هل تتجدّد الديكتاتورية في ليبيا؟

03 مارس 2016
+ الخط -
من أولويات ثورة فبراير في ليبيا، والتي أسقطت نظاماً شمولياً، لا يخضع لشرع ولا قانون ولا عرف، إسقاط الديكتاتورية وسلطة حكم الفرد الواحد. وبالتالي، كان هذا من أسباب نجاحها، بغض النظر عن الأسباب الأخرى. ولم تكن ديكتاتورية النظام السابق وليدة من يومه الأول، بل احتاج صانعوها إلى وقت طويل لترسيخها، في نظام كان يصور نفسه نموذجياً، ومخالفيه مفسدين لا يستحقون حتى العيش.
قامت ثورة فبراير وأسقطت ذلك النظام من جذوره. سقط، بدايةً، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلم يبق حتى من يذكره من المدافعين عنه، إلا قليلا، وبدأت الثورة تسير، ونظام الحكم الجديد للدولة في خط قريبٍ من الاستقامة في بناء الدولة، غير أن الثورة المضادة استطاعت، بعد وقت، أن ترسم ملامحها بدعمٍ من دولٍ ترى نجاح الثورة زعزعة لنظامها، فبدأت في صناعة المؤامرات، واحدةً تلو الأخرى ضدها، لكنها لم تستطع الوصول إلى مرادها في ذلك، طوال السنوات الماضية من عمر الثورة، غير أنها استطاعت أن تفرض وجودها، ولو جزئياً، على الساحة السياسية للدولة، متمثلة بتحالفاتٍ مصلحيةٍ قديمة جديدة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، وبعد خمس سنوات من عمر الثورة الليبية، هل يمكن أن تعود الديكتاتورية إلى البلاد؟
وللإجابة، هنا محاولة التعرف على ملامح ديكتاتورية النظام السابق، لنرى هل يمكن أن تتجدد بآليات أخرى مشابهة، أو أنها في حكم المعدوم الذي يستحيل إعادته، ومن هذه الملامح:
"الشعارات الوهمية"، حيث كانت آنذاك لها صدى كبير بين الشعوب العربية على العموم، ومنها شعارات القومية التي نجحت، ولو نسبياً، في دغدغة الشعوب العربية واستمالتها للأنظمة الحاكمة آنذاك ومنها الليبية، غير أنها في الحقيقة لا تعدو كونها شعارات وهمية، تُرسّخ مبدأ سلطة الحاكم الواحد لا أكثر، وخير دليل على ذلك عدم استطاعتها تحقيق مصلحةٍ واحدةٍ لشعوبها، بل إنها جلبت لهم مشكلاتٍ أثقلتهم، وما زالت تبعاتها تلاحقهم. أما شعارات ديكتاتورية اليوم اختلفت كثيراً تبعا للأزمنة، ففي الديكتاتورية الساقطة كانت الشعارات محصورة للعرب خصوصاً، أما اليوم فهي شعارات عالمية، استغلها واستفاد منها من يريد العودة إلى الديكتاتورية، وبالتالي، تغليب الثورة المضادة، والرجوع إلى حكم الفرد بمفهوم آخر.
"الإنجازات الوهمية". في الديكتاتورية الساقطة كان من أهم إنجازاتها المتوهمة سياسياً العداء
للدول الغربية، دفاعاً عن القضايا العربية! وهذا نقيض الواقع. أما اقتصاديا استثمار الثروات النفطية للبلاد، واستغلالها في ترسيخ السلطة المطلقة للحاكم، وكذلك بناء مؤسسات الدولة على هذا النهج. وبعد الثورة، لم يستطع من أراد العودة إلى الديكتاتورية السير على هذا المنهج، وإنْ كان مؤقتاً، إلا أنه استعمل أدوات أخرى مختلفة عن الأولى، ومنها استعادة الأمن ومحاربة الإرهاب، ليدغدغ بالأولى أتباع الأنظمة الساقطة، وبالثانية محاولة لإرضاء الدول الكبرى.
"التدمير". من سمات الديكتاتورية في كل مكان وزمان بدايتها وقوامها على التدمير أولاً، ومن ثم التحول إلى البناء الموهوم ثانياً، وهو عادة ما يكون، إن وجد، مصبوغا بصفات الشخصنة، والتي لا ترتقي أصلاً إلى البناء الحقيقي من الناحية المادية. ومن الناحية المعنوية، لا يعدو كونه بائع أوهام لشعبه، لا أكثر .
عند النظر إلى هذه الملامح وغيرها، نجد أن الثورة الليبية كانت منعطفاً حقيقياً، في محاولة منع استرداد هذه الديكتاتورية، وإن كان هناك، مجازاً، فصيل سياسي يتجه نحو الثورة المضادة، بل بدايات الديكتاتورية بكل وضوح، وذلك بالتمجيد للشخص الواحد وجعله منقذاً، وتهميش كل ما يخالفه. وعلى الرغم من أن هذا الفصيل السياسي استطاع جذب بعض المواطنين ممن تربوا في عصر الديكتاتورية السابقة، إلا أن هذا المواطن بدأت تنجلي أمامه هذه الظلمة سريعاً لتبث له زيف ادعائه، وإن تشبث بها يوماً. وفي المقابل، نجد الشعب يرفض التمجيد والعودة إلى الديكتاتورية المقيتة، وهذا ما كان واضحاً في الذكرى الخامسة للثورة. ويبين لنا أيضاً أن التغلب على الديكتاتورية لا يكون بإسقاط رأسها فقط، بل يجب المحافظة على عدم قيامها مرة أخرى، وإن كانت بأشكال مختلفة، ولا يكون هذا إلا بالتفكير بروح الثورة، وأنها ما زالت قائمة. وليست مرحلة سقوط النظام السابق، كما تسوق نخب، نهاية الثورة، الصحيح هو العكس، فمرحلة السقوط هي البداية، لأن الصراع مع أتباع الديكتاتورية سيستمر بألوانٍ مختلفة، فهؤلاء يحاولون أن يجعلوا ممن أسقطها يوماً يُحييها في اليوم التالي، وهذا ما وقع لبعض الثورات العربية، ليجعل كثيرين جازمين بأن الثورة لا تقف أبداً إلا عند نجاحها التام، وإفشال الثورة المضادة التي لن تنجح، ما دامت روح الثورة تسري بين أبنائها، وأنهم لن يسمحوا أن يقطف ثمارها ديكتاتوريون جدد.