30 أكتوبر 2024
هل العراق دولة آمنة؟
إذا كنت مقيما في العراق، ثمّة احتمال مقلق أن يكون طفلك من بين الأطفال الاثنين والأربعين الذين يُختطفون شهريا، هذا ما يوثقه تقرير للأمم المتحدة يفيد بأن عدد الأطفال المختطفين في العراق على مدى السنوات الثلاث الماضية وصل إلى 1496، يضيف إليه متابعون ما يساوي هذا العدد من أطفالٍ لم توثق حالات اختطافهم، أو لم يتم الإبلاغ عنها لسبب أو لآخر. وللتاريخ فقط، لم يسجل العراق في سبعين عاما منذ الاستقلال وحتى سقوط بغداد عام 2003 مثل هذا العدد لحالات خطف الأطفال، بل لم يعرف حالاتٍ كهذه إلا نادرا، زادتنا منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسف) أن واحدا من كل خمسة أطفال في العراق معرّض اليوم لخطر الموت أو الاختطاف أو العنف الجنسي.
هذا عن الأطفال، وماذا عن الآخرين: رجال ونساء، شباب وشيوخ؟
إذا كانت زوجتك أو شقيقتك ناشطةً مدنية، تطالب بحقوقها الطبيعية، أو ترفع صوتها في ساحات البلاد، أو تنتقد وصفة التقسيم الطائفي التي جاء بها بول بريمر، أو تُجاهر بإدانة المفسدين، فهناك احتمال أن يكون اسمها على "لائحة الانتظار"، بعد أفراح شوقي وغفران فاضل وغيرهما ممن لم تصل أسماؤهن إلينا بعد. أما إذا كنت من منتسبي الجيش السابق، فيمكنك مشاهدة لائحة طويلة على "النت" بأسماء أقرانك ومجايليك الذين شملتهم التصفية، أو كنت صحفيا وقد قتل أكثر من 20 صحفيا في العام الفائت فقط، أو طبيبا، وقد اغتيل أو اختطف أكثر من ألفي طبيب على مدى السنوات العجاف، أو أستاذا جامعيا أو رجل أعمال أو.. أو.. إذا كنت من هؤلاء، وحاولت أن تتخطى الخطوط الحمر، في ظل ديمقراطية تجار الطوائف ورؤساء العشائر وسياسيي المصادفة، فعليك توقّي الحذر، لأن قرار تصفيتك موجود، ولم يبق سوى تحديد ساعة الصفر.
لا تنسَ أن مسؤولين رسميين يشاركوننا هذه الصورة القاتمة. يعلمنا المسؤول الأمني لمحافظة بغداد أن القوات الأمنية رصدت 15 عصابة متخصصة بالاختطاف في بغداد وحدها، تستخدم هويات رسمية وسيارات حكومية، ومرتبطة بجهاتٍ سياسية. ويؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، عمار طعمة، أن تلك العصابات تمتلك سلاح الدولة، وتستخدم سياراتها، وتتجول بحرية. وكان وزير الداخلية المستقيل، محمد سليم الغبان، قد صارحنا سابقا أن "حالات الخطف تقف وراءها جهات سياسية"، ومثل هذا قاله الرجل التنفيذي الأول في الدولة، حيدر العبادي.
وثمّة تقارير موثقة عن تصاعد ظاهرة الجريمة المنظمة وسيادة العنف، على نحوٍ لم يألفه العراق من قبل، وبأنماطٍ تستهدف كل شرائح المجتمع، ومن مختلف الأعمار، ومن بينها جرائم اغتصابٍ، وقتل، وسطو مسلح، ومتاجرةٍ بالأعضاء البشرية، على أن الأخطر من ذلك هو دخول العاملين، السياسي والطائفي، في هذه الجرائم، إذ هناك عصابات تعمل لحساب جهاتٍ سياسيةٍ نافذة، وهناك مليشيات سوداء تعمل لحساب جهاتٍ أجنبية، ولديها خطط بتصفية ناشطين سياسيين، أو ضباط وعسكريين ساهموا في الحرب على إيران، أو مثقفين وإعلاميين جاهروا بانتقاداتهم لدور المليشيات المتنامي، ورفعوا أصواتهم ضد ما يجري على صعيد السلطة والحكم من عمليات فساد وإفساد ونهب منظم.
وقبل بضعة أيام فقط، تحدثت الصحف والفضائيات عن اختطاف الناشطة غفران فاضل ووالدها وابنها عبد القادر ماجد موسى، وقبل أن تكتمل فصول هذا المسلسل المروّع كشف عن اختطاف صاحب محل أدوية في وسط بغداد، ورجل أعمال وسط البصرة، وفي وضح النهار.
يخوض العراق منذ أربع عشرة سنة عجفاء غمار تراجيديا دموية ممتدة من دون نهاية، أحد مظاهرها الخطف اليومي لمواطنين تختلف دوافع اختطافهم، ولا يجرؤ مسؤولٌ أن يقول ما يعرفه، والمواطن نفسه في حالة انعدام الأمان، صامت، لا يستطيع أن يطمئن لا على نفسه، ولا على عرضه، ولا على ماله.
وضع هذا العراق في المرتبة الثانية والستين بعد المئة في التقرير السنوي العاشر لمؤشر السلام والأمن العالمي للعام الماضي، ولا توجد بعده سوى دولتين، جنوب السودان وسورية، ويعتمد تصنيف هذا المؤشر على معايير علمية معروفة: مستوى الأمن والأمان، مستوى الصراعات المحلية، حالة القوى العسكرية الخارجة عن سلطة الدولة، مستوى احترام حقوق الإنسان، عدد المسجونين والمعتقلين، عدد المشرّدين والذين لا مأوى لهم، وعدد جرائم القتل والاختطاف والتغييب المتعمد.
وبعد، هل في وسع أحد أن يقول إن العراق دولة آمنة؟
هذا عن الأطفال، وماذا عن الآخرين: رجال ونساء، شباب وشيوخ؟
إذا كانت زوجتك أو شقيقتك ناشطةً مدنية، تطالب بحقوقها الطبيعية، أو ترفع صوتها في ساحات البلاد، أو تنتقد وصفة التقسيم الطائفي التي جاء بها بول بريمر، أو تُجاهر بإدانة المفسدين، فهناك احتمال أن يكون اسمها على "لائحة الانتظار"، بعد أفراح شوقي وغفران فاضل وغيرهما ممن لم تصل أسماؤهن إلينا بعد. أما إذا كنت من منتسبي الجيش السابق، فيمكنك مشاهدة لائحة طويلة على "النت" بأسماء أقرانك ومجايليك الذين شملتهم التصفية، أو كنت صحفيا وقد قتل أكثر من 20 صحفيا في العام الفائت فقط، أو طبيبا، وقد اغتيل أو اختطف أكثر من ألفي طبيب على مدى السنوات العجاف، أو أستاذا جامعيا أو رجل أعمال أو.. أو.. إذا كنت من هؤلاء، وحاولت أن تتخطى الخطوط الحمر، في ظل ديمقراطية تجار الطوائف ورؤساء العشائر وسياسيي المصادفة، فعليك توقّي الحذر، لأن قرار تصفيتك موجود، ولم يبق سوى تحديد ساعة الصفر.
لا تنسَ أن مسؤولين رسميين يشاركوننا هذه الصورة القاتمة. يعلمنا المسؤول الأمني لمحافظة بغداد أن القوات الأمنية رصدت 15 عصابة متخصصة بالاختطاف في بغداد وحدها، تستخدم هويات رسمية وسيارات حكومية، ومرتبطة بجهاتٍ سياسية. ويؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، عمار طعمة، أن تلك العصابات تمتلك سلاح الدولة، وتستخدم سياراتها، وتتجول بحرية. وكان وزير الداخلية المستقيل، محمد سليم الغبان، قد صارحنا سابقا أن "حالات الخطف تقف وراءها جهات سياسية"، ومثل هذا قاله الرجل التنفيذي الأول في الدولة، حيدر العبادي.
وثمّة تقارير موثقة عن تصاعد ظاهرة الجريمة المنظمة وسيادة العنف، على نحوٍ لم يألفه العراق من قبل، وبأنماطٍ تستهدف كل شرائح المجتمع، ومن مختلف الأعمار، ومن بينها جرائم اغتصابٍ، وقتل، وسطو مسلح، ومتاجرةٍ بالأعضاء البشرية، على أن الأخطر من ذلك هو دخول العاملين، السياسي والطائفي، في هذه الجرائم، إذ هناك عصابات تعمل لحساب جهاتٍ سياسيةٍ نافذة، وهناك مليشيات سوداء تعمل لحساب جهاتٍ أجنبية، ولديها خطط بتصفية ناشطين سياسيين، أو ضباط وعسكريين ساهموا في الحرب على إيران، أو مثقفين وإعلاميين جاهروا بانتقاداتهم لدور المليشيات المتنامي، ورفعوا أصواتهم ضد ما يجري على صعيد السلطة والحكم من عمليات فساد وإفساد ونهب منظم.
وقبل بضعة أيام فقط، تحدثت الصحف والفضائيات عن اختطاف الناشطة غفران فاضل ووالدها وابنها عبد القادر ماجد موسى، وقبل أن تكتمل فصول هذا المسلسل المروّع كشف عن اختطاف صاحب محل أدوية في وسط بغداد، ورجل أعمال وسط البصرة، وفي وضح النهار.
يخوض العراق منذ أربع عشرة سنة عجفاء غمار تراجيديا دموية ممتدة من دون نهاية، أحد مظاهرها الخطف اليومي لمواطنين تختلف دوافع اختطافهم، ولا يجرؤ مسؤولٌ أن يقول ما يعرفه، والمواطن نفسه في حالة انعدام الأمان، صامت، لا يستطيع أن يطمئن لا على نفسه، ولا على عرضه، ولا على ماله.
وضع هذا العراق في المرتبة الثانية والستين بعد المئة في التقرير السنوي العاشر لمؤشر السلام والأمن العالمي للعام الماضي، ولا توجد بعده سوى دولتين، جنوب السودان وسورية، ويعتمد تصنيف هذا المؤشر على معايير علمية معروفة: مستوى الأمن والأمان، مستوى الصراعات المحلية، حالة القوى العسكرية الخارجة عن سلطة الدولة، مستوى احترام حقوق الإنسان، عدد المسجونين والمعتقلين، عدد المشرّدين والذين لا مأوى لهم، وعدد جرائم القتل والاختطاف والتغييب المتعمد.
وبعد، هل في وسع أحد أن يقول إن العراق دولة آمنة؟