هل تدفع التظاهرات العمالية الفرنسية الحكومة لتنازُلاتٍ؟

15 يونيو 2016
فرنسا تعيش على صفيح بسبب التظاهرات (فرانس برس)
+ الخط -
توعّد زعيم نقابة "سي جي تي"، فيليب مارتينيز، السلطات الفرنسية، قبل أيام، بتظاهرة ضخمة منددة بقانون الشغل الجديد، تفوق سابقاتها، ونفّذ وعده، أمس الثلاثاء، بحيث خرج في شوارع فرنسا ما يقرب من مليون و300 ألف متظاهر، غالبيتهم في العاصمة باريس.


وكانت التظاهرة الباريسية التي شاركت فيها نقابات عمالية عديدة رافضة لقانون الشغل، كنقابة "القوّات العمالية" و"سود" و"صوليدير" وغيرها، ونقابات طلابية عديدة، تردّد، أساسا، الشعارات السابقة نفسها الداعية إلى إلغاء هذا القانون وإلى معاودة التفاوض مع النقابات. وهو ما لم يتمّ في السابق، بحيث تم استدعاء النقابات في اللحظة الأخيرة لوضعها أمام الأمر الواقع.

ولكن ما الذي تستطيع أن تحققه هذه التظاهرات الضخمة؟ وللإشارة فتظاهرة باريس شابتها مناوشات عنيفة بين الشرطة وعصابات ملثمة من الفوضويين كسرت العديد من الواجهات الزجاجية. واستخدمت فيها الشرطة الفرنسية خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع، نتجت عنها حالات إغماء كثيرة، واعتقال العشرات من المتظاهرين.

وتأتي هذه التظاهرات، التي أطلق عليها البعض التظاهرة الوطنية الكبرى، قبل لقاء أخير وحاسم، يوم الجمعة 17 يونيو/ حزيران، يجمع وزيرة العمل مريم الخمري مع زعيم نقابة "سي جي تي"، أو "المُعارِض الأهم" للحكومة، كما تصفه كثير من الصحف الفرنسية.

وتجدر الإشارة إلى أنه ستنظم في هذا اليوم، وفي إطار التظاهر ضد قانون الشغل والمطالبة بسحبه، عملية "قرع الأواني"، والتي تهدف إلى خلق أكبر قدر من الضجيج ضد قانون الشغل. وستبدأ التجمعات، وهي تقدّر بالمئات، مساء الجمعة عند الساعة السابعة والنصف مساءً، للنقاش، قبل أن تبدأ بشكل متزامن على امتداد التراب الفرنسي عملية "قرع الأواني"، والتي سيتم نقلها للرأي العام عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

وهناك ثمة بعض الأمل الضئيل في إدخال الحكومة تعديلات صغيرة على القانون، على الرغم من التشدد الظاهر الذي يبديه رئيسا الجمهورية فرنسوا هولاند والوزراء مانويل فالس، حول تطبيق القانون.

ويأتي ذلك رغم تهديدات فالس بفرضه بالقوة في البرلمان، وعلى الرغم من المزايدات اليمينية التي تمتلك الغالبية في مجلس الشيوخ، والتي هي بصدد تشويه النسخة الأصلية للقانون وإدخال تعديلات جوهرية لصالح أرباب العمل، أثناء النقاش المتواصل حول هذا القانون، في هذا المجلس، قبل أن يعود، ثانية، إلى مجلس النواب.

ويطالب بالتعديلات حتى بعض أعضاء في الحكومة وممثلون للتيار اليساري في الحزب الاشتراكي، وخاصة البند الثاني، تحفظ ماء الوجه للزعيم النقابي، وتحافظ على ما يشبه شعرة معاوية بين هولاند والنقابة التي صوَّتت لصالحه في انتخابات 2012، وهو ما يدينه ساسة وصحافيون يمينيون.

وإذا كانت كثير من الشعارات في تظاهرات 13 يونيو/ حزيران ما تزال تصرّ على مواصلة النضال، عبر مختلف أشكاله، لإفشال قانون العمل، إلا أن أكثر من ثلاثة أشهر من الإضرابات والاعتصامات والحصارات أنهكت المتظاهرين، نفسيا وماديا (لأن المضربين لا يتلقون رواتب).

وبدأ الإنهاك في خلق شرخ، لا يمكن إخفاؤه، بين جمهور المضربين وبين الرأي العام، (الذي لم تتوقف وسائل الإعلام الفرنسية، التي يمتلك غالبيتها رجال أعمال كبار، عن تهييجه وتحريضه ضد النقابات والعمل النقابي)، الذي كان يناصرهم، بِنِسب عالية (ما تزال غالبية الفرنسيين ترفض قانون الشغل الجديد، لحد الآن!)، في بداية الصراع الاجتماعي.



وتطمح النقابات، وعلى رأسها سي جي تي، في ظل هذه الأجواء غير المناسبة لمواصلة الإضرابات، والتي تتمثل في تواصُل مباريات أورو 2016، التي تريدها فرنسا أعراساً واحتفالات لترويج سياحتها في ظل وضع اقتصادي سيئ، وفي استمرار التهديدات والاعتداءات الإرهابية.

وهو ما يستوجب تماهياً بين الشعب وشرطته، كما حدث بُعيْد الاعتداء على شارلي إيبدو، وأيضا مع اقتراب عطلة الصيف التي تتوقف فيها كل حركة اجتماعية، في حدوث اختراق رمزي، ولو صغير، في قانون الشغل.

كما تسود رغبة في الانكفاء على الإنجازات النقابية والطلابية التي تم تحقيقها في قطاعات أخرى (من بينها الاتفاق مع نقابة سي جي تي ونقابات أخرى في قطاع القطارات)، والتي أراد بها فالس ممارسة سياسة "فرّق تَسُد"، من أجل تفكيك تحالف مختلف القطاعات وكسر الإضرابات.

ولأن "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فإن الزعيم اليساري جان-لوك ميلونشون، الذي كان حاضرا في تظاهرة باريس، والذي أعلن قبل أيام، في ساحة ستالينغراد الباريسية، عن بدء حملته الانتخابية "فرنسا المتمردة"، هو الفائز، لحد الآن، من هذا الصراع بين النقابات والحكومة. إذ إن آخر استطلاع للرأي، أجري ما بين 10 و12 يونيو/ حزيران 2016، وضعه أمام فرانسوا هولاند، لو فكّر في الترشح مرة ثانية.

ويرى مراقبون أنه من مصلحة فرانسوا هولاند أن ينتهي، بسرعة، من هذا الصراع المُدمّر، من أجل مستقبله السياسي، ومن مصلحة النقابات أن تستريح، ولو استراحة محارب، حتى تستعد لفرنسا أخرى في حالة عودة يمين "انتقامي".

كما أن من مصلحة الفرنسيين أن يستمتعوا، بشكل أفضل، بالعُرس الكروي الأوروبي، الذي لم يَخْلُ من منغّصات.

المساهمون