على المستوى العالمي واقتحام الأسواق الدولية.
من جهة أخرى، ينتقد عبد الصمد ما تأتي به المؤتمرات الاقتصادية في كل مناسبة تعقد فيها داخل دولة ما، والتي تكون منطلقاتها وخلاصاتها محصورة في البحث عن استثمارات في القطاعات المالية أو العقارية، وهي القطاعات التي يرى فيها المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، غير ذات جدوى بالنسبة للدول التي تواجه مشاكل اقتصادية عميقة.
إلى ذلك، يشدد عبد الصمد على أن خطورة هذه المؤتمرات، تكمن في طرحها لتسهيلات وتحفيزات ضريبية، وقوانين لصالح مرونة الاستثمار، وكلها عوامل تخدم المستثمرين، وتخفف من أعبائهم ونفقاتهم، وتوفر لهم مناخاً استثمارياً عنوانه التسهيلات، دون أن يتم تقييدهم بالتزامات تجاه توفير فرص عمل مهمة، ودعم الحاجات الاجتماعية للعمالة، وكذلك الرقي بوضعيتها عبر اعتماد سلّم متحرك للأجور، يجاري ارتفاع أكلاف المعيشة المستمرة. وعلى العكس من ذلك، يضيف عبد الصمد، تؤدي التسهيلات مع المستثمرين، إلى شح موارد الدولة من الضرائب، دون أن تظهر للاستثمارات مساهمة قوية في دعم الاقتصاد الوطني لها، ما يزيد من الضغط على الظروف المعيشية للمواطنين.
ويؤكد المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، في ختام تصريحه، على ضرورة تجاوز الأشكال التقليدية لتنظيم المهرجانات الاقتصادية في الدول العربية، والتي يطلق فيها الساسة خطابات طويلة، بدل الانكباب على عقد ورشات ولقاءات عملية تقرّب وجهات النظر بين الحكومات والمستثمرين فقط.
خالد طريطقي: فرصة لتسويق الاستراتيجيات الاقتصادية
يرى المحلل الاقتصادي المغربي، خالد طريطقي، أن المؤتمرات الاقتصادية التي تنظمها الدول، ما هي إلا محطة تتوّج سلسلة من المفاوضات بين الشركات والمستثمرين والقطاعات الحكومية المالية والاقتصادية.
ويقول طريطقي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "إن هذه المحطات مهمة جداً لإشهار استراتيجيات الدول الاقتصادية والاستثمارية، حيث توفر فرصة عقد ورشات عمل يتعرف فيها المستثمرون على الفرص المتاحة داخل كل دولة لتوظيف الأموال". ويوضح كذلك أن "المؤتمرات أو المناظرات الاقتصادية توفر فضاءات للتعارف بين المستثمرين، وتساعدهم كذلك على اللقاء بالسياسيين، لمناقشة وتقييم مسارات التفاوض على العقود والاتفاقيات التي تم التشاور حولها على طول فترة الاستثمار".
من جهة أخرى، يعتبر طريطقي أن المؤتمرات الاقتصادية لها ثلاثة أدوار رئيسية، وهي: عرض المنظومة القانونية التي تنظم الاستثمار في كل دولة، خاصة الجانب المرتبط بالتسهيلات الضريبية والأنظمة الجبائية المتبعة وكذلك مدى توفر الوعاء العقاري لإنشاء المشاريع. وثانياً، طرح الاستراتيجيات القطاعية في مختلف المجالات، وأساساً المنتجة منها، كالصناعة والخدمات والزراعة والطاقة. بالإضافة إلى ذلك، فهي فرصة لتقديم البرنامج الاستثماري الفوري للدول، أو الذي تشتغل عليه على المدى المنظور، مع إعطاء تصريحات من السياسيين والمسؤولين توضح المشاريع التي أطلقت حولها طلبات عروض أمام الراغبين في توظيف أموالهم في مجال معيّن.
ويلخص المحلل الاقتصادي المغربي دور المؤتمرات الاقتصادية في "أنها خطوة تعريفية بالإمكانيات البشرية والطبيعية أمام المستثمرين. وهي كذلك محطة لتتويج مسارات التفاوض على الاتفاقيات والعقود بين الشركات والحكومات".
وعن وجهة النظر التي تعتبر أن المؤتمرات الاقتصادية المنظمة أخيراً في مختلف الدول العربية، ما هي إلى محطة للنقاش فقط، وطرح فرص في الأسواق المالية والعقار لا غير، يقول طريطقي إن الحديث اليوم عن الاعتماد على العقار وأسواق المال أصبح أمراً متجاوزاً منذ الأزمة المالية لعام 2008، بل على العكس معظم المؤتمرات التي عقدت أخيراً في مختلف الدول العربية، كانت لها أبعاد مختلفة، وبالأخص في المجالات المنتجة، مشيراً الى أن كل دولة تمتلك مؤسسة يطلق عليها غالبا وصف "وكالة التنمية والاستثمار"، يتجلى دورها في تتبّع ورصد واقتناص جميع الفرص التي نوقشت أو طرحت خلال المؤتمرات، ومهمتها كذلك مرافقة المستثمرين والشركات بتقديم النصائح والتوجيه نحو اهتماماتهم بتوظيف الأموال.
إقرأ أيضا: توفيق الجراح: الكويت تنفّذ 400 مشروع عقاري سنويّاً