هكذا يسافر اليمنيّون

18 أكتوبر 2016
نجحوا في بلوغ جيبوتي بحراً (طوني كارومبا /فرانس برس)
+ الخط -

يقع اليمنيون الراغبون في السفر إلى خارج البلاد تحت ضغوط نفسية ومادية كبيرة، بالإضافة إلى المخاطر التي تهدّد حياتهم، مذ استعرت الحرب في البلاد قبل أكثر من عام ونصف العام. وتختلف حاجة الناس إلى السفر، ولعلّ أبرزها العلاج أو الدراسة أو اللجوء أو الوصول إلى مقرات السفارات الأجنبية في دول عربية بعدما أغلقت مقراتها في العاصمة صنعاء.

على خلفية القتال الدائر، تقلّص عدد المطارات والمرافئ. مطار مدينة سيئون في محافظة حضرموت التي تبعد 600 كيلومتر شرق العاصمة صنعاء، ما زال السفر منه متاحاً، مع ما يرافق ذلك من مخاطر أمنية. ومع انقطاع طريق صنعاء - سيئون عبر مأرب (شمال شرق) نتيجة المواجهات العسكرية العنيفة، اضطر محمد الغدواني إلى سلوك طرقات بديلة. هو كان يرافق أخاه المصاب بفشل كلوي ليتلقّى علاجه في القاهرة، ولم يجد حلاً سوى سلوك طريق عبر المناطق الوسطى التي تمرّ في منطقة رداع التابعة لمحافظة البيضاء (وسط). ويخبر أنّ الوصول إلى المطار كلّفهما نحو 450 دولاراً أميركياً بعد استئجار سيارة دفع رباعي سارت بهما بسرعة على طريق ترابي طويل، مثل السيارات المسافرة الأخرى لتجنّب مطاردتهم من قبل المتقاتلين أو أعضاء تنظيم القاعدة. يضيف أنّ "سرعة السيارة فاقمت من سوء وضع المريض، ما أدّى إلى مضاعفات صحية جعلته غير مؤهّل للسفر بالطائرة حتى تستقرّ حالته".

من جهته، شعر سلطان سعيد، وهو من أرياف تعز (وسط) "بورطة كبيرة بسبب إغلاق معظم منافذ اليمن". فهو كان مضطراً إلى الالتحاق بكلية الطب التي يتابع فيها دراسته في جامعة ليبزيغ الألمانية. لم يكن أمامه حلّ سوى التوجه جنوباً نحو مطار مدينة عدن، علماً أنّه واجه صعوبات في حجز تذكرة سفر. لكنّه لم يتمكّن من الدخول إلى المدينة، بعد رفض مجموعات مسلحة تتكفّل بحماية محيط المدينة، عند نقطة تفتيش في منطقة لحج (جنوب شرق). يقول سعيد: "مسؤولو الحزام الأمني طلبوا منّي هويتي، ومنعوني من الدخول بعدما أعلموني بأنّني لا أفي بشروط الدخول. والشروط هي أن أكون من سكان المناطق الجنوبية، لأنّهم تخوّفوا من انتمائي إلى الحوثيين أو من أتباع الرئيس السابق علي عبدالله صالح".




عندها، لم يجد سعيد حلاً سوى المخاطرة بالسفر بحراً، نحو أيّ دولة أفريقية. وكانت الخطة أن يتوجّه غرباً نحو منطقة مضيق باب المندب التي تشهد معارك محتدمة بين قوات التحالف العربي من جهة والحوثيين وحلفائهم من جهة أخرى. عاد إلى منطقته تعز ليواصل سفره في الاتجاه نفسه متجاوزاً بعض نقاط التفتيش، بعدما أقنع بصعوبة العناصر المسلحة بأنّه يسعى إلى السفر بحراً من أجل استكمال دراسته في الخارج. يخبر: "احتجزت لساعات عند ثلاث نقاط تفتيش بعدما تأكدوا من أنّني لست تابعاً لقوات الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي أو لقوات التحالف العربي". يضيف: "وكنت قد حرصت على حصولي على مذكّرة حول طبيعة سفري من قائد أوّل نقطة تفتيش، من أجل تسهيل وصولي إلى الساحل. لكنّ تلك المذكّرة لم تقنع عناصر النقطتين التاليتين، فاعتقلوني لأكثر من يوم ونصف اليوم".

ويكمل سعيد سرده: "بعد وصولي إلى الساحل، تواصلت مع أحد المهرّبين للتوجّه نحو جيبوتي المجاورة. وبعد ساعات انتظار متوتّرة، وسط أزيز الرصاص وصواريخ الطائرات والقذائف، ركبت مع عائلتين قارب صيد". ويلفت إلى أنّ "مخاوفنا كانت كبيرة بسبب تعرّضنا إلى القصف، على الرغم من أنّ قائد المركب رفع علماً أبيض، خصوصاً النساء والأطفال الذين ظلوا يبكون طوال تلك الرحلة المخيفة. أما أنا، فسرعة المركب وتكرار ارتطام مقدّمته بسطح المياه كانا الأكثر إقلاقاً بالنسبة إليّ". من جهة أخرى، يتحدّث سعيد عن معاناة الركاب من لهيب الشمس الذي لسعهم على مدى تسع ساعات، بالإضافة إلى توقيف زوارق لقوات التحالف قاربهم مرّتين للتحقّق من هويّة ركابه.

إغلاق للمطارات فتدهور صحي

يساهم تقلّص عدد المطارات والمرافئ المفتوحة في اليمن، في تدهور الأوضاع الصحية في البلاد. وقد ظهر ذلك جلياً عقب استهداف قاعة المآتم في صنعاء أخيراً، إذ استحال نقل أكثر من 500 جريح لتلقي العلاج في الخارج. يُذكر أنّ آلاف المرضى عاجزون عن السفر لمتابعة أوضاعهم الصحية، الأمر الذي يُعدّ تحدياً صحياً كبيراً يضاف إلى صعوبات أخرى.