ويتأرجح الموقف داخل الحزب بين مؤيد ورافض، ويتهدده الانقسام، لا سيما بعد التلويح بالاستقالات في صفوف كتلته البرلمانية إن لم يغيّر الشاهد بعضاً من المواقع في حكومته.
وتعد استقالة النائب خنساء بن حراث من الحزب والكتلة البرلمانية، رسمياً، اليوم الثلاثاء، أول مؤشرات أزمة كبيرة قد تعصف بـ"النداء".
ولم تشرح النائب خنساء بن حراث، في تصريحها لـ"العربي الجديد"، أسباب الاستقالة، مكتفية بتأكيدها على تقديمها استقالة من الكتلة ومغادرة الحزب، وأنها ستشرح، في رسالة مفصلة لاحقاً، جميع الأسباب، لكن مصادر من "النداء" أوضحت، لـ"العربي الجديد"، أن بن حراث، والتي تحملت مسؤوليات مهمة في الحزب وفي هيئته السياسية، إثر مؤتمر سوسة بداية السنة، لم تعد قادرة على تحمل الضغوطات التي تتعرض لها في إطار موقعها في الحزب، علاوة على أنها لوحت في اجتماعات الهيئة السياسية، منذ أيام، باستقالتها، احتجاجاً على تسمية أحد الولاة الندائيين في موقع وزاري، متعللة بفقدانه الكفاءة والأهلية لهذا المنصب، وعدم تمثيل جهتها (محافظة الكاف شمال غربي الجهة) في حكومة الشاهد.
وتصرّ مصادر "العربي الجديد" على أن "استقالة بن حراث ليست نهائية، وقد تتراجع عنها خلال الأربع وعشرين ساعة المقبلة"، وهي المهلة التي ضربها الشاهد لوفد من "كتلة النداء" معترض على تشكيلة حكومته، لدراسة مقترحاتهم والرد عليها.
وفي حال قبل بالتغييرات المقترحة، فإن بن حراث قد تلتحق مجددا بصفوف الحزب. وتعد هذه الاستقالة مؤشرا عما يشهده الحزب من غليان تسعى قيادات "النداء" لإخفائه والتأكيد على أن الحزب موحد لا تشوبه شائبة.
ولا يعتبر الخلاف داخل "النداء" وليد الأمس القريب وناتجا عن تشكيلة الشاهد، وإنما له جذور تعود إلى شهر أبريل/نيسان الماضي (الأيام البرلمانية للكتلة النيابية 23 و24 أبريل/نيسان)، والذي أعلنت فيه الكتلة رفضها لما اعتبرته تهميشاً لها داخل الحزب، وأقرت خلاله استقلالية قرارها عن الهيئة التأسيسية، وهو ما اعتبره آنذاك رئيس الهيئة، رضا بالحاج، "تمرداً من الكتلة على الحزب" ليستقيل لاحقاً من "النداء" للسبب ذاته.
وتواصل بعد ذلك مسلسل الخلاف بين الكتلة والهيئة السياسية، على الرغم من أن التوقعات إثر انتخاب رئيسها الجديد، سفيان طوبال، كانت مخالفة للواقع، نظراً لقربه من المدير التنفيذي للحزب، نجل الرئيس التونسي حافظ قائد السبسي.
ويبدو أن السبسي يواجه خلافاً مع رئيس الكتلة، خرجت للعيان يوم أمس، إذ قاطع قائد السبسي الابن مداخلة لطوبال في إذاعة خاصة، قائلاً إن موقف الحزب من الحكومة تم تبليغه للشاهد بواسطة ممثلي هيئته السياسية وعبر بلاغ رسمي ممضى من طرفه.
ويؤكد من جانبه عضو الهيئة السياسية لـ"حزب النداء"، منصف السلامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بعض أعضاء الكتلة لديهم تحفظات على الحكومة المقترحة، وقد أبلغوها لرئيس الحكومة المكلف، والذي تفاعل معها إيجابياً ووعدهم بالنظر في مؤاخذاتهم، وأضاف أن الكتلة ملتزمة بالانضباط بقرارات الحزب، وأبلغ رئيس الهيئة السياسية في اجتماع انعقد اليوم مساندته للحكومة.
ونفى المتحدث ذاته أن يكون إعفاء وزير الصحة، سعيد العايدي، من بين أسباب احتجاج بعض نواب الكتلة، مؤكدا أن الشاهد عرض على العايدي حقائب وزارية غير الصحة، إلا أن هذا الأخير تمسك بالمغادرة في حال لم يواصل عمله على رأس وزارة الصحة.
وفي تقدير المنصف السلامي، فإن "الشاهد لن يدخل أي تغييرات على التركيبة المقترحة"، مبرزاً أن "التحدي الأهم للشاهد وحزبه النداء هو الخروج بالبلاد من الركود الاقتصادي الذي تعيشه، وإحداث انتعاشة، وهي المعركة الكبرى التي سيخوضها، بدل الخلافات الواهية حول الأسماء"، مؤكدا أن "المسألة لا تتعلق بشخصيات بعينها".
وعلى الرغم من ذلك، يبقى جانب من الخلاف داخل "النداء" متعلقاً بأسماء قدمها حافظ قائد السبسي بإيعاز من بعض قياديي الحزب، حازت على موافقة الشاهد على حساب نواب من "كتلة النداء"، وفق ما كشفته مصادر متقاطعة لـ"العربي الجديد"، خاصة محافظ جهة الكاف، رضوان عيارة، والذي انتمى لـ"التجمع الدستوري" (حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي)، وكان محل مقاضاة من التونسيين في الخارج أمام المحاكم الألمانية، وأسند له الصيد، بضغط من قيادات ندائية، مهمة محافظ الكاف (شمال غربي البلاد)، وهي مهمة لم يوفق فيها أيضاً، إذ منع منذ أشهر من دخول مكتبه.
كما تم الاعتراض على تولي غازي الجريبي حقيبة العدل خلفاً لعمر منصور، خاصة أنه يحظى بدعم زعيم حزب "مشروع تونس"، محسن مرزوق، والذي فضل "المشاركة المقنعة" في الحكومة والتصويت لنيلها الثقة على التحاق نائبين من كتلته في البرلمان بالحكومة، وهما بشرى بلحاج حميدة وحسونة الناصفي، وانتفض نواب من "كتلة النداء" على الشاهد وعلى قائد السبسي الابن احتجاجاً على قبول هذه المقايضة.
وأوضح القيادي في "النداء" وعضو الهيئة السياسية، محمد بن صوف، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن جزءاً كبيراً من الكتلة النيابية مساند لمقترح الشاهد، "وهو ما يعني وفق عملية حسابية أن حصوله على الثقة من طيف واسع من النواب أمر مؤكد، ومن المسلم به أنه سيحصل على ما يفوق الأربعين صوتاً من "كتلة النداء" (66 نائباً) إذا ما تحفظ بعض أو اضطر آخرون للتغيب"، ولفت صوف إلى أن الشاهد حر في اختيار من يعمل معه، مستبعداً بدوره أن يدخل رئيس الحكومة المكلف أي تغيير على تركيبة حكومته.
في المقابل، شدد النائب محمد رمزي بن خميس، عضو الوفد الندائي الذي التقى الشاهد أمس لتبليغه المؤاخذات على اختياراته، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الوفد قدم نصائح للشاهد لا طلبات، وأن "الأمر لا يتعلق بلي ذراعه".
وفسر بن خميس موقفه ومناصريه بأن التركيبة عليها مؤاخذات بشأن خروج "الاتحاد الوطني الحر" من الحكومة، واقترح على الشاهد مراجعة هذه المسألة، بالإضافة إلى مؤاخذات حول عدم تمثيل عدد من الجهات في الحكومة، وأن بعض الوزراء المقترحين سيسيرون وزارات تقنية ليست من اختصاصاتهم، و"عليه وجب تغيير موقعهم".
ولم يدع الوفد إلى تنحية من جرى التحفظ على مواقعهم، بحسب المتحدث ذاته، موضحا أنه في حال قبل ضم "الوطني الحر" فإن بعض الكفاءات غير المتحزبة قد تعفى من مهامها، ويتم تغيير المواقع في الحكومة، بما يضمن الإبقاء على التنوع السياسي الذي تتضمنه وتضمن به الوحدة الوطنية.
وأكد بن خميس أن الشاهد يتجه نحو قبول المقترحات، وتعهد بالرد عليها خلال أربع وعشرين ساعة، "ما يعني أن الجلسة العامة المخصصة لنيل الثقة قد تؤجل، وأنه في حال لم ينظر في المؤاخذات فإن الكتلة ستصوت لصالح منحها الثقة، لكن الأمر لا يخلو من بعض الأصوات المتحفظة".
وأكدت مصادر مقربة من رئيس الحكومة المكلف أن تغييراً من المرجح إدخاله على الحكومة خلال الساعات المقبلة.