تعاون استراتيجي بين السودان وأثيوبيا قد تدفع مصر ثمنه، ظهرت معالمه بإعلان رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريام دسالني، أمام برلمان بلاده، عزم حكومته على شراء أراضٍ سودانية لتشييد ميناء نهري خاص بها لتسهيل عملية نقل البضائع وعملية التصدير والاستيراد من وإلى أثيوبيا، لا سيما أن الأخيرة تُعدّ من الدول المعزولة التي لا تطل على أية بحار.
وأثارت الخطوة مخاوف مصر التي تشهد علاقاتها مع السودان توتراً مكتوماً بعد التحسّن النسبي الذي طرأ اخيراً إثر الزيارات المتبادلة بين الرئيسين السوداني عمر البشير والمصري عبدالفتاح السيسي، لا سيما أن هذه الخطوة قد تُنتج آثاراً سلبية حول المواقف الخاصة بتشييد سد النهضة. وتأتي تخوفات مصر وفق مراقبين، من كون الخطوة تمثّل ارتباطاً استراتيجياً بين السودان وأثيوبيا، الأمر الذي يقود الطرفين للتنسيق واتخاذ مواقف متفق عليها خصوصاً فيما يتصل بقضية سد النهضة، على الرغم من محاولات الخرطوم منذ اندلاع النزاع بين أديس ابابا والقاهرة حول السد، القيام بدور الوساطة من دون ترجيح كفة جهة على حساب الأخرى، خصوصاً في أروقة التفاوض، وإن كان موقفها المعلن تأييد السد باعتباره قد يوفر لها مكاسب تتصل بإنتاج الكهرباء.
وتؤكد مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، أن الخرطوم أعطت موافقة رسمية لأديس أبابا بشأن أرض الميناء، وأن الطرفين بدأا فعلياً في بحث الإجراءات المتصلة بعملية البيع وطريقة الدفع فضلاً عن مدة الإيجار، باعتبار أن الأرض التي ستستثمرها أثيوبيا لن تكون ملكية خاصة وإنما ستستثمرها لأعوام تصل إلى خمسين عاماً. يُذكر أن وزير المالية الأثيوبي أحمد شيدي، أنهى زيارة إلى الخرطوم الأسبوع الماضي، بحث خلالها هذا الموضوع.
وأدت الخرطوم أخيراً دوراً بارزاً في التقارب الأثيوبي السعودي، على الرغم من الوجود السعودي في أثيوبيا ممثلاً في استثمارات وصلت قيمتها إلى 13 مليار دولار، الأمر الذي مثّل مزيداً من التنسيق.
فقد قام رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريام بزيارة إلى الرياض على رأس وفد كبير ضم إليه وزراء الدفاع والخارجية والمالية. ووفقاً لمصادر، فإن السودان أدى دوراً كبيراً في تسهيل تلك الزيارة والتي أتت في سياق محاولات السعودية التركيز على علاقاتها مع منطقة القرن الأفريقي فيما يتصل بعلاقاتها الاستراتيجية في اليمن ومواجهة الأطماع والنفوذ الإيراني، لا سيما أن زيارة مريام تلت زيارة الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيله للمملكة.
اقرأ أيضاً: مصر: أزمة المياه تضاعف المخاوف من سد النهضة
وقبل فترة وجيزة كانت هناك اتهامات لأديس أبابا باحتضان وتدريب الحوثيين، وذلك على خلفية العلاقة الوطيدة التي كانت قائمة بين نظام الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح والنظام الأثيوبي إبان حكم الأول وتكوين الطرفين إلى جانب السودان ما يُسمى بحلف صنعاء في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2002، والذي أُنشئ لإقامة علاقة تعاون بين دول جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وفق ما أُعلن حينها.
في المقابل ومع انطلاق الانتخابات النيابية في مصر وإجرائها في مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه بين الخرطوم والقاهرة لنحو نصف قرن في تجاهل تام للتمسّك السوداني بالمنطقة، ارتفعت حدة التوتر مجدداً بين الدولتين. ففي أول ردة فعل من جانب السودان على تلك الانتخابات، أعلن الرئيس السوداني عمر البشير، أن منطقة حلايب وشلاتين سودانية، وأن لا تنازل عنها، على الرغم من تأكيده حرص الخرطوم على حل النزاع بعيداً عن التصعيد العسكري أو السياسي أو الإقليمي والدولي. وطالب البشير في تصريح لوسائل إعلام محلية، السعودية بالتدخل والوساطة لحل النزاع سلمياً، مؤكداً أن الرياض مؤهلة للقيام بهذا الدور. ولأول مرة أقر الرئيس السوداني بوجود خلاف مع مصر بسبب احتجاز الأخيرة لعشرين عاملاً سودانياً ورفضها إطلاقهم إلا بعد وساطة سعودية، إذ أُفرج عنهم قبل أقل من أسبوعين. فقد قال البشير: "نأمل في دور سعودي في حل النزاع سلمياً مماثل لدورها في حل أزمة العمال".
ويقول المحلل السياسي عبدالمنعم أبوادريس، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن أي تحرك بين أديس أبابا والخرطوم يثير قلق مصر في ظل توتر العلاقة بين القاهرة وأديس أبابا وتعثّر المفاوضات بشأن سد النهضة. ويوضح أن "خطوة إنشاء ميناء لأثيوبيا ليست جديدة فهناك اتفاق بين البلدين لاستفادة أديس أبابا من ميناء بورسودان السوداني"، لكنه يلفت إلى أن "بناء ميناء منفصل لأثيوبيا داخل الأراضي السودانية يُمثّل تطوراً كبيراً في علاقة البلدين ويقود لمزيد من التحالفات وتنسيق المواقف، خصوصاً في القضايا الاقتصادية".
من جهته، يرى المحلل عبدالله إبراهيم، أن المشروع من شأنه أن يثير قلق مصر الأمني والاستخباراتي، كما أن التقارب التجاري والاقتصادي بين الخرطوم وأديس أبابا من شأنه أن يقوي اتفاق الدولتين بشأن سد النهضة، الأمر الذي تعترض عليه القاهرة، لا سيما أنه سيجعلها الحلقة الأضعف في النزاع باعتبار أن المصالح التي تجمع الخرطوم وأديس أبابا أكبر.
يُذكر أن وزير الري المصري حسام مغازي، زار الخرطوم أخيراً لساعات، في زيارة غير معلنة وتُعدّ الأولى من نوعها، وجاءت بعد فشل عدة اجتماعات دعت لها مصر بعد انسحاب الشركة الهولندية والفرنسية وتأزم التفاوض حول سد النهضة.
اقرأ أيضاً: الحكومة المصرية تسعى لاجتماع حول سد النهضة لتدارك الفشل