بدأ تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بتعزيز قبضته على المناطق السورية، عبر طرد الفصائل السورية المقاتلة، ثم إجبار تلك البلدات، التي يتقدّم نحوها، بإعلان البيعة له، وذلك بعد إعلانه إقامة "الخلافة الإسلامية"، ومبايعة أبو بكر البغدادي خليفة لها. وهكذا يقبع مقاتلو الثورة السورية، والبلدات الثائرة، بين فكين، النظام السوري و(داعش). كلٌّ يتقدّم من جهة ليحاصر ويخنق تلك المناطق، محققين بذلك هدفاً واحد، القضاء على ما بقي من الثورة السورية. هدفٌ يتحقق بوضوح في محافظة دير الزور.
"داعش" والشحيل
وتعتبر مدينة الشحيل التابعة لريف محافظة دير الزور، شرقي سورية، معقلاً لـ "جبهة النصرة"، ومركز انطلاق عمليات "مجلس شورى المجاهدين" إلى باقي مناطق المحافظة. وقد أدرك "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، (داعش)، أهمية المدينة من الناحية الرمزية والإعلامية، مما جعله يحشد قواته من الموصل، وينصب مدافع ثقيلة في بلدة البصيرة، للسيطرة عليها، الأمر الذي تحقق أخيراً من خلال "المبايعة".
ويتكوّن "مجلس شورى المجاهدين" من "جبهة النصرة"، و"جيش الإسلام"، و"أحرار الشام" وفصائل إسلامية وأخرى تابعة لـ"الجيش الحر". وأعلن عن تشكيله قبل نحو شهر ونصف الشهر، بهدف إسقاط النظام، وإخراج تنظيم (داعش) من دير الزور. تمكن (داعش)، من خلال سيطرته على البصيرة، بداية، من تأمين طرق الإمداد باتجاه ريفي دير الزور الشمالي والشرقي، من البصيرة في اتجاه مركدة في ريف الحسكة، ومنها في اتجاه جزرة البوحميد في ريف الرقة.
ويؤكد الناشط الإعلامي، محمد الخليف، لـ"العربي الجديد"، أنّ مقاتلي التنظيم "استقدموا 600 مقاتل من العراق، إضافة إلى دبابات ومدافع من مدينة الموصل، ولجأوا إلى نصب مدافع ثقيلة لقصف الشحيل، لمدة أربعة أيام متتالية، سقط خلالها ثمانية عشر قتيلاً، وأكثر من ستين جريحاً. وكان قائد عمليات التنظيم، عمر الشيشاني، أحد أبرز القادة الميدانيين للتنظيم، مشاركاً في العملية".
ويلفت الخليف إلى أنّ "نفاد الذخيرة من المقاتلين، وإطلاق عشرات نداءات الاستغاثة، دون الحصول على أية مساعدة، أجبرهم على طلب المصالحة مع عناصر التنظيم، الذين اشترطوا أن يتم وقف القتال ضدهم، وإعلان البيعة لهم في شريط مصور".
في مقابل ذلك، يضمن (داعش) ألا يدخل عناصره إلى الشحيل، ويبقى أهلها داخلها، على أن يعين أميراً منها، مع الاحتفاظ بسلاح المقاتلين في الشحيل. وقد رفضت فصائل "النصرة"، و"جيش الإسلام"، و"لواء جعفر الطيار" إعلان البيعة للتنظيم، وانسحبوا إلى مدينة الميادين، ومنها إلى مناطق في القلمون التابعة لريف دمشق.
في اليوم التالي، غير (داعش) الشروط التي وضعت قبل يوم واحد، وطالب بإخلاء المدينة من الأهالي، وتسليم مقاتلي "جيش الإخلاص"، و"جيش مؤتة"، سلاحهم الثقيل والخفيف. جاء ذلك في وقت أكد فيه القيادي العسكري المكنى بأبي كتيبة، لـ"العربي الجديد"، أن مقاتلي (داعش) لجأوا إلى تفجير عدد من المنازل التابعة لـ "جبهة النصرة"، و"الجيش الحر".
ويبلغ عدد سكان قرية الشحيل 30 ألف نسمة، يضاف إليهم نحو عشرة آلاف شخص ممن نزحوا من مناطق الاشتباكات الأخرى، اتجه قسم منهم إلى مناطق مجاورة، في حين لجأ معظمهم إلى البادية، حيث نصبوا خيماً هناك، في درجة حرارة مئوية تبلغ نحو 40 درجة، وسط أنباء عن إصابات عدة لكبار وصغار السنّ بضربات الشمس.
الشعيطات لم تبايع
بعد إخضاع قرية الشحيل، حصل (داعش) على "مبايعة" كل من مدن الميادين وبلدات العشارة وصور والقورية. وبعد ضمان التنظيم لمدينتي البوكمال والموحسن، والسيطرة على آبار النفط، يتفاوض مقاتلوه في هذه الأثناء، مع عشائر الشعيطات، التي تنحدر من قرى أبو حمام والكشكية وغرانيج والبحرة، بالشروط نفسها التي اتفق عليها مع أهالي قرية الشحيل.
وتعد الشعيطات من أقوى الفصائل المقاتلة ضمن "مجلس شورى المجاهدين"، وحاصرت، مع كتائب مدينة موحسن، مطار دير الزور العسكري لأكثر من عام، قبل أن تبايع المدينة (داعش).
ولم يبق لتنظيم (داعش) في ريف دير الزور، سوى منطقتي الخريطية والطريف، في الريف الغربي. وتقع هاتان المنطقتان تحت سيطرة "أحرار الشام" التابعة لـ "الجبهة الإسلامية"، فضلاً عن مطار دير الزور العسكري، الذي لا تزال تسيطر عليه قوات النظام.
وفي مدينة دير الزور، تسيطر قوات النظام على حيي القصور والجورة، بما يشكل نحو 25 في المائة من المدينة، في حين تسيطر كتائب المعارضة على القسم الأعظم منها، وتوجد الكثير من الكتائب المبايعة لتنظيم الدولة، كما توجد كتائب أخرى تقاتل ضمن "جبهة النصرة"، لكن ناشطين لا يتوقعون أن يواجه (داعش) صعوبة في بسط سيطرته عليها، خلال الأيام المقبلة.