هكذا يدير الثلاثي ماكرون وكوهلر وإيميليان فرنسا

29 نوفمبر 2017
ماكرون يريد ترك بصمة قوية (سيلفان لوفيفر/ Getty)
+ الخط -
منذ وصول الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون إلى الإليزيه، في 14 مايو/ أيار 2017، أحاط نفسَه بحرسٍ مقرب من الأوفياء، الوحيدين الذين يثق بهم، والذين يشتغل معهم بشكل مكثف ليلاً ونهاراً، وغالباً إلى الساعة الثالثة صباحاً، وفق ما تنقله صحيفة "لوفيغارو" في تحقيق طويل نشرته عن رجالات الرئيس الفرنسي.


وتنقل الصحيفة عن وزير حالي قوله: "إنه من دون ضوء أخضر من هؤلاء لا شيء ممكن. لأنهم يقرأون كل شيء ويقررون في كل شيء ويجمدون من يزعجهم ويتدخلون في كل مكان".


وتضيف "لوفيغارو" أن بعضاً منهم كانوا مساعدين لماكرون حينما كان في وزارة الاقتصاد، وعاضدوه في مغامرته بتأسيس حركته "فرنسا إلى الأمام"، ونظّموا حملته الرئاسية. وهو ما جعل من الطبيعي أن يكونوا من حوله في الإليزيه، ويساهموا معه في إحداث "التحولات" في البلد. نعم التحولات، فالرئيس لا يستسيغ كلمة إصلاح.

وهذا القرب من الرئيس جعل هذه الشخصيات أكثر أهمية ووزناً من أعضاء الحكومة. كل شيء في دواليب السلطة مغلق من قبل هؤلاء الأفراد الذين لا يتجاوزون اثني عشر شخصاً.

إنهم، كما تقول الصحيفة، "تحت سيطرة ماكرون، الذي يوصد كلّ شيء مع رفيقي طريقه الرئيسيين ومساعديه: ذراعه اليمنى أليكسي كوهلر، 45 سنة، الأمين العام للإليزيه وذراعه اليسرى، إسماعيل إيميليان، 30 سنة، ويحمل لقب المستشار الخاص".

ثنائي مرموق وقليل الكلام، لا يعشق الأضواء، ولهما وزنٌ أكبرُ من وزن كثير من الوزراء، بل ومن رئيس الحكومة، إدوار فيليب، نفسه.

وتنقل الصحيفة عن زائر منتظم للإليزيه قوله: "إن الثلاثي ماكرون كوهلر إيميليان يحكم فرنسا". "الأمر فعّال من أجل المضيّ إلى الأمام، بعقلية كوماندو"، لكنه يحذر من "كونهم يشتغلون فيما بينهم، ويجازفون بالظهور مقطوعين عن العالم، أي متسلطين وتقنيين بإسراف".

والحقيقة، يشير التحقيق، هي أن ماكرون لم يخترهما بمحض الصدفة. فكوهلر يعرف كواليس الدولة، خاصة وزارة الاقتصاد. وهذا الشخص الذي ولد في سترتسبورغ، من أب كاثوليكي وأمّ يهودية، يحافظ على رزانة ويمتلك حسّ الدبلوماسية، حتى إن بدا أحيانا جافّاً.

وهو، على غرار رئيسه، موهوبٌ، فقد حصل على شهادات جامعية كثيرة، في العلوم السياسية والقانون العام، وهو ما سهّل عليه بناء شبكة صلبة من العلاقات. وقد ناضل حينما كان طالباً في العلوم السياسية مع شبيبة رئيس الحكومة الاشتراكي الراحل، ميشيل روكار، إلى جانب رئيس الحكومة الحالي، إدوار فيليب، وإيمانويل مولان، مدير ديوان برونو لومير، وزير الاقتصاد.



كذلك احتكّ هذا الموظف، الذي يحمل أفكار المدير السابق لصندوق النقد الدولي، دومينيك ستراوس كان، الاجتماعية-الإصلاحية، ما بين سنتي 2010 و2012، بخفايا عالَم الأعمال في "وكالة مساهمات الدولة"، التي تدير مبلغ 90 مليار يورو. وهو ما كان مناسبة للالتقاء بشاب واعد يشتغل لدى مصرف "روتشيلد"، اسمه ماكرون، في كواليس الحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند.

وبسبب اشتغاله في مكتب بيير موسكوفيتسي، وزير الاقتصاد، آنذاك، كان يلتقي بشكل منتظم بماكرون، الذي كان يتابع ملفات الإليزيه الاقتصادية، باعتباره الأمين العام المساعد.
وهنا يكشف التحقيق حدوث نوع من الخيمياء بين الرجلين، وهو ما يصفه مستشار سابق في مكتب ماكرون: "إن أليكسي يمنح الثقة لإيمانويل. إنه أخوه التوأم، موضع ثقته وصديقه".

وحين أطلق ماكرون حملته "فرنسا إلى الأمام"، في ربيع 2016، كان كوهلر عضواً في الدائرة الأولى، إلى جانب أعضاء آخرين منهم إسماعيل إيميليان، وجوليان دينورماندي، وكونتان لافاي، وستيفان سيجورني، وكليمونت بون، وسيبيث ندياي، وبربارا فروجيير، وكلهم مقربون من الرئيس، اليوم.

ولم يكن غريباً أن يذكر ماكرون كوهلر بالاسم أثناء استقالته من وزارة الاقتصاد، شاكراً له تفانيه وإخلاصه، ومعبّراً عن الأمل في رؤيته إلى جانبه. وهنا تقول الصحيفة إن ماكرون خصّه بشيء نادر، لم يفعله، وهو اعترافه بأنه "أذكى منه". ويرى التحقيق أن تعيين كوهلر أميناً عاماً للإليزيه في مايو/ أيار 2017 طبيعي. كما هو طبيعي، أيضاً، وصولُ إيميليان ليكون مستشاراً خاصاً للرئيس.

ومسار إيميليان ليس مسار موظف كبير، وهو بالأحرى خارج الإطار. يتعلق الأمر بهاوٍ للموسيقى وقارئ نَهِم ويعمل باندفاع، وهو قادر على إنجاز توليفات لامعة وأفكار غير متوقعة وصمت طويل.

هو الأكبر في عائلة من غرونوبل، مارس السياسة حين كان طالباً في العلوم السياسية، وانتسب إلى "عصابة شارع لابلانش"، المكان الذي كان يجتمع فيه أنصار ستراوس كان، ابتداء من سنة 2006.

وكان يبحث عن مرشد في فرنسا، وهو ما سيملؤه ماكرون، سنة 2012، الذي كان يقيم عشاءات عمل لتبادل الأفكار، شارك فيها إيميليان، الذي أعجب بذكاء ماكرون. وفكّر الرجلان معاً في تأسيس شركة ناشئة سنة 2014، لكن لم يتوفر لهما الوقت، وحين تولى ماكرون وزارة الاقتصاد اصطحب معه إيميليان؛ كمكلف بالاتصال.

وكان من ثمرات التعاون بين الرجلين إقناع إيميليان لوزيره بالتحدث بـ"صراحة"، ومن دون مواربة، وبالدفاع عن القانون الليبرالي بخصوص المهن المقننة. وهنا فرض إيميليان نفسه كاستراتيجي في إنشاء حركة "فرنسا إلى الأمام"، وكمستشار سريّ لحملته الناعمة "التي هي يسارية ويمينية في آن واحد".



ثم تبع إيميليان الرئيس الفائز، الذي عيّنه في منصب مستشار. لكن إيميليان "يفضل أن يظلّ في الظل"، ولهذا السبب يرفض رفضاً قاطعاً الحديث إلى الصحافيين، لأنّه يعتبر أن "المستشار لا يجب أن يكون له وجود". ترى الصحيفة الفرنسية أن "تأثيره على الرئيس لا يقل أهمية عن تأثير أليكسي كوهلر". كذلك تتحدث الصحيفة عن تبادل أدوار بين الرجلين، فكوهلر له الدور المركزي في الإدارة.

ثلاثي لا يكلّ عن العمل
الشغل يبدأ في الثامنة والنصف صباحاً حتى الثالثة من صباح اليوم التالي، والكل جاهز للعمل. إيميليان ينجز قراءات حول دراسات الرأي، وطلبات ملاحظات من مستشارين خارجيين ولقاءات سرية مع مختصين في استطلاعات الرأي ويشارك، أيضاً، في كل اللقاءات المهمة في الإليزيه، كذلك ينغمس في قضايا حركة "الجمهورية إلى الأمام" وكتابة خلاصات سياسية واتصالات هاتفية يومية مع الرئيس، لأن هذا الأخير "نادراً ما يُقْدم على اتخاذ قرار من دون استشارته".

نفس الإيقاع، يعرفه كوهلر، الذي يراكم الاجتماعات دونما توقف، لقاءات يومية متعددة مع مدير مكتب رئيس الحكومة، اتصالات استراتيجية كل أسبوع مع الحرس القريب حول أجندة الرئيس وعلى المستوى المتوسط، وكذلك تنظيم مواعيد الرئيس، ومن بينها اللقاءات الأسبوعية مع الوزراء المهمين. والإعداد لمجالس الدفاع ومجالس الوزراء، وكذلك اللقاءات نصف الشهرية مع نحو خمسين مستشاراً في الإليزيه من دون إغفال لقاءات موضوعاتية وقراءة مئات من الإشارات التي تأتي من مختلف مصالح الإليزيه ومن الخارج.

ويتحدث التحقيق عن "الإيقاع الجهنمي" لشغل الرئيس، نفسه، الذي يبدأ العمل مباشرة بعد الانتهاء من العشاء مع زوجته بريجيت؛ الحاضرة دوماً. فهو يبدأ من الحادية عشرة ليلاً إلى الثالثة صباحاً.

إيقاع صعب يجعل كوهلر، الأب لثلاثة أبناء والمتزوج من سيدة تعشق المسرح، كما يعترف أحد المقربين، مُنهكاً. لكن هذا الإيقاع لا يمنعه، مع إيميليان، من تنفيذ أوامر الرئيس.

وهذا الإيقاع يؤثر على هذا الثلاثي، إلى درجة أن زعيماً من الأغلبية يتحدث عنهم بهذه الصيغة: "إنهم يمسكون بالدولة، ولكنهم حيوانات باردة، بطرق عنيفة". ويكشف التحقيق أن القضاء على بعض الزعامات الاشتراكية ومن حزب "الجمهوريون" في الانتخابات التشريعية وكذلك إنقاذ رئيس الحكومة السابق، مانويل فالس، إضافة إلى خروج الوزراء ريشار فيران وفرانسوا بايرو وميرييل دي سارنيز وسيلفي غولار من الحكومة، تم تنفيذه من قبل هذا الثلاثي.

ونقرأ في التحقيق أن ماكرون لا يزال يحتفظ بذكرى مخيفة تسكنه دوماً، عن مماطلات هولاند، الذي يخيفه أن يُقارَن به، إذ هو يستحضر الرئيس الفرنسي السابق، شارل دوغول، نموذجه الحقيقي.

وفي نظر هذا الثلاثي، فإن ما يمكن أن يُنظَر إليه كأخطاء، مثل القرارات التي قيل عنها إنها غير شعبية، ليست سوى ظواهر عارضة. كما أن القرار المتخذ باتخاذ مسافة مع الصحافيين، يتحمله الثلاثي، معاً، من أجل "حماية القرار السياسي". وهو كذلك وراء وصول الصحافيّ برونو روجي-بوتي، كناطق رسمي جديد، والذي كان السبب في لقاء الرئيس مع قناة "تي في1" الإخبارية، والذي كان لإيميليان دور كبير فيه، وهو ما اعتبره الرئيس نجاحاً.

لا شيء يجب أن يترك للصدفة، كما يعتقد هذا الثلاثي، وهو ما يعني أنه "يشرف ويراقب أدق التفاصيل، وهو ما يضع الحكومة تحت ضغط كبير، والتي يتم تصويب حركاتها بشكل منتظم. كما أن كل التقارير عن اجتماعات الحكومة تعاد قراءتها وتقييمها من قبل الإليزيه".




ويكشف التحقيق أن الرئيس ماكرون غالبا ما يطلب من وزرائه حضور اجتماعات في الإليزيه من دون مساعدين ولا حتى ملاحظات مكتوبة، وهو ما يرى فيه بعضهم "طريقة قاسية لامتحانهم أمامه وأمام كوهلر". كما أن كوهلر، الذي أشرف بنفسه على اختيار معظم مديري مكاتب الوزراء، يقوم باستدعائهم كل شهر من أجل "اجتماعات تحفيزية".

وأخيراً، وكمثال على تأثير وسطوة الإليزيه على القرارات، يكشف التحقيق أن تفاصيل مشروع ميزانية 2018 خضع لتحكيم مجموعة ماكرون، التي قامت بإدخال تعديلات على مقترحات وزارة الاقتصاد والحكومة، في اتجاهٍ أكثرَ ليبراليةً.

ولكن احتكار القرار من قبل هذا الثلاثي يجعل كثيراً من نواب الأغلبية يعبرون عن قلقهم من حائط المستشارين الذين يحيطون بالرئيس، الذي أصبح من الصعب الاقتراب منه.

المساهمون